"تبليك" خطاب الكراهية

"تبليك" خطاب الكراهية
محمد الحمادي

 

واحدة من الإفرازات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي هي سرعة انتشار خطاب الكراهية، واستخدام البعض لتلك المنصات لتصفية الحسابات أو إثارة الفتن أو نشر الأخبار الكاذبة.

هذا الأمر أصبح واضحاً وضوح الشمس للجميع، الأمر الذي أصبح مزعجاً وبحاجة إلى مواجهة عملية، وفي دول الخليج التي تتميز شعوبها بالانسجام الاجتماعي والتشابه الثقافي والتقارب الفكري، أصبح الوضع خلال السنوات الماضية مقلقاً بشكل كبير، ليس للشعوب فقط، وإنما للأنظمة في هذه الدول التي تجمعها منظومة مجلس التعاون السياسي، وقبل ذلك يجمعها التاريخ والجغرافيا كما يربطها النسب، الأمر الذي دفع برئيس المكتب الوطني للإعلام في دولة الإمارات للتحرك من أجل مواجهة هذا الواقع الجديد وأطلق مبادرة أطلق عليها #تبليك_بدون_تعليق.

بداية لا بد أن نفسر كلمة تبليك، فهي كلمة إنجليزية block تعني "حظر".. وهي كلمة مستخدمة في وسائل التواصل الاجتماعي ويستخدمها الناشطون على تلك الوسائل لحظر الحسابات المزعجة أو المزيفة أو الحسابات التي لا يرغبون في التواصل معها بشكل أو بآخر، وذلك الحظر يكون بدون أي تعليق على تلك الحسابات وحرمانها من أي اهتمام أو تفاعل.

وبالتالي فإن هذه الحملة تعمل على حظر الحسابات التي تحرض على الفتنة بين دول الخليج وخصوصاً ما يعرف بالذباب الإلكتروني والحسابات الوهمية، وبالتالي تهدف إلى محاصرة خطاب الكراهية والعنف اللفظي والأخبار والمعلومات الكاذبة التي تتعمد خلق المشكلات.

وحسب الشيخ عبدالله آل حامد مطلق هذه المبادرة الجريئة والشجاعة فإنها بدأت بتحقيق أهدافها وتمت محاصرة كثير من تلك الحسابات، واللافت أنها نالت قبول كثير من المغردين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث رأوا فيها الحل لإيقاف خطاب الكراهية مجهول المصدر.

في ظل الأوضاع في المنطقة العربية أصبح من المهم أن تتسع هذه المبادرة وتخرج من نطاقها الخليجي وتنتقل إلى الفضاء الرقمي العربي، فخطاب الكراهية بين الدول العربية وشعوبها في تزايد أيضًا، ويأتي من مصادر مجهولة وينخرط فيها كثير من أصحاب الحسابات المعروفة، وكل ذلك الخطاب لا يفيد طرفاً من الأطراف، بل على العكس، كل من يشارك في الحوارات يزيد النار حطباً، وكل من يحاول أن يستخدم العقل والمنطق وصوت العقل ولغة التسامح لا يجد غير الهجوم والإقصاء والإخفاء.

ونظرا لأهمية هذا الأمر وخطورته عالميا كانت الامم المتحدة قد اعتمدت منذ عامين في 2022 يوم (18 يونيو) يوما دوليا لمكافحة خطاب الكراهية تعزز فيه كل عام الوعي حول مخاطر خطاب الكراهية وضرورة التصدي له في جميع أنحاء العالم.


وقبل ذلك في عام 2019 أطلق الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خطة عمل الأمم المتحدة بشأن خطاب الكراهية لتعزيز الجهود العالمية لمواجهة خطاب الكراهية.


وكان مجلس حقوق الإنسان قد اصدر في عام 2011 قرارا باسم "خطة عمل اسطنبول"، ويركز على مكافحة التعصب والتمييز العنصري والتمييز القائم على الدين أو المعتقد. يشجع الدول على اعتماد تشريعات وسياسات من شأنها منع التحريض على الكراهية.


خطاب الكراهية الذي يحاربه العالم ووضعت الأمم المتحدة الخطط والمواثيق وأصدرت القرارات لمحاربته، هو الشرارة الأولى للصراعات والحروب والنزاعات في العالم، التي تبدأ صغيرة وتكبر بحيث لا يمكن السيطرة عليها، لذا اصبح "التبليك" مطلباً عالمياً للمحافظة على حقوق الإنسان وكرامته، وحماية السلم العالمي، واستمرار التعايش والتسامح بين الشعوب.

 

 

هذه القرارات والمبادرات تعتبر أساسية في إطار الجهود الدولية لمكافحة خطاب الكراهية، والتي تتطلب تعاوناً دولياً وإجراءات فعالة على المستويات الوطنية والإقليمية.


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية