"زيارة خلف الأسوار".. حين يتحوّل لقاء الأم في السجن بإيران إلى كابوس
"زيارة خلف الأسوار".. حين يتحوّل لقاء الأم في السجن بإيران إلى كابوس
في صباح صيفي حار من هذا الشهر، سارت ابنة السجينة السياسية فاطمة سبهري خطواتها نحو سجن "وكيل آباد" في مدينة مشهد الإيرانية. كانت زيارتها مجرّد محاولة عادية لطمأنة والدتها المعتقلة منذ أغسطس 2022، لم تكن تعلم أن هذه الزيارة ستتحوّل إلى صدمة نفسية ستلاحقها لزمن طويل، كما ستدفع ثمنها أسرتها كاملة.
في الثامن من يوليو الجاري، تقول العائلة إن الفتاة تعرضت داخل أسوار السجن لـ"تفتيش جسدي مهين وتحرش جنسي صريح" على يد مفتشة تُدعى "رهنما"، لم تكن الحادثة الأولى من نوعها في سجون إيران، لكنها كانت الأكثر قسوة بالنسبة لعائلة سبهري، التي لا تزال تقاوم العزلة، والتهديدات، والتنكيل بها داخل الزنازين وخارجها، بحسب ما ذكرت شبكة "إيران إنترناشيونال"، اليوم السبت.
"كان الهدف إذلالنا بالكامل"، يقول أحد أقرباء الأسرة، مضيفًا: "هذه ليست ممارسات أمنية، بل انتقام صريح من أناس لم يعد لهم من وسيلة سوى كسر أرواحنا".
جسد الأنثى ساحة للانتقام
التفتيش الجسدي، الذي يُفترض أن يكون إجراءً أمنيًا محدودًا، بات في السجون الإيرانية وسيلة إذلال ممنهجة، وأداة عقاب جماعي ضد المعارضين، لا تُستثني منه النساء ولا عائلاتهم.
تقول العائلة إن الحادثة تركت أثرًا نفسيًا بالغًا في ابنتهم، وعلى السجينة فاطمة نفسها، التي أُبلغت بما جرى بعد انتهاء الزيارة.
أما محمد حسين سبهري، السجين الآخر في العائلة، فقد حاول الاحتجاج، فكان جزاؤه النقل إلى زنزانة انفرادية، وقطع الاتصالات عنه، وحرمانه من زيارتين.
وبينما تجاهل مسؤولو السجن شكواه تمامًا، تقول الأسرة إن الرد الوحيد الذي تلقّوه من إدارة السجن كان على شكل "عقوبات تأديبية صامتة"، في واحدة من صور الانتهاكات المركبة ضد السجناء وعائلاتهم.
عنف باسم "التفتيش"
قصة سبهري ليست استثناءً، بل جزء من نمط مستمر من الانتهاكات التي طالت عشرات السجينات السياسيات وزائراتهن، وفي يونيو الماضي، تعرّضت زوجة أحد السجناء السياسيين في سجن قزل حصار لاعتداء مماثل.
وفي سبتمبر من العام الماضي، أرسلت 22 سجينة سياسية من سجن إيفين رسالة مفتوحة، وثّقن فيها وقائع تحرّش وتفتيش عارٍ، مطالبات بمحاسبة المتورطين.
في تقرير حديث لقناة "إيران إنترناشيونال"، قال أحد المعتقلين السياسيين إن عناصر أمن السجن "جرّدوا نساءً بالكامل من ملابسهن"، واصفًا ما حدث بأنه "اغتصاب جماعي معنوي".
تضيف عائلة سبهري: "ما يحدث لا يمكن فصله عن جوّ القمع الذي تصاعد بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل. النظام يردّ بغضب على الضعفاء، ونحن أول ضحاياه".
مساحات لإعادة العقاب
تتحوّل السجون في إيران شيئًا فشيئًا إلى مساحات لإعادة فرض العقاب ليس على السجناء فقط، بل على عائلاتهم. يتحمّل الزوّار، من زوجات وأمهات وبنات، مشقة تفتيشات لا تتّسم بالاحترام أو القانون، بل تنتمي إلى قاموس التعذيب النفسي والجسدي.
ورغم نفي بعض المؤسسات الرسمية لحصول انتهاكات جنسية، فإن وكالة "ميزان" التابعة للقضاء الإيراني، أقرت في وقت سابق بأن "التفتيش الجسدي العاري" يحدث أحيانًا، لكنها حاولت التقليل من شأنه بالقول: "لا يتم الاحتفاظ بأي صور أو تسجيلات"، وهو اعتراف يكشف حجم الفجوة بين ما تمارسه السلطة وما تدّعيه من قانون.
وفي بيانها، قالت عائلة سبهري: "نحن لا نطلب شيئًا خارقًا، فقط كرامة إنسانية". وأضافت: "ما تعرّضنا له هو استغلال فاضح للسلطة، وعقاب جماعي، وإذلال متعمد".
قضية السجينين فاطمة ومحمد حسين سبهري، في ضوء ما جرى، لم تعد فقط قضية حرية تعبير أو معارضة سياسية، بل غدت رمزًا لانتهاك مضاعف يمارسه النظام الإيراني على من يعارضه، ويعاقب حتى من يزورهم أو يرفع صوته دفاعًا عنهم.
ورغم التعتيم والرقابة، تظل القصص تتسرّب صوتًا وراء القضبان، وصورة على الأجساد التي لا تزال تبحث عن احترام لم يُكتب لها في وطنها.