عقب زيارة السيسي لأنقرة.. تفاهمات حقوقية تطوي حقبة من الخلافات بين مصر وتركيا

عقب زيارة السيسي لأنقرة.. تفاهمات حقوقية تطوي حقبة من الخلافات بين مصر وتركيا

في تحول دراماتيكي عقب عشرية شهدت خلافات وتباينات عميقة في عدة ملفات أبرزها حقوق الإنسان، برزت التفاهمات والتعاون بين مصر وتركيا لتقود إلى أول زيارة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى أنقرة منذ وصوله إلى سدة الحكم في بلاده صيف عام 2014.

ومنذ أواخر عام 2013، شهدت العلاقات بين تركيا ومصر توترات لافتة وبرودة دبلوماسية عقب دعم الجيش لثورة الشعب المصري ضد حكم جماعة الإخوان، ما أدى لانتهاء حكم الجماعة في مصر.

وتأتي الزيارة التاريخية للرئيس السيسي إلى أنقرة قبيل عام واحد على حلول الذكرى المئوية للعلاقات المصرية التركية، لتطوي سنوات الفرقة والانقسام، وترسخ للتعاون والتفاهم في عدة ملفات إقليمية ودولية تتماس مع مصالح البلدين.

وأسفرت الزيارة عن فتح آفاق جديدة في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أبرزها التعاون الحقوقي في ملفات مكافحة الإرهاب والمعلومات المضللة والجرائم المنظمة العابرة للحدود، والبيئة والمناخ، ما يعد نقلة تاريخية غير متوقعة بعد سنوات من الاضطرابات والتوترات.

ويتوقع الخبراء والمراقبون أن تقود التفاهمات بين البلدين إلى طي صفحة الخلافات في الملف الحقوقي إلى غير رجعة خلال السنوات المقبلة، وذلك في إطار تعزيز المصالحة التاريخية بين القاهرة وأنقرة، لا سيما مع التركيز على التعاون في ملفات الاقتصاد والتعاون العسكري والأمني والسياسي في أغلب الملفات الإقليمية، وأبرزها ليبيا وسوريا واليمن والصومال وشرق المتوسط. 

ووفق تقارير إعلامية عربية، أصدرت السلطات التركية تعليمات مشددة لقيادات الإخوان المقيمة في أنقرة بعدم التعرض للزيارة أو انتقادها سواء على الفضائيات المملوكة للجماعة والتي تبث من إسطنبول أو منصات التواصل الاجتماعي.

كما طالبت السلطات التركية العناصر الإخوانية بعدم الحديث من قريب أو بعيد عن ملفات متصلة بشؤون الجماعة أو علاقتها بمصر، محذرة المخالفين تعليماتها بعقوبات كبيرة قد تصل للترحيل من البلاد.

عشرية العواصف

ومثلت جماعة الإخوان رأس حربة في توتر العلاقات بين مصر وتركيا، لا سيما عقب تولي الرئيس السيسي مقاليد الحكم في البلاد منتصف عام 2014، إذ ظلت الاتهامات المتبادلة بين البلدين هي سيدة الموقف في مسار العلاقات السياسية والدبلوماسية.

وفي أواخر عام 2019، هدأت التوترات بين القاهرة وأنقرة نسبيا، حيث أصبحت تركيا ترفض السماح بالأنشطة والدعاية المناهضة للرئيس المصري من قِبل أنصار الإخوان المقيمين في إسطنبول، ما دفع العديد منهم للرحيل عن أنقرة إلى لندن.

وتقاربت المصالح بين مصر وتركيا في العديد من المواقف والنزاعات الإقليمية، إلى أن تصافح الرئيسان للمرة الأولى في نوفمبر 2022 خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر، كما تحدث الطرفان غداة وقوع زلزال في تركيا يوم 6 فبراير 2023، كما تم تعيين سفراء من الجانبين في يوليو من العام ذاته.

وفي سبتمبر 2023، تحدث السيسي وأردوغان وجها لوجه على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي، قبل أن يزور أردوغان مصر في فبراير 2024 ويعلنان فتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين.

وفي فبراير الماضي، نشر مركز الإمارات للسياسات، دراسة بعنوان "آفاق العلاقات المصرية-التركية إثر زيارة الرئيس أردوغان للقاهرة"، جاء فيها أن "زيارة الرئيس أردوغان للقاهرة مهمة جداً لكسر الجليد بين البلدين بعد كل التصريحات السلبية التي أدلى بها الرئيس التركي بشأن الرئيس المصري والتي استمرت حتى عام 2019". 

وبخلاف التعاون بين مصر وتركيا في ملفات النزاع الليبي، وشرق المتوسط، والصراع في غزة، والعلاقات الاقتصادية، أضافت الدراسة ذاتها ملفا خامسا وهو "التعاون الأمني وتنظيم الإخوان".

ووفق الدراسة ذاتها، فإن "التقارب بين القاهرة وأنقرة بدأ خلال اجتماعات لجان المخابرات، حيث قدمت أنقرة خطوات مهمة في مجال تقييد وجود تنظيم الإخوان وطرد عدد من قياداته السياسية والإعلامية، ما ساعد على تحقيق أهداف زيارة أردوغان للقاهرة وإعادة العلاقات بين البلدين".

وترجح الدراسة أن "أنقرة أصبحت ترى أن تنظيم الإخوان بات ضعيفاً جداً، وأنها مستعدة لتقديم تقارير عن نشاط الجماعة على أرضها إلى القاهرة، وأن التنظيم انقسم على نفسه في ثلاثة تيارات وقيادات: اثنان منها في إسطنبول والثالث في لندن، وأن زيادة الضغط على التنظيم من قبل أنقرة قد يدفع أحد هذه التيارات إلى التعاون والتقارب مع إيران أو تنظيم "القاعدة"، وهو أمر سيكون له تبعات سلبية على كلٍّ من مصر وتركيا معاً، ومن ثم فإن التفاهمات التركية-المصرية في هذا الملف تبدو قائمة ومثمرة حتى الآن".

عهد جديد

واتسعت مساحة التفاهمات بين البلدين لتظهر وجها جديدا من التعاون مع الإعلان المشترك للاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، والذي عقد في أنقرة برئاسة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان. 

وبحسب الإعلان، أكدت مصر وتركيا استعدادهما لمواصلة الحوار السياسي والدبلوماسي وتوسيع نطاق التشاور في المجالات العسكرية والأمنية، فضلا عن تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، بما في ذلك تهريب المهاجرين غير الشرعيين والاتجار بالبشر وتجارة المخدرات.

واتفقت مصر وتركيا في الرأي على العديد من ملفات الصراع في المنطقة، أبرزها مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودعم جهود التعامل مع الوضع الإنساني في غزة، وتعزيز الجهود الرامية لتحقيق وحدة الصف الفلسطيني.

وأكدت مصر وتركيا التزامهما المشترك بتحقيق الحل الدائم والشامل للصراع في سوريا، ودعم سيادة واستقرار العراق، وضمان السلم والأمن والاستقرار في القرن الإفريقي، ودعم الجهود السياسية والدبلوماسية لإنهاء الصراع الجاري في السودان.

ووفق ما رآه الدكتور كرم سعيد، الخبير في الشأن التركي ونائب مدير تحرير مجلة الديمقراطية بالأهرام، فإن التقارب المصري التركي أسفر عن جملة من المكاسب تجاوز مسار العلاقات الثنائية بين البلدين ليصل إلى القضايا الإقليمية والأزمات المزمنة في المنطقة.

وقال سعيد، في تصريح لـ"جسور بوست" أن القاهرة وأنقرة وقعتا نحو 18 اتفاقية في مختلف المجالات، غير أن تعزيز العلاقات الدفاعية يظل هو العلامة الأبرز على الإطلاق في إحداث نقلة نوعية لمسار العلاقات بين البلدين، إضافة إلى أنه يمثل تدشين مرحلة جديدة من التنسيق الاستراتيجي في المرحلة المقبلة.

وأوضح أن "التأكيد على تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة يكشف عن مؤشرات التفاهمات الأمنية بين البلدين والتي بلغت مستوى مرتفعا مقارنة بنظيرتها التي سبقت مرحلة التوترات أو السابقة عن عام 2013".

وعزا سعيد أسباب تراجع الحديث عن ملف الإخوان في الإعلان المشترك بين البلدين إلى أن هذا الملف أصبح لا يمثل ورقة ضغط على مصر ولم يكن ورقة رابحة لتركيا، مؤكدا أن تعامل أنقرة سيميل إلى الخشونة مع قيادات الجماعة خلال الفترة المقبلة، وستظل كل السيناريوهات مطروحة بدءا من تحجيم تحركاتهم، مرورا بترحيلهم إلى ملاذات بديلة، وصولا إلى سحب الجنسية التركية منهم.

وتوقع السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن يسهم تطبيع العلاقات بين مصر وتركيا في زيادة استثمارات والتبادل التجاري بين البلدين، لا سيما في ظل حضور ملف اكتشافات الغاز في البحر المتوسط بشكل لافت في توازنات العلاقات الدولية.

وأوضح بيومي لـ"جسور بوست" أن تقوية العلاقات بين بلدين محوريين قد تسهم في تهدئة بعض الأزمات الإقليمية في المنطقة، لا سيما في ليبيا والعراق وسوريا نظرا لارتباطها بالدولة التركية.

وبشأن ملف مكافحة الإرهاب وجماعة الإخوان، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق إن هذا الطرح ينظمه القانون الدولي وقانون العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، والذي يقر بأحقية أي معارض سياسي في اللجوء إلى بلد آخر حفاظا على حياته وأمانه الشخصي، لكن من المفترض أن الدولة المستضيفة لا تسمح للاجئ بأن يمارس أعمالا عدائية تجاه بلاده وهذا ما لم يحدث في حالة لجوء قيادات الإخوان إلى تركيا.

ومضى جمال بيومي قائلا: "أنقرة في البداية خالفت القوانين والأعراف الدولية وسمحت لقيادات الجماعة الهاربين بفتح منابر إعلامية والقيام بممارسات عدائية، لكنها سعت إلى إسكاتهم حاليا والتضييق عليهم أحيانا لأنها اكتشفت أنهم باتوا ورقة خاسرة أمام مكاسب تطبيع العلاقات مع مصر".

ومنذ سبتمبر 2013، قررت السلطات المصرية حظر أنشطة تنظيم جماعة الإخوان ومختلف المؤسسات المتفرعة عنها، ومصادرة جميع أموالها.


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية