إعدامات ميدانية وتمثيل بالجثث.. المرصد السوري يوثق جرائم حرب في السويداء
إعدامات ميدانية وتمثيل بالجثث.. المرصد السوري يوثق جرائم حرب في السويداء
في محافظة السويداء جنوب سوريا، تحولت الشوارع والبيوت إلى مسارح رعب معلن، وكشفت صور ومقاطع مصوَّرة، حصل عليها المرصد السوري لحقوق الإنسان، تنفيذ عمليات إعدام ميداني وتمثيل بالجثث وقطع رؤوس في مشاهد تهز الضمير الإنساني.
وفي أسبوع واحد فقط، وثق المرصد 185 حالة إعدام ميداني، في تصعيد دموي لا يُفرّق بين مدني وأسير، في وقت يُخيّم فيه الصمت الدولي على مدينة تحترق بالثأر والتشظي الطائفي.
جرائم مروعة توثقها الكاميرا
ضمن ما رصده المرصد السوري: مقطع يُظهر رأسًا مقطوعًا يعود لشخص من ريف حلب الشمالي، عُثر عليه بعد اقتحام مسلّحي العشائر مواقع كانت تحت سيطرة مسلّحين محليين من أبناء الطائفة الدرزية، وكذلك شريط آخر يُوثق إقدام عنصر من مسلّحي العشائر على قطع رأس مدني درزي، إضافة إلى تسجيل ثالث يكشف تهديدات مباشرة بذبح عدد من الأسرى الدروز في قبضة مسلّحي العشائر.
وفي ذروة الوحشية، اهتزت محافظة السويداء بمشهد إعدام ثلاثة شبان من آل عرنوس داخل شقة في الطابق الرابع، حيث أُجبروا تحت الإهانات على إلقاء أنفسهم من الشرفة، قبل إطلاق النار عليهم مباشرة.. مأساة زاد وقعها لأن الضحايا كانوا من الكفاءات العلمية "مهندس وطبيبان".
أرقام تروي مأساة
في غضون سبعة أيام من التصعيد في السويداء: سقط 940 قتيلاً على الأقل، معظمهم مدنيون وفق أرقام المرصد السوري لحقوق الإنسان.
182 شخصًا -بينهم 26 امرأة، 6 أطفال، ورجل مسن- أعدموا ميدانيًا برصاص قوات من وزارتي الدفاع والداخلية.
3 من أبناء عشائر البدو بينهم امرأة وطفل أُعدموا على يد مسلحين دروز.
عنف متبادل وانتقام مفتوح
العنف في السويداء لم يعد مجرّد مواجهة مسلحة، بل تحول إلى دوامة انتقام طائفي. عمليات التصفية تُنفذ بدم بارد، وترافقها شعارات ثأرية.
وبات مشهد الجثث الملقاة في الشوارع أو على أبواب المشافي جزءًا من حياة السكان اليومية. في ظل غياب أي سلطة تحمي المدنيين، انتقلت المعركة من جبهات القتال إلى الأحياء السكنية.
يشير حقوقيون إلى أنّ ما يجري في السويداء يُعرّي تمامًا غياب الردع القانوني وانهيار الدولة كضامن لحقوق الإنسان.
السويداء بين نارين
السويداء ذات الغالبية الدرزية بقيت سنوات بمنأى -نسبيًا- عن الصراع السوري المباشر، لكن الفوضى الأمنية وتسلح العشائر وفشل المبادرات الأهلية أدت لتفجّر نزاعات دامية.
وتاريخيًا، تُعد المحافظة رمزًا للتماسك الأهلي، لكن غياب التنمية والفقر والتجاذبات الإقليمية حول ملف الأقليات دفعت بها اليوم إلى حافة الهاوية.
مصير المدنيين رعبٌ مفتوح على المجهول
مع انهيار الهدنة الهشة، يخشى السكان توسّع الاشتباكات ووصولها إلى قرى جديدة، وتؤكد شهادات ميدانية للمرصد السوري أن الأهالي يعيشون بين رصاص القناصة، ومخاوف اقتحام البيوت، وأصوات التكبير المصاحبة للقتل العلني.
جذور التصعيد الدموي في السويداء
محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية عرفت خلال السنوات الماضية استقرارًا نسبيًا مقارنةً ببقية المناطق السورية؛ إذ نأت بنفسها إلى حدّ بعيد عن خطوط الاشتباك الرئيسية في الحرب السورية الممتدة منذ 2011، غير أنّ هذا الاستقرار الظاهري كان هشًّا، وظلّ يخفي تحت سطحه صراعًا معقّدًا بين مطالب أهلية مزمنة بالكرامة والإصلاح وبين تغوّل السلطة والفوضى الأمنية.
في عام 2023، خرجت تظاهرات سلمية واسعة النطاق في السويداء ضد تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار، ورفعت شعارات تطالب بالكرامة والإصلاح، ووصلت إلى حدّ المطالبة بتنحي الرئيس بشار الأسد، ولاقت هذه الاحتجاجات تعاطفًا شعبيًا واسعًا داخل المحافظة وحتى في مناطق أخرى من سوريا، لكنها بقيت سلمية بشكل شبه كامل.
تفكك السلطة المحلية وبروز قُوى مسلّحة
في ظلّ انسحاب جزئي للأجهزة الأمنية وتراجع سطوة الدولة، ظهرت مجموعات مسلّحة محلية محسوبة على مشايخ عقل الطائفة الدرزية أو على زعامات محلية، بعض هذه المجموعات اكتسب شرعية شعبية للدفاع عن المتظاهرين ومنع الاعتقالات، في حين تحوّلت مجموعات أخرى تدريجيًا إلى أطراف ذات أجندات خاصة أو موالية لأجهزة أمنية أو حتى لجهات خارجية.
تفجر الاشتباكات الأخيرة
خلال الأشهر الماضية، تصاعدت التوترات بشكل غير مسبوق بين مسلحين من أبناء الطائفة الدرزية -بعضهم محسوب على لجان محلية نشأت بدايةً لحماية المتظاهرين- ومسلحين من عشائر البدو القاطنين في ريف السويداء الشرقي والجنوبي، والذين ينتمي بعضهم لعشائر متداخلة مع محافظات درعا ودير الزور.
اندلعت شرارة الاشتباكات الأخيرة على خلفية عمليات خطف متبادل وثأر دموي بين المجموعتين، ثم اتسعت لتشمل مناطق مدنية وأحياء مأهولة. هنا خرج العنف عن السيطرة وتحول إلى جرائم انتقام طائفي مروّع شملت إعداماتٍ ميدانيةً وتمثيلاً بالجثث وحرقَ ممتلكات مدنيين.