يعملون في الظل.. ألمانيا تلاحق العمل "الأسود" لحماية العمّال وعدالة السوق

يعملون في الظل.. ألمانيا تلاحق العمل "الأسود" لحماية العمّال وعدالة السوق
عناصر من الشرطة الألمانية - أرشيف

تتزايد في ألمانيا قصص العمال الذين يكدّون ليلاً ونهاراً خلف عجلات الدراجات أو في أقبية صالونات التجميل، دون عقود رسمية، ودون حماية قانونية. هؤلاء الذين يُطلق عليهم ضحايا "العمل الأسود"، يعيشون بين مطرقة الحاجة وسندان القوانين الصارمة. 

وفي الوقت الذي تكافح فيه الحكومة الألمانية الظاهرة من أجل حماية العدالة في سوق العمل، يبقى آلاف العمّال، ومنهم مهاجرون ولاجئون، عالقين في منطقة رمادية لا تضمن لهم سوى الغموض والخوف من الغد.

قررت الحكومة الألمانية تشديد الرقابة على شركات توصيل الطعام، في إطار جهودها المتواصلة لمكافحة العمل غير القانوني، ووفق ما نشرته صحيفة راينشه بوست، الثلاثاء، فإن مشروع القانون الجديد، المدعوم من الائتلاف الحكومي بين الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU/CSU) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، يهدف إلى سد الثغرات القانونية التي تستغلها بعض الشركات.

وسيشمل القرار أيضًا صالونات الحلاقة واستوديوهات التجميل، وهي قطاعات طالما شهدت استغلالاً للعمال من خلال عقود غير رسمية وأجور لا تخضع للضرائب أو التأمين الاجتماعي.

غرامات وعقوبات مشددة

نصّ المشروع الجديد على فرض غرامات مالية قاسية في حال المخالفات، وإلزام العاملين بحمل وثائق الهوية أثناء العمل وعرضها عند الطلب، إلى جانب تطبيق ما يُعرف بـ"التبليغ الفوري" لأي نشاط جديد.

وقالت أنيا كارليتسيك المسؤولة في اللجنة المالية، إن إدراج قطاع التوصيل ضمن قائمة المهن الخاضعة للمراقبة يمثل "خطوة حاسمة لضمان المنافسة العادلة وحماية حقوق العمال". 

وأشارت إلى أن القانون الجديد يهدف إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعاني من منافسة غير عادلة من مؤسسات تعتمد على العمالة غير النظامية.

البرلمان على موعد مع الحسم

من المقرر أن يصوت البرلمان الألماني (البوندستاغ) على مشروع القانون يوم الخميس 13 نوفمبر، في خطوة يُتوقع أن تحظى بدعم واسع من الكتل البرلمانية. 

وتعد الحكومة أن هذه الإجراءات تمثل ركيزة أساسية في مواجهة واحدة من كبرى التحديات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

يُعرف العمل الأسود في ألمانيا بأنه أي نشاط مهني لا يخضع للضرائب أو نظام التأمين الاجتماعي، سواء من قبل العمال أو أصحاب العمل. 

ويؤدي هذا النوع من العمل إلى حرمان الدولة من مواردها المالية، كما يُفقد العاملين حقوقهم الأساسية في التأمين الصحي والمعاشات والتعويضات.

ولا تقتصر العقوبات على الغرامات فحسب، إذ يمكن أن تصل إلى 500 ألف يورو أو حتى عقوبات بالسجن في بعض الحالات.

المهاجرون في قلب الأزمة

يُعد المهاجرون واللاجئون من أكثر الفئات تعرضًا للاستغلال ضمن منظومة العمل غير القانوني، خاصة في قطاعات التنظيف والمطاعم والتوصيل. 

كثير منهم يعملون في ظروف قاسية ولساعات طويلة، دون تأمين أو ضمان اجتماعي، فقط لأنهم بحاجة ماسة للدخل.

ويؤكد ناشطون حقوقيون أن هذه الفئة تحتاج إلى توعية قانونية ودعم حكومي حقيقي لتجنّب الوقوع ضحية للاستغلال أو العقاب، فالقانون لا يفرق بين العامل وصاحب العمل عندما يتعلق الأمر بانتهاك القوانين، في حين يظل "الجهل بالقانون" غير مقبول بوصفه عذراً قانونياً.

حملة ضد "العمل الأسود" 

تجسد حملة ألمانيا ضد "العمل الأسود" معركة بين العدالة الاقتصادية والواقع الاجتماعي المعقد، ففي حين تسعى الحكومة إلى حماية نظامها الضريبي وضمان المنافسة النزيهة، يبقى السؤال الإنساني حاضرًا: كيف يمكن تحقيق العدالة دون أن يُترك الضعفاء في العراء؟

بين الحلم بعمل كريم والقلق من الملاحقة، يمضي آلاف العمال في شوارع ألمانيا حاملين طعام الآخرين، في حين لا يجد بعضهم ما يضمن لهم قوت يومهم أو أمان مستقبلهم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية