«فورين بوليسي»: الأشهر المقبلة ستكشف مدى نجاح «السياسة الخارجية الأخلاقية» للحكومة البريطانية الجديدة

«فورين بوليسي»: الأشهر المقبلة ستكشف مدى نجاح «السياسة الخارجية الأخلاقية» للحكومة البريطانية الجديدة

حقق حزب العمال البريطاني انتصارا كبيرا في الانتخابات التشريعية التي جرت، مؤخرا، لينهي بذلك 14 عاما متتالية من حكم المحافظين. 

وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن حزب العمال البريطاني عندما ترك السلطة قبل 14 عاما، بدأ جناح جديد بالحزب في انتهاج سياسة ليبرالية تمت مسمى "السياسة الخارجية الأخلاقية".

وفي حين كانت الولايات المتحدة هي الفائز الاقتصادي بالحرب الباردة، في النظام العالمي قبل 11 سبتمبر، حاولت حكومة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير تصوير بريطانيا باعتبارها البوصلة الأخلاقية للعالم. فعلى سبيل المثال، في خطاب متلفز لدعم تدخل بريطانيا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) في كوسوفو، قال بلير: "إننا نفعل ما هو صحيح، من أجل بريطانيا، ومن أجل أوروبا، ومن أجل عالم لا بد أن يعرف أن البربرية لا يمكن السماح لها بإحباط العدالة"... كما أنه في المفاوضات التي جرت بأيرلندا الشمالية، وفي التدخلات بكوسوفو وسيراليون، وكذلك في صياغة المناقشات بين زعماء مجموعة السبع حول المساعدات وسياسات التنمية، نصب حزب العمال البريطاني نفسه باعتباره ضمير العولمة. 

وأشارت المجلة الأمريكية إلى أنه مع خسارة حزب العمال بعض السلطة الأخلاقية نتيجة مشاركة بلير في حرب العراق، أعاد العديد من الساسة بالحزب أو ما يطلق عليهم جناح حزب العمال الجديد تركيز الدور العالمي الذي تلعبه بريطانيا على أوروبا، القارة التي حافظت على بعض النقاء الأخلاقي بعد رفضها حرب العراق، فيما رفض آخرون هذه السياسة العالمية، مفضلين التركيز على معالجة فجوة التفاوت الاجتماعي متزايدة الاتساع. 

والآن بعد أن عاد حزب العمال إلى السلطة مرة أخرى، يدور تساؤل حول كيف ستشكل المناقشات حول دور بريطانيا العالمي وإرثها الإمبريالي نهجها في التعامل مع السياسة الخارجية؟

وأوضحت المجلة الأمريكية أن سياسة بريطانيا الخارجية بعد نهاية الإمبراطورية تشكلت من خلال قدرتها على إعادة صياغة دورها العالمي كقائد في مجال التنمية، ففي بحث نشر عام 1998 شارك في تأليفه محامي حقوق الإنسان آنذاك كير ستارمر، جاء فيه أن "الالتزام بسياسة قوية في مجال حقوق الإنسان يمنح السلطة الأخلاقية للحكومة في تعاملاتها مع المجتمع الدولي".

ولفتت "فورين بوليسي" إلى أن بيان حزب العمال الحالي الفائز في الانتخابات الأخيرة يعود بنا إلى الحقبة السابقة من القيادة الأخلاقية، إذ ينص على أن "استعادة قيادة بريطانيا العالمية في مجال التنمية جزء أساسي من خطتنا لإعادة التواصل مع حلفائنا وشركائنا، كما أن حزب العمال سيعزز أعمال التنمية الدولية، مع الاهتمام بالمزيد من القوة الناعمة من خلال تعزيز روابط الشتات والتجارة مع الهند، وتوسيع دور بريطانيا باعتبارها ساحة تدريب للسلك الدبلوماسي الدولي".

ونوهت المجلة إلى أنه في بيان صدر في أبريل الماضي حول خطط حزب العمال المستقبلية للحكومة، أكد وزير خارجية بريطانيا (في حكومة الظل حينذاك) ديفيد لامي أهمية استخدام الوسائل الواقعية لتحقيق غايات تقدمية في مجالات الدبلوماسية والتنمية والدفاع، لا سيما في مجالات كمكافحة تغير المناخ، والدفاع عن الديمقراطية، وتعزيز التنمية الاقتصادية في العالم. 

وكما يقول بيان حزب العمال، هناك صلة واضحة بين القيادة الأخلاقية والأمن القومي، خاصة وأن ما وصفه البيان بــ"الفشل" على الساحة الدولية، كلف الشعب البريطاني كثيرا لأنه جعل الشعب "أقل أمانا، مع تعرض الأسر البريطانية لفواتير الطاقة المرتفعة وأسعار المواد الغذائية المرتفعة أيضا".

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه في حين يبدو أن حزب العمال يرغب في إعادة تقديم وزارة التنمية الدولية، فمن الواضح أيضا أن التركيز سيكون على النمط الذي كان رائدا في السبعينيات، وذلك بالاعتماد على الشراكات التجارية، وليس المساعدات المباشرة؛ لأسباب من بينها وجود مجال ضئيل للغاية في الميزانية لتوسيع حجم المساعدات.

ورأت المجلة الأمريكية أيضا أنه لن يكون هناك إسراف في الدبلوماسية والتنمية والدفاع، بل سيكون هناك "تركيز لا هوادة فيه على المراقبة والتقييم"، بمعنى أنه لن تكون هناك تدخلات أجنبية (انطلاقا من النهج الأخلاقي في السياسة)، بل دعم "سيادة الدول ضد قوى مثل الإمبريالية الروسية الجديدة، وتغير المناخ، والفساد".

كما ترى المجلة أن البرجماتية الجديدة التي يتبناها الحزب تتجلى بشكل أكثر وضوحا في المناقشات الدائرة حول الصين، حيث سيتم دعم مواطني هونج كونج الذين انتقلوا إلى المملكة المتحدة؛ كما ستعمل وزارة الخارجية البريطانية على "تحسين قدرة المملكة المتحدة على فهم التحديات والفرص التي تفرضها الصين والاستجابة لها من خلال مراجعة العلاقات الثنائية". 

ويرسم بيان حزب العمال كذلك صورة لبريطانيا باعتبارها البوصلة الأخلاقية التي يمكن الاعتماد عليها، ليس للولايات المتحدة هذه المرة، بل لكل الدول القوية الجديدة ذات الدخل المتوسط في مختلف أنحاء إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والتي تتودد إليها روسيا والصين.

وستركز حكومة حزب العمال أيضا على إعادة بناء مؤسسات القوة الناعمة مثل "الجامعات، وهيئة الإذاعة البريطانية"؛ لدعم النفوذ البريطاني لدى القوى الصاعدة والعدائية في بعض الأحيان.

وأخيرا، يبدو أن حكومة حزب العمال الحالية تعتقد أنها من خلال تقديم "أفضل القيم البريطانية"، سوف تكسب الأصدقاء والحلفاء، وتمنع المتنمرين على الأقل من استهدافها. 

وفي حين ترى مجلة "ذا سبكيتاتور" البريطانية أنه "من الصعب أن نرى أعداء بريطانيا يرتعدون من الخوف عندما يُعرض عليهم هذا الهراء حسن النية حول "الواقعية التقدمية" كبديل للممارسة الغاشمة للسلطة"، إلا أن وزير الخارجية الأمريكي دين أتشيسون في عهد الرئيس هاري ترومان، كان له تعبير شهير وهو أنه "ربما تكون بريطانيا قد فقدت إمبراطورية، لكنها لا تزال تؤمن بأن لها دورا عالميا". لذا، فإن الأشهر المقبلة ستكشف لنا عن مدى نجاح السياسة التي تتبناها حكومة حزب العمال الجديدة.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية