بسبب الضغوط الاقتصادية.. ارتفاع البنزين في إيران يثير الغضب الشعبي

بسبب الضغوط الاقتصادية.. ارتفاع البنزين في إيران يثير الغضب الشعبي
محطة وقود في إيران

تشهد إيران موجة واسعة من الغضب الشعبي والجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بعد إعلان الحكومة عن نظام التسعير الثلاثي للبنزين، والذي سيطبق ابتداءً من السادس من ديسمبر المقبل، ويأتي القرار في سياق محاولة رسمية لتنظيم استهلاك الوقود ومكافحة التهريب، إلا أن المواطنين يعتبرونه عبئًا جديدًا يزيد من معاناتهم الاقتصادية المتصاعدة.

وفقًا لما أعلنته المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني، ستُطبّق الأسعار الثلاثة للبنزين على فئات محددة من السيارات، بينما لا تمتلك السيارات ذات اللوحات الجديدة أي حصة في الوقت الحالي.

وأوضحت أن الهدف من رفع السعر هو تأمين موارد مالية إضافية في إيران تُخصص للسلع الأساسية والأدوية وبطاقات السلع الإلكترونية، إلا أن هذا الشرح لم يخفف من حدة القلق الشعبي، بل فاقم الإحساس بعدم العدالة الاجتماعية، خصوصًا لدى أصحاب الدخل المحدود، وفق "إيران إنترناشيونال".

ردود الفعل الشعبية

سادت منصات التواصل الاجتماعي موجة من الاحتجاجات على القرار، حيث عبّر العديد من المستخدمين عن استيائهم من سياسات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وقد اعتبر المواطنون أن القرار يخالف وعوده الانتخابية السابقة، ويزيد من الضغوط الاقتصادية التي يواجهها الشعب، وانتقد مستخدمون عدم وجود خطة واضحة لدعم السيارات الكهربائية أو وسائل النقل البديلة، كما عبروا عن مخاوفهم من تأثير رفع سعر الوقود على القدرة الشرائية للعائلات.

وصف بعض المستخدمين القرار بـ"الموت البطيء"، معتبرين أن رفع سعر البنزين سيؤدي إلى ارتفاع شامل في أسعار السلع والخدمات، بما في ذلك النقل والغذاء، في ظل ضغوط اقتصادية كبيرة ما سيزيد معاناة العمال والمتقاعدين والمعلمين، وأشاروا إلى أن تقليص حصة السيارات ذات اللوحات الجديدة قد يشمل السيارات المستعملة أيضًا، ما يوسع دائرة التأثير على الطبقة الوسطى.

انتقادات من الإعلام والبرلمان

لم تقتصر الانتقادات على المواطنين، بل شملت الإعلاميين وأعضاء البرلمان. فقد اعتبر مهدی إبراهيمي، رئيس تحرير موقع ركنا، أن رفع سعر البنزين تم بطريقة "مخادعة"، حيث إن نسبة كبيرة من السيارات ستصبح بلا بطاقة بنزين، ما يعكس عدم الشفافية في تطبيق القرار، كما حذر جواد نيك بين، عضو لجنة التخطيط والميزانية في البرلمان، من أن القرار سيزيد التهريب والتضخم ويضع مزيدًا من العبء على المواطنين، معتبرا أن الحكومة تعيد توزيع الأزمات الاقتصادية على الشعب بدلًا من إيجاد حلول فعّالة.

يواجه المواطنون الإيرانيون بالفعل ضغوطًا اقتصادية خانقة، حيث تؤثر أزمة الوقود مباشرة على تكلفة النقل، ما ينعكس على أسعار السلع والخدمات بشكل عام، وأوضح متابعون أن تكلفة البنزين الجديدة ستزيد من أسعار سيارات الأجرة والتوصيل عبر التطبيقات الرقمية، ما يحد من قدرة الأسر على الوصول إلى احتياجاتها الأساسية، وأضافوا أن القرار يفاقم أزمة القدرة الشرائية ويزيد من احتمالات الانفجار الاجتماعي في ظل موجة غلاء مستمرة منذ سنوات.

أزمة الثقة والعدالة

تعكس هذه التطورات أزمة ثقة بين الشعب والحكومة، خصوصًا في ظل افتقار القرار إلى آليات واضحة لمعالجة الآثار الاقتصادية والاجتماعية، ويرى الكثير من الإيرانيين أن البنزين أصبح أداة سياسية للتحكم في السكان بدلاً من أن يكون وسيلة لتطوير الاقتصاد وتحسين جودة الحياة، كما يشير خبراء الاقتصاد إلى أن رفع أسعار الوقود دون خطط بديلة للنقل والطاقة المتجددة سيؤدي إلى تزايد الضغط على الطبقات المتوسطة والفقيرة بشكل أكبر، ويعمّق الفجوة الاجتماعية.

يمثل ملف أسعار الوقود في إيران نقطة حساسة منذ سنوات، إذ يعتمد الاقتصاد الإيراني بشكل كبير على النفط والوقود المدعوم حكوميًا. كان قرار رفع البنزين في نوفمبر 2019 قد أدى إلى احتجاجات واسعة عرفت باسم "نوفمبر الدامي"، حيث قُتل نحو 1500 شخص خلال الاحتجاجات التي اجتاحت المدن الإيرانية.

وتكشف البيانات الرسمية أن الحكومة تشتري البنزين من المصافي بسعر يقارب 34 ألف تومان للتر الواحد، فيما تشير تقديرات مستقلة إلى أن التكلفة الفعلية تبلغ حوالي 25 ألف تومان، ما يعني وجود فجوة كبيرة بين السعر الرسمي وتكلفة الإنتاج، كما أن رفع الأسعار يُعد محاولة من الحكومة لمكافحة التهريب وإعادة توزيع الموارد على السلع الأساسية، إلا أن خبراء الاقتصاد يحذرون من أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى تضخم أوسع وارتفاع تكاليف المعيشة دون معالجة الأسباب الجذرية للأزمة الاقتصادية.

في هذا السياق، يبقى التساؤل حول قدرة الحكومة على تحقيق التوازن بين ضبط استهلاك الوقود وتأمين حياة كريمة للمواطنين، وسط توقعات بأن تأثير القرار سيمتد ليشمل كامل الاقتصاد الإيراني ومستوى معيشة ملايين الأسر، ما يجعل الشارع الإيراني في حالة ترقب وغضب من العواقب المقبلة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية