"يوم العار في بريطانيا".. الاعتراف بأكبر فضيحة في تاريخ هيئة الخدمات الصحية الوطنية

"يوم العار في بريطانيا".. الاعتراف بأكبر فضيحة في تاريخ هيئة الخدمات الصحية الوطنية

كان ديريك مارتنديل يبلغ من العمر 23 عامًا في عام 1985، عندما قيل له إنه مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية، وأن إمامه 12 شهرًا للعيش، لقد نجا لكن شقيقه الأصغر ريتشارد الذي أصيب بالفيروس أيضًا، لم ينج، وحيث طلب رؤية جثة شقيقه للمرة الأخيرة، تم الرفض، بسبب الخوف من الأدوات المساعدة التي قام موظفو المستشفى باستخدامها مع الجثمان.

ويعد "مارتنديل" واحدا من أكثر من 30 ألف بريطاني أصيبوا بفيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد الوبائي من خلال العلاج في الخدمة الصحية الوطنية (NHS) في السبعينيات والثمانينيات، توفي حوالي 3000 منهم، بمن فيهم شقيقه. 

وكان "مارتنديل" أيضًا أول ضحية يدلي بشهادته في التحقيق العام في فضيحة الدم الملوث، الذي تم بعد عقود من التأخير في عام 2017، وفي 20 مايو من هذا العام، كان في مركز مؤتمرات بوسط لندن للاستماع إلى السير بريان يقدم لانجستاف، رئيس التحقيق، لعرض تقريره النهائي.

في أكثر من 2500 صفحة مدمرة، يشرح السير بريان كيف أدت "قائمة من الإخفاقات" إلى مثل هذه "الكارثة"، ويخلص إلى أن أولئك الذين في السلطة -الأطباء وخدمات الدم والحكومة- لم يضعوا سلامة المرضى في المقام الأول، وفوق كل ذلك قاموا بالتستر عليه، مما أدى إلى تفاقم معاناة الضحايا.

وقال رئيس الوزراء ريشي سوناك، للنواب في وقت لاحق من ذلك اليوم: "هذا يوم عار للدولة البريطانية"، وقدم اعتذارًا لا لبس فيه للضحايا، الذين مات الكثير منهم "دون رؤية أي شخص يحاسب".

التفاصيل معروفة

تبين أن الدم المستخدم في عمليات نقل الدم الروتينية ومنتجات الدم في هيئة الخدمات الصحية الوطنية مليء بالعدوى، وكان العامل الأكثر شهرة هو العامل 8، وهو عامل تخثر مستخرج من بلازما آلاف المتبرعين والذي يمكن إعطاؤه ذاتياً من قبل الأشخاص المصابين بالهيموفيليا، وهي حالة وراثية نادرة يكون فيها الجسم غير قادر على تكوين جلطات دموية، نظر الأطباء إليه كعلاج ثوري، بالنسبة للكثيرين، تبين أنه حكم بالإعدام.

ويخلص التقرير إلى أنه كان من الممكن تجنب ذلك إلى حد كبير، وكانت مخاطر الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي من منتجات الدم معروفة قبل إنشاء هيئة الخدمات الصحية الوطنية في عام 1948.

وكانت الحكومة "تعرف، أو كان ينبغي لها أن تعرف" مخاطر فيروس نقص المناعة البشرية بحلول نهاية عام 1982، ومع ذلك تلقى الآلاف دما ملوثا لسنوات بعد ذلك. ويخلص السير بريان إلى أن "هذه الكارثة لم تكن مجرد حادث".

وكانت هناك خيارات أخرى، وفي مستشفى شيفيلد للأطفال، توقع الأطباء خطر استخدام منتجات البلازما التي يتم الحصول عليها من خلال تجميع التبرعات من أعداد كبيرة من المانحين الأجانب (حوالي نصف العامل 8 الذي استوردته بريطانيا جاء من أمريكا)، وبدلاً من ذلك، عادوا إلى إعطاء المرضى الترسيب بالتبريد، وهو منتج أكثر بدائية -ولكنه أكثر أمانًا- مصنوع من البلازما المأخوذة من متبرع واحد.

واختار آخرون طريقًا مختلفًا بشكل مصيري، ففي كلية لورد مايور تريلوار في هامبشاير، وهي مدرسة متخصصة للأطفال المعوقين ولها مركز خاص بها لعلاج الهيموفيليا، واصل الأطباء إعطاء الأطفال العامل الثامن، وكثيرًا ما كانوا ينظرون إلى التلاميذ على أنهم "موضوعات للبحث"، ولم يتم إخبار بعض الطلاب وأولياء أمورهم مطلقًا أنهم أصيبوا بفيروس نقص المناعة البشرية.

ومن المحتمل أن حوالي 70% من 122 تلميذاً مصاباً بالهيموفيليا في المدرسة ماتوا نتيجة لمنتجات الدم الملوثة، ويخلص التقرير إلى أن حادثة تريلوار كانت بمثابة "صورة مصغرة" لما حدث من خطأ في بريطانيا.

ويؤكد السير بريان أيضًا ما كان يشتبه فيه الضحايا دائمًا: كان هناك تستر، ولم يتم إخبار العديد من الضحايا بتشخيصهم لسنوات بعد إجراء الاختبار، البعض أصابوا شركاءهم دون قصد، ربما يظل الآلاف الذين أصيبوا بالتهاب الكبد الوبائي “ج” نتيجة لعمليات نقل الدم دون تشخيص.

تم إتلاف الملفات الموجودة في وزارة الصحة عمدا وصدرت إنكارات، وقد تعرض الضحايا للوصم ولم يتلقوا سوى القليل من الدعم.

وفي عام 1989، قالت رئيسة الوزراء في ذلك الوقت مارغريت تاتشر، إن الناس حصلوا على "أفضل علاج متاح"، وهي العبارة التي تم استخدامها مرارا وتكرارا بعد ذلك والتي وصفها السير بريان بأنها غير مناسبة وغير مقبولة وخاطئة.

وينتقد التقرير بعض عمليات صنع القرار الفظيعة داخل الدولة البريطانية، ولكنها بذلك تتجاهل الاعتراف بأن هذه كانت فضيحة دولية، حيث فشلت العديد من البلدان في تقييم مخاطر الدم ومشتقاته.

على سبيل المثال، أصيب حوالي 4000 شخص، كثير منهم مصابون بالهيموفيليا، بفيروس نقص المناعة البشرية في فرنسا، مقارنة بحوالي 1250 شخصًا مصابين بالهيموفيليا في بريطانيا.

وكانت اسكتلندا أول دولة في العالم تحقق الاكتفاء الذاتي في العامل 8 المعالج بالحرارة، مما أدى إلى القضاء على مخاطر الإيدز (ولكن ليس التهاب الكبد)، وكانت إنجلترا أبطأ بكثير.

وفي حين ألقى السير براين معظم اللوم على الحكومات البريطانية المتعاقبة، فقد وجهت دول أخرى أصابع الاتهام إلى أشخاص خارج حكوماتها.. في أمريكا، ركزت الدعاوى المدنية على شركات الأدوية، التي قامت بنشاط بتجنيد الرجال المثليين لأن البلازما الخاصة بهم كانت غنية بالأجسام المضادة لالتهاب الكبد "ب" وكانت تحصل على البلازما من السجناء المأجورين ومدمني المخدرات.

وألقت فرنسا اللوم إلى حد كبير على الأطباء الأفراد، وفي بريطانيا، ولأن الأمر استغرق وقتا طويلا لإجراء تحقيق، فقد توفي الآن معظم الأطباء المذنبين.

ويعد هذا السرد البسيط نسبياً لفضيحة معقدة قد يحد من فرص تعلم الدروس، ومن الصعب أيضًا تطبيق العديد من توصيات التقرير بشكل محبط، أحد أهم هذه التغييرات، هو التغيير في الثقافة الدفاعية للهيئات العامة مثل هيئة الخدمات الصحية الوطنية والخدمة المدنية، والذي غالبًا ما توصي به مثل هذه التحقيقات، وكما يعترف السير بريان نفسه، فإنه لم يتم تنفيذه بنجاح على الإطلاق.

واستند التحقيق إلى أكثر من 4000 إفادة من الضحايا، طوال العملية التي استمرت 7 سنوات، وصف السير بريان، وهو قاضٍ سابق، العملية مرارًا وتكرارًا بأنها "مسعى جماعي"، وخصص المجلد الثاني من تقريره بالكامل للتجارب الشخصية للمنكوبين، وكانت توصيته الثانية هي ضرورة إقامة نصب تذكاري دائم للضحايا.

وكان هدفه الأول هو حصول الضحايا على التعويض المناسب، والتي من المتوقع أن تصل إلى 10 مليارات جنيه إسترليني (نحو 12.7 مليار دولار).

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية