بين الإهانات العنصرية وغياب العقوبات.. تصاعد خطاب الكراهية في الملاعب الإسبانية

بين الإهانات العنصرية وغياب العقوبات.. تصاعد خطاب الكراهية في الملاعب الإسبانية
لامين يامال لاعب نادي برشلونة

في واقعة جديدة أعادت فتح الجدل حول العنصرية والتمييز في الملاعب الإسبانية، أعلنت رابطة الدوري الإسباني لكرة القدم "الليغا" عن تقديم شكوى رسمية إلى السلطات، بعد تعرض لاعب برشلونة لامين يامال لإهانات لفظية عنصرية وتحريضية خلال مباراة فريقه أمام سلتا فيغو على ملعب "بالايدوس".

 الحادثة، التي جاءت بعد سلسلة من الوقائع المشابهة في الأشهر الأخيرة، تثير تساؤلات عميقة حول تصاعد الخطاب العدائي في الملاعب الإسبانية، ومدى قدرة المؤسسات الرياضية على ردعه، وفق وكالة الصحافة المستقلة.

من فينيسيوس إلى يامال

تقرير رابطة الليغا أشار إلى أن يامال، البالغ من العمر 17 عامًا، تعرض لهتافات مسيئة ذات طابع جنسي وعنصري من مجموعة من جماهير سلتا فيغو، تضمنت عبارات مهينة مثل "الزوج المخدوع" ودعوات "للدوس عليه"، كما أكدت الرابطة أن مراقبيها وثّقوا تسع حوادث سلوك جماهيري غير رياضي خلال اللقاء، وأخرى مشابهة في مباريات ضمن نفس الجولة، بينها لقاءات فالنسيا وريال بيتيس، إشبيلية وأوساسونا، ورايو فاليكانو وريال مدريد.

هذه الوقائع تأتي بعد أشهر من الضجة التي أثارها فينيسيوس جونيور، نجم ريال مدريد، الذي تعرض لهتافات عنصرية متكررة في ملاعب مختلفة، أبرزها في فالنسيا العام الماضي، وتحوّل اللاعب حينها إلى رمز لمناهضة العنصرية في الرياضة الإسبانية، بعد أن خاطب الرأي العام الدولي متسائلًا: هل العنصرية أمر طبيعي في الليغا؟

لكن رغم الزخم الإعلامي والضغوط الحقوقية التي رافقت قضية فينيسيوس، تشير حوادث مثل ما تعرض له يامال إلى أن الممارسات العدائية في الملاعب لم تتراجع فعليًا، بل باتت أكثر تنوعًا من حيث أشكال الإساءة، ما بين العنصرية اللفظية، والسخرية من الأصول، والتمييز القائم على المظهر أو السن أو الانتماء.

عنصرية مستترة أم أزمة ثقافية؟

يرى خبراء في علم الاجتماع الرياضي أن ما يحدث في الملاعب الإسبانية لا يمكن فصله عن السياق الاجتماعي والسياسي الأوسع، إذ تشهد البلاد في السنوات الأخيرة تصاعدًا للخطاب القومي المتشدد وتناميًا لخطابات الكراهية عبر وسائل التواصل، الأمر الذي انعكس على السلوك الجماهيري في المدرجات.

ويشير تحليل صادر عن المرصد الإسباني لمناهضة العنصرية في الرياضة إلى أن الليغا سجلت خلال موسم 2024-2025 أكثر من 130 حادثة إساءة عنصرية أو تحريضية، بزيادة تقارب 40% عن العام السابق، ويربط التقرير هذا التصاعد بضعف العقوبات الفعلية، إذ غالبًا ما تقتصر الإجراءات على غرامات مالية رمزية أو إغلاق جزئي للمدرجات لفترة قصيرة.

وتؤكد منظمات حقوقية مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش أن معالجة الظاهرة تتطلب إصلاحات هيكلية في آليات الرقابة والعقوبات، مع تعزيز الوعي الجماهيري عبر حملات تربوية ورياضية مشتركة، وليس فقط الاكتفاء بردود فعل بعد كل واقعة.

جهود الليغا وحدودها

في بيانها الأخير، شددت رابطة الليغا على أنها تراقب سلوك الجماهير باستخدام وسائل تقنية متقدمة، تشمل التسجيلات الصوتية والمرئية داخل الملاعب، مؤكدة أنها تملك أدلة واضحة على الانتهاكات التي وُثقت ضد يامال، كما أكدت استمرار تنسيقها مع لجنة مكافحة العنف والنيابة العامة، لملاحقة المتورطين جنائيًا.

لكن رغم هذه الجهود، يرى محللون أن صلاحيات الليغا محدودة قانونيًا، إذ تقتصر قدرتها على رفع الشكاوى والإبلاغ عن المخالفات، بينما تقع مسؤولية فرض العقوبات على الاتحاد الإسباني لكرة القدم والسلطات القضائية، وفي كثير من الحالات، تنتهي القضايا إلى تسويات غير رادعة، ما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب.

كما أشار بعض النقاد الرياضيين إلى أن الأندية نفسها تتحمل جزءًا من المسؤولية، لأنها غالبًا تتجنب مواجهة جماهيرها خوفًا من التصعيد، مكتفية ببيانات عامة تندد بكل أشكال التمييز، دون تحديد أو محاسبة واضحة.

دعوات لتشريعات أكثر صرامة

تزايدت في الأسابيع الأخيرة الدعوات داخل الوسط الرياضي في إسبانيا لتبني تشريعات أكثر صرامة في مواجهة الخطاب العنصري والعدائي، بما يشمل فرض خصم النقاط أو حرمان الأندية من الجماهير في حال تكرار الانتهاكات، ويطالب ناشطون بتوسيع صلاحيات رابطة الليغا لتشمل فرض العقوبات مباشرة، بدلاً من الاكتفاء بدور الإبلاغ.

كما دعا الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) إلى مراجعة شاملة لسياسات مكافحة العنصرية في الدوريات المحلية، محذرًا من أن استمرار هذه الحوادث يضر بصورة الكرة الأوروبية ويفقد الجماهير ثقتها بالقيم الرياضية.

بين القيم والواقع

تجسد قضية لامين يامال اختبارًا جديدًا لمستقبل كرة القدم الإسبانية، التي لطالما افتخرت بكونها من أكثر الدوريات انفتاحًا واستقطابًا للمواهب العالمية، غير أن تكرار الإهانات العنصرية والتحريضية في القطاع الرياضي يهدد بتقويض تلك الصورة، ويضع الاتحاد الإسباني والسلطات أمام امتحان أخلاقي وقانوني حقيقي.

فبينما تتواصل المطالبات بإجراءات رادعة وتربية جماهيرية جديدة، يبقى التحدي الأكبر هو تحويل الشعارات إلى ممارسات، وضمان أن تكون الملاعب الإسبانية ساحات للرياضة لا منصات للكراهية.

وفي انتظار نتائج التحقيقات، يستمر النقاش داخل الأوساط الرياضية والإعلامية حول سؤال جوهري: هل يمكن حقًا القضاء على العنصرية في كرة القدم الإسبانية، أم أن جذورها أعمق من مجرد مباراة تُنتهك فيها القيم الإنسانية؟



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية