تشريع انتقامي.. إقرار قانون الإعدام الإسرائيلي يفاقم الانتهاكات ضد الفلسطينيين

تشريع انتقامي.. إقرار قانون الإعدام الإسرائيلي يفاقم الانتهاكات ضد الفلسطينيين
عقوبة الإعدام- أرشيف

أقرّ البرلمان الإسرائيلي مشروع قانون مثير للجدل، يسعى إلى فرض عقوبة الإعدام الإلزامية على الفلسطينيين الذين يقتلون يهودًا إسرائيليين لأسباب قومية، دون أن يشمل اليهود الإسرائيليين الذين يقتلون فلسطينيين.

ووفق تقرير نشرته صحيفة "فايننشيال تايمز"، قدّم عضو حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف، وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، مشروع القانون، الذي أُقرّ بأغلبية 39 صوتًا مقابل 16، ويحتاج إلى اجتياز تصويتين برلمانيين إضافيين ليصبح قانونًا نافذًا.

وشهد البرلمان تصويتًا وسط أجواء مشحونة، حيث تبادل أعضاء من ائتلاف بنيامين نتنياهو والنواب العرب عبارات لاذعة، قبل طرد ثلاثة سياسيين عرب من النقاش. 

دعا مشروع القانون المحاكم الإسرائيلية إلى فرض عقوبة الإعدام على من تسببوا في وفاة مواطن إسرائيلي لأسباب قومية "بهدف الإضرار بدولة إسرائيل والنهضة الوطنية للشعب اليهودي في أرضه"، وقد واجه هذا البند انتقادات واسعة، إذ يطبق القانون على الفلسطينيين فقط، وليس على الإسرائيليين اليهود الذين يقتلون الفلسطينيين.

سمح القانون للمحاكم العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية بفرض عقوبة الإعدام بالأغلبية بدلاً من الإجماع، وألغى إمكانية تخفيف هذه الأحكام، وفقًا لتقرير نشره مركز الميزان لحقوق الإنسان في أكتوبر 2025.

واعتبر المركز هذا البند الطبيعة الانتقامية والمُسيّسة لمشروع القانون، لأنه يُجرّد القضاة من السلطة التقديرية ويخالف المعايير القانونية المقارنة، وأضاف أن القانون يجعل الإعدام أقرب إلى أداة للانتقام من الفلسطينيين وقتلهم جماعيًا، ويُعد جزءًا من الإبادة الجماعية المستمرة في غزة.

انتهاك الحق في الحياة

أوضحت المديرة الأولى للأبحاث والمناصرة والسياسات والحملات في منظمة العفو الدولية، إريكا جيفارا روزاس، أن القانون يُلزم المحاكم بفرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين فقط، رغم أن النص القانوني لا يذكرهم صراحةً، إلا أن الركن المعنوي للجريمة يشير إلى استهدافهم.

وأكدت روزاس أن عقوبة الإعدام تمثل "أقصى درجات القسوة واللاإنسانية والمهينة، وحرمان لا رجعة فيه من الحق في الحياة"، وأن فرضها الإلزامي بأثر رجعي ينتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير الدولية المتعلقة باستخدام العقوبة.

وأشارت روزاس إلى أن التحول نحو إلزام المحاكم بفرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين يُعد تراجعًا خطيرًا، ويأتي في سياق استمرار إفلات نظام الفصل العنصري الإسرائيلي من العقاب، بما في ذلك مئات عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء خلال العقد الماضي.

وأكدت أن القانون يُخوّل المحاكم العسكرية بفرض أحكام الإعدام على المدنيين الفلسطينيين، وهي أحكام لا يمكن تخفيفها، مع معدل إدانة يتجاوز 99% للمتهمين الفلسطينيين.

وذكرت روزاس أن القانون الإسرائيلي يقيّد عادةً استخدام عقوبة الإعدام على جرائم استثنائية مثل الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وأن آخر عملية إعدام نفّذت بأمر من المحكمة كانت عام 1962.

وأضافت أن إقرار القانون سيضع إسرائيل في مواجهة التوجه العالمي نحو إلغاء عقوبة الإعدام، ويخالف المعاهدات الدولية التي صادقت عليها الدولة عام 1991.

وأشار تقرير مركز الميزان إلى أن مشروع القانون الجديد يأتي في سياق سلسلة من التعديلات التشريعية التي أقرّها الكنيست بعد أكتوبر 2023، والتي تمنح السلطات الإسرائيلية صلاحيات واسعة للعمل خارج الرقابة القضائية، بما في ذلك حرمان المعتقلين الفلسطينيين من ضمانات المحاكمة العادلة.

أوضح المركز أن آلاف الفلسطينيين اعتقلتهم السلطات الإسرائيلية في غزة منذ أكتوبر 2023، واحتجزتهم في ظروف لاإنسانية، وتعرض بعضهم للتعذيب، بينما لقي العشرات حتفهم أثناء الاحتجاز.

وندّد مركز الميزان بالقوانين المقترحة التي تُجيز قتل المعتقلين الفلسطينيين، واعتبرها جزءًا من العقاب الجماعي والإبادة الجماعية في غزة، وشدد على أن المجتمع الدولي مطالب باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الفلسطينيين ووقف هذا التصعيد، بما يشمل الضغط على الحكومة الإسرائيلية لإلغاء التشريعات التي تُسهم في نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين.

وأضاف التقرير أن مشروع القانون الجديد يُسهّل فرض عقوبة الإعدام في الضفة الغربية، ويجعلها إلزامية، دون مراعاة القوانين الدولية المتعلقة بالأراضي المحتلة، واعتبر المركز أن القانون يُخالف المعايير القانونية المقارنة ويُفرّغ السلطة القضائية من دورها في تقييم النوايا والإجراءات، ما يحوّل الإعدام إلى أداة عقابية وانتقامية.

ترحيل عائلات منفذي الهجمات

وعلى صعيد متصل، أقرّ البرلمان الإسرائيلي في نوفمبر 2024 قانونًا آخر يسمح بترحيل أفراد عائلات منفذي الهجمات الفلسطينيين، بما في ذلك المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل وسكان القدس الشرقية المضمومة، إلى غزة أو أماكن أخرى، وفق وكالة "أسوشيتد برس".

أُقر القانون بأغلبية 61 صوتًا مقابل 41، ويدعم تنفيذ العقوبة أعضاء حزب الليكود وحلفاؤه من اليمين المتطرف، حذر الخبراء القانونيون من أن أي محاولة لتطبيق القانون ستواجه إلغاءً محتملًا من المحكمة العليا، ولكن، لا يوجد قرار إلغاء حتى الآن: حتى وقتنا الحالي (نوفمبر 2025)، لم تصدر المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً بإلغاء القانون.

رصد تقرير فايننشيال تايمز أن مشروع القانون يضيف إلى سلسلة التشريعات التمييزية لحكومة نتنياهو، التي تعتبر الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، و حذرت افتتاحية صحيفة هآرتس من أن التشريع سيكون "وصمة عار أخلاقية لا تُمحى، وسيزيد من تشويه صورة إسرائيل في الخارج"، معتبرة أن عقوبة الإعدام على أساس العرق تعكس التشريعات الانتقائية العنصرية.

وأشار التقرير إلى أن مشروع القانون يسعى لتقييد استخدام السلطة القضائية، وجعل أحكام الإعدام إلزامية في المحاكم العسكرية، بما يخالف القانون الدولي ويزيد من المخاطر على حقوق الفلسطينيين، حيث يعكس تحولًا دراماتيكيًا نحو التمييز المؤسسي والعقاب الجماعي، ويخالف المعايير الأساسية لحقوق الإنسان، بما يشمل الحق في الحياة والمحاكمة العادلة وحظر التعذيب.

دعوات لإلغاء التشريعات التمييزية

طالبت منظمة العفو الدولية والمراكز الحقوقية الفلسطينية المجتمع الدولي بممارسة ضغط فوري على إسرائيل لإلغاء مشروع القانون، ووقف جميع الممارسات التي تُسهم في نظام الفصل العنصري.

وأكدت إريكا جيفارا روزاس أن فرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين يندرج ضمن القتل الجماعي والتمييز العنصري، ويشكل انتهاكًا صارخًا للمعايير الدولية.

وأشار مركز الميزان إلى أن القانون يُشرّع العقاب الجماعي، ويُكرّس سياسة القتل المنهجي للمعتقلين الفلسطينيين، ويحوّل المحاكم العسكرية إلى أدوات انتقامية بدلاً من كونها جهة قضائية عادلة.

ودعا المركز إلى تدخل عاجل من المجتمع الدولي، بما يشمل تطبيق المعاهدات الدولية وحقوق الإنسان، لحماية الفلسطينيين وضمان محاكمتهم بعدالة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية