تحت مظلة الجوع والديون.. الأمم المتحدة تحذّر من انهيار سبل العيش بأفغانستان
تحت مظلة الجوع والديون.. الأمم المتحدة تحذّر من انهيار سبل العيش بأفغانستان
تواجه أفغانستان واحدة من أكثر الأزمات الاقتصادية والإنسانية تعقيداً منذ عودة حركة طالبان إلى السلطة في عام 2021، إذ كشفت الأمم المتحدة في تقرير جديد الأربعاء أن التعافي الاقتصادي في البلاد يتدهور بوتيرة مقلقة، مشيرة إلى أن تسعة من كل عشرة أسر أفغانية اضطروا إلى تقليص عدد وجباتهم أو بيع ممتلكاتهم أو الاستدانة لتأمين احتياجاتهم الأساسية.
ووفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، فإن عودة أكثر من 4.5 مليون لاجئ منذ عام 2023 -معظمهم من إيران وباكستان- فاقمت الأزمة بشكل غير مسبوق، إذ زاد عدد السكان بنسبة تقارب 10% في بلد يعاني أصلاً من ضعف الموارد، وانهيار الخدمات العامة، وانكماش فرص العمل، ووصف التقرير الوضع بأنه نقطة حرجة تهدد بانهيار اجتماعي واقتصادي شامل بحسب وكالة رويترز.
أسباب الانهيار: عودة جماعية وجفاف وديون خانقة
وفق بيانات الأمم المتحدة، فإن نحو 90% من الأسر العائدة إلى أفغانستان غارقة في الديون التي تتراوح بين 373 و900 دولار، أي ما يعادل خمسة أضعاف متوسط الدخل الشهري الذي لا يتجاوز 100 دولار، وتوضح المنظمة أن هذه الديون تُستخدم غالباً لتأمين الغذاء أو العلاج أو تكاليف المأوى، في حين يضطر نصف العائدين تقريباً إلى التخلي عن الرعاية الصحية لشراء الطعام.
كما أسهمت الكوارث الطبيعية المتلاحقة -من زلازل وفيضانات وجفاف- في تدمير أكثر من 8000 منزل، وأثقلت كاهل البنية التحتية والخدمات الصحية والتعليمية، وتشير الأمم المتحدة إلى أن الجفاف المستمر يهدد الأمن الغذائي لما لا يقل عن 19 مدينة أفغانية، ويقضي على أرزاق المزارعين الذين يعتمدون على الزراعة بوصفها مصدراً رئيسياً للدخل.
المزارع محمد البالغ من العمر 60 عاماً من ولاية هرات، روى لمنظمة "ورلد فيجن" أن الجفاف دمّر 92% من البذور المزروعة هذا العام، موضحاً أن محصول القمح الذي يمثل قلب الزراعة في أفغانستان تضرر بشدة بسبب جفاف الينابيع وانخفاض مستوى المياه الجوفية.
جوع واسع النطاق وسوء تغذية حاد
بحسب منظمة "ورلد فيجن" الخيرية، فإن أفغانستان تشهد اليوم واحدة من أسوأ أزماتها الغذائية في التاريخ الحديث، ويعاني 3.7 مليون طفل دون الخامسة و1.2 مليون امرأة حامل أو مرضع من سوء تغذية حاد، في حين أُغلق أكثر من 300 مركز تغذية بسبب نقص التمويل، وتقول المنظمة إن الموارد المتاحة لا تغطي سوى 30% من الاحتياجات العاجلة.
وفي ظل هذا الواقع، تحذر المنظمة من أن "الأطفال الجائعين والمصابين بسوء التغذية لا يستطيعون الانتظار"، مشيرة إلى أن نصف السكان تقريباً يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، وأن معدلات الهزال بين الأطفال وصلت إلى مستويات تهدد الحياة في بعض الولايات الجنوبية والغربية.
أما على الصعيد الصحي، فالتقارير تشير إلى أن 45% من الأسر العائدة تعتمد على مصادر مياه غير آمنة مثل الآبار غير المحمية، ما يزيد من خطر انتشار الأمراض المعدية وسوء التغذية، وتؤكد تقارير الأمم المتحدة أن تدهور النظام الصحي -نتيجة نقص التمويل وتجميد المساعدات الخارجية بعد 2021- أدى إلى تراجع الخدمات الطبية بنسبة تفوق 60% مقارنة بما قبل سيطرة طالبان.
مسؤولية دولية متصاعدة ودعوات عاجلة للتدخل
حذر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أن غياب دعم عاجل سيؤدي إلى تفاقم الفقر والهجرة والإقصاء، داعياً المجتمع الدولي إلى زيادة التمويل الإنساني ودعم سبل العيش المستدامة في المناطق الأكثر تضرراً، وأكد أن العودة الجماعية للمهاجرين دون خطط استيعاب فعالة قد تؤدي إلى تفجير أزمة إنسانية جديدة.
في المقابل، طالبت منظمات إنسانية مثل "ورلد فيجن" واللجنة الدولية للصليب الأحمر بضرورة الفصل بين المساعدات الإنسانية والخلافات السياسية، مشيرة إلى أن تعليق التمويل الدولي منذ عام 2021 أدى إلى شلّ الاقتصاد المحلي وتجميد آلاف المشاريع التنموية.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أفغانستان تحتاج إلى ما لا يقل عن 4.6 مليار دولار سنوياً لتغطية الاحتياجات الإنسانية الأساسية، في حين لم يُجمع سوى نحو 1.5 مليار دولار حتى نهاية 2025، أي أقل من ثلث المطلوب.
من الحرب إلى الانهيار الاقتصادي
منذ عودة حركة طالبان إلى الحكم في أغسطس 2021، دخلت أفغانستان مرحلة جديدة من العزلة الدولية، جُمّدت أصولها المالية في الخارج، وتوقف التمويل الدولي الذي كان يشكّل نحو 75% من الميزانية العامة، أدى ذلك إلى انهيار مفاجئ في القطاع المالي والمصرفي، وتوقف رواتب الموظفين، وارتفاع معدلات البطالة إلى أكثر من 40%.
كما تراجع الاستثمار الزراعي والصناعي، في حين لم تتمكن الحكومة القائمة من تعويض الفراغ الناتج عن انسحاب المنظمات الدولية، وأصبح القطاع غير الرسمي المصدر الأساسي للبقاء، معتمدًا على التحويلات الفردية، والاقتصاد الرمادي، وتجارة صغيرة الحجم.
ويرى خبراء الأمم المتحدة أن استمرار الأزمة الإنسانية دون تدخل منظم سيجعل أفغانستان تتحرك نحو نقطة اللاعودة، حيث تتآكل قدرة المجتمع على التعافي الذاتي ويصبح الاعتماد على المساعدات الدولية دائماً لا مؤقتاً.
الأطفال لا يستطيعون الانتظار
في ختام تقاريرها، دعت "ورلد فيجن" ومعها وكالات الأمم المتحدة إلى استجابة عاجلة ومنسقة تشمل الغذاء والمياه والرعاية الصحية والتعليم، مؤكدة أن المجتمعات العائدة تحتاج إلى أكثر من الخيام والطرود الغذائية، بل إلى فرص حقيقية للعيش الكريم.
وحذرت المنظمة من أن تأخير الدعم الإنساني سيقود إلى كارثة غذائية شاملة خلال شتاء 2025-2026، إذ من المتوقع أن يتراجع إنتاج القمح بنسبة 30% إضافية، في حين لا تزال أسعار المواد الغذائية أعلى بثلاثة أضعاف مما كانت عليه عام 2020.
في بلدٍ أنهكته الحرب والفقر، يختصر المزارع محمد مأساة الملايين حين يقول: "كنا نحلم بمحصول جيد يعيد إلينا الأمل، لكن الأرض لم تمنحنا إلا العطش"، وبين الديون والجوع والجفاف، تبدو أفغانستان اليوم على حافة مجاعة كبرى، في حين يستمر صمت العالم، تاركاً شعباً بأكمله يصارع للبقاء.










