تحت سلطة ميليشيا الحوثي.. اختطاف جديد يكشف جانباً مظلماً لواقع النساء في اليمن
تحت سلطة ميليشيا الحوثي.. اختطاف جديد يكشف جانباً مظلماً لواقع النساء في اليمن
في حادثة جديدة تعكس حجم التدهور الحقوقي في اليمن واستمرار الانتهاكات الممنهجة ضد النساء والفتيات في المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثيين، أقدم أحد المشرفين التابعين للجماعة على اختطاف فتاتين تعملان في رعي الأغنام في أحد أودية عزلة الأيوبي بمديرية قعطبة شمال المحافظة.
ووفق ما أفادت به وكالة أنباء المرأة ووسائل إعلام محلية، الاثنين، فإن المشرف الحوثي علي عبد الله الهديم المعروف باسم أبو الحجاج قام باختطاف الفتاتين من منطقة شعور قبل نحو عشرة أيام، بينما ظلت أسرتهما بلا أي معلومات عنهما طوال تلك المدة.
وتمكنت إحدى الفتاتين مؤخراً من التواصل مع أسرتها لتؤكد أنهما نقلتا إلى مدينة الحديدة وتعرضتا لانتهاكات خلال فترة الاعتقال.
انتهاكات مستمرة
تمثل هذه الحادثة حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الانتهاكات التي ترتكبها جماعة الحوثي بحق المدنيين، وخاصة النساء، في ظل سيطرة أمنية مشددة لا تراعي الحد الأدنى من حقوق الإنسان.
وتشير شهادات حقوقية دولية سابقة إلى أن الجماعة لجأت خلال السنوات الماضية إلى ممارسات ممنهجة شملت الاحتجاز التعسفي والتعذيب والعنف الجنسي وابتزاز الأسر بهدف تحقيق مكاسب سياسية أو مالية.
وتحذر منظمات أممية من أن النساء والفتيات في مناطق سيطرة الحوثيين يواجهن مخاطر متزايدة تتراوح بين الاختطاف والإخفاء القسري والابتزاز، وصولا إلى العنف الجنسي الذي يصعب توثيقه بسبب الخوف الاجتماعي وشح المعلومات.
وتؤكد التقارير أن هذه الممارسات تتم غالبا في بيئة معزولة عن الرقابة الدولية، حيث لا يُسمح للمنظمات الحقوقية بالوصول إلى المعتقلات أو توثيق الانتهاكات بشكل مباشر.
ردود أممية وحقوقية
أعربت الأمم المتحدة في تقاريرها الدورية عن بالغ قلقها إزاء الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها النساء اليمنيات، مشيرة إلى أن الجماعة تفرض قيودا غير مسبوقة على حرياتهن في التنقل والتعليم والعمل، كما وصفت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان سابقا ممارسات الاعتقال التعسفي والعنف ضد النساء بأنها انتهاكات ترقى إلى جرائم جسيمة قد تستوجب المساءلة الدولية.
وفي بيانات أخرى، اعتبرت منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أن سياسات الحوثي تجاه النساء تشير إلى نمط متكرر من العنف المدعوم بسلطة الأمر الواقع، مشيرة إلى أن الحوثيين أنشأوا وحدات أمنية مخصصة لملاحقة النساء وابتزازهن تحت ذرائع مختلفة، بما في ذلك اتهامات تتعلق بالسلوك الأخلاقي أو الارتباط بخصوم سياسيين.
وتؤكد التقارير أن العديد من النساء اللاتي احتجزن في السجون السرية التابعة للجماعة تعرضن لتعذيب نفسي وجسدي، بالإضافة إلى تهديدات تستهدف أسرهن لإجبارهن على الصمت.
دعوات دولية لحماية المدنيين
تطالب منظمات أممية بضرورة فتح تحقيقات مستقلة وشفافة في جرائم الاختطاف والانتهاك التي تتعرض لها النساء والأطفال، مؤكدة أن الوضع في اليمن تجاوز الحدود الإنسانية المقبولة، وترى هذه الجهات أن عدم محاسبة مرتكبي الانتهاكات، إضافة إلى استمرار الصمت الدولي، شجع الجماعة على مواصلة ممارساتها دون خوف من العواقب.
وتدعو الأمم المتحدة بشكل متكرر جميع الأطراف في اليمن، بما فيها جماعة الحوثي، إلى احترام القانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان، وتأمين حماية المدنيين من المخاطر المتزايدة في المناطق التي تشهد اضطرابات أمنية وانعداماً شاملاً للحريات.
تعكس حادثة الاختطاف الأخيرة جزءا من واقع معقد تعيشه النساء في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثيين، فإلى جانب القيود المفروضة على التعليم والعمل والتنقل، تفرض الجماعة منظومة اجتماعية وأمنية صارمة، تشمل إجبار النساء على ارتداء زي معين ومنعهن من السفر دون محرم ومنع كثيرات من العمل في قطاعات حيوية.
وتؤكد تقارير حقوقية أن ميليشيا الحوثي قامت خلال الأعوام الماضية باعتقال مئات النساء في صنعاء والحديدة وذمار، بعضهن اختطفن من الشوارع أو من منازلهن تحت ذرائع واتهامات لا تستند إلى أدلة، وتعرضت العديد منهن لانتهاكات تهدف إلى ترهيبهن أو الضغط على أسرهن، في ظل غياب كامل للرقابة القضائية.
ويشير ناشطون يمنيون إلى أن الفتيات الصغيرات هن الأكثر تعرضا للخطر، حيث تكررت حالات الاختطاف والاستغلال في مناطق نائية لا تحظى بوجود إعلامي أو رقابي، مما يجعل اكتشاف هذه الجرائم أمرا بالغ الصعوبة.
مجتمع بين الخوف والغضب
تثير حادثة اختطاف الفتاتين موجة غضب واسع بين السكان، الذين يعبرون عن مخاوفهم من تكرار مثل هذه الانتهاكات. وتعاني كثير من الأسر في المناطق الريفية من غياب الأمن، حيث تنتشر نقاط التفتيش التابعة للجماعة دون وجود أي ضمانات لسلامة المدنيين.
ويرى سكان من محافظة الضالع أن الحادثة الأخيرة ليست سوى مؤشر آخر على انهيار المنظومة الأمنية وتحول سلطة الأمر الواقع إلى قوة قمعية تستخدم الاختطاف والترويع كأداة لإحكام السيطرة.
تطالب منظمات نسوية وحقوقية يمنية بضرورة تدخل دولي لحماية النساء والفتيات في المناطق الخاضعة للجماعة، مؤكدة أن عدم اتخاذ إجراءات فعالة سيجعل من هذه الجرائم سلوكا متكررا يصعب مواجهته.
وتشير الناشطات إلى أن بيئة الصراع وفقدان مؤسسات الدولة وانتشار السجون السرية تمثل عوامل تشجع على استمرار الانتهاكات، وأن الضحايا غالبا ما يعجزن عن الإبلاغ خوفا من الوصمة الاجتماعية أو الانتقام من أسرهن.
الأزمة الإنسانية في اليمن
منذ سيطرة ميليشيا الحوثي على صنعاء في 2014 دخل اليمن في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو 24 مليون شخص، أي ما يقارب 80 في المئة من السكان، أصبحوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
وتفاقمت الأزمة مع انهيار الاقتصاد وتوقف الرواتب وانتشار الجوع وسوء التغذية وغياب الخدمات الصحية.
وتؤكد منظمات دولية أن المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين شهدت انتهاكات واسعة شملت الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري وتجنيد الأطفال وفرض الجبايات القسرية ومصادرة الممتلكات، بالإضافة إلى القيود الشديدة المفروضة على النساء، وتصف تقارير أممية الوضع بأنه كارثة مستمرة، حيث يستخدم الحوثيون أدوات الدولة الأمنية لخدمة أهدافهم السياسية والعسكرية، ما أدى إلى تدهور شامل في الحياة المدنية.
كما أدى استمرار النزاع وغياب الدولة إلى تفشي الفقر، حيث يعيش أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، فيما تعاني آلاف الأسر من انعدام الأمن الغذائي، ويعيش اليمنيون في ظل واحدة من أسوأ الأزمات الصحية، مع انتشار الأمراض وتدمير المستشفيات وانقطاع الأدوية الأساسية.











