المرأة الأردنية تصارع الأضداد بين التمكين الرسمي والتهميش المجتمعي

المرأة الأردنية تصارع الأضداد بين التمكين الرسمي والتهميش المجتمعي

بجهود مضنية لمحاولة سد الفجوة الجندرية بين الجنسين، تسير المملكة الأردنية الهاشمية بخطى حثيثة نحو تحقيق المساواة بحلول عام ‏‏2030.

ورغم تعهد الحكومة الأردنية في عام 2015 بسد الفجوة بين الجنسين بحلول عام 2030، فإن طريق تحقيق ذلك لا يزال متعثرا وطويلاً.

ففي الوقت الذي يضم فيه الأردن عدداً كبيرا من النساء الحاملات للشهادات الجامعية العليا مقارنة بباقي بلدان ‏المنطقة، إلا أن نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل تعد الأقل في المنطقة.

ويقبع ‏الأردن في المرتبة الـ131 من بين 156 دولة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2021، فيما شهد العام الماضي زخما في مساعي تضييق الفجوة بين الجنسين.

امتيازات نسبية

تتمتع المرأة الأردنية بعدد من الامتيازات التشريعية التي حصلت عليها بشكل منقوص نسبيا، ورغم ذلك ‏لا يزال بعضها حبراً على ورق حتى الآن.

ففي فبراير 2022، دخلت تعديلات ‏دستورية حيز التنفيذ بعد جلسات صاخبة ومناقشات برلمانية ساخنة، خاصة حيال إدراج مصطلح "الأردنيات" ‏في الدستور، والذي بات ينص على أن "الدولة تكفل تمكين المرأة ودعمها للقيام بدور فاعل في بناء المجتمع، ‏بما يضمن حقها في تكافؤ الفرص على أساس العدل والإنصاف وحمايتها من جميع أشكال العنف والتمييز".‏

وفي مارس من العام نفسه، جرى تحديث قانون الأحزاب السياسية الذي نص على أن "النساء يجب أن يشكلن ‏نسبة لا تقل عن 10 بالمئة من عدد مؤسسي أي حزب سياسي".

وبشكل لافت زادت نسبة المشاركة النسائية في تشكيل مجالس إدارات المؤسسات الاجتماعية، وهي منظمات غير حكومية تركّز على ‏المجتمع وتستخدم استراتيجيات الأعمال لمعالجة القضايا المجتمعية.

مكاسب تاريخية

وكان حظ المرأة الأردنية في مراحل التأسيس الأولى للمملكة كبيراً، حيث لعبت أدواراً مهمة في الدولة في قطاعات ‏الإنتاج والتعليم والتربية والعمل العام، فضلا عن التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية خلال المئة عام ‏الماضية.‏

وكفلت الدساتير الأردنية حقوق المرأة وترسخ ذلك بالقوانين والتعليمات التي تضمن هذه الحقوق وتصونها، ‏ورغم اصطدامها بالموروثات المجتمعية، إلا أن المرأة ظلت تناضل من أجل أن تنال جميع حقوقها وأن تتساوى مع ‏الرجل.‏

ومنح الدستور الأردني لعام 1952 المرأة حقوقاً متساوية كالرجل، وتبلور ذلك في القوانين الوطنية والتي يأتي أبرزها قوانين ‏الانتخاب، والبلديات، والأحزاب السياسية وغيرها.

وفي عام 1945 تم تأسيس الاتحاد النسائي الأردني بمبادرة من الرائدات الأردنيات، وقد انحسر نشاط الاتحاد ‏آنذاك في العمل الاجتماعي والثقافي حيث تم إنشاء مراكز رعاية للأمومة والطفولة ومكافحة الأمية بين النساء ‏والتثقيف الصحي والاجتماعي. 

لكن الاتحاد تم حله في عام 1957 بعد إعلان قانون الطوارئ الذي تم بموجبه حل ‏الحكومة والأحزاب السياسية أيضا.‏

وخطت المرأة الأردنية خطوات مهمة في سياق انخراطها في الحياة العامة، حيث أشار قانون العمل لعام ‏1960 إلى قضية المرأة بشكل علني وواضح، إذ نص على المساواة بين الجنسين وحماية حقوق المرأة ومراعاة ظروفها ‏الاجتماعية.

تطور بطيء

وانعكس تطور أوضاع المرأة في مجال العمل على دورها في العمل السياسي، إذ استطاعت التقدم بخطوات ‏متسارعة بهذا المجال منذ صدور مرسوم ملكي بإعطائها حقها في الترشيح والانتخاب عام 1974.

وبناءً ‏عليه أصدرت الحكومة في العام نفسه قانونا معدلا لقانون انتخاب مجلس النواب ينص على إعطاء المرأة ‏حقها في الانتخاب والترشيح لعضوية مجلس النواب.

تلا ذلك مشاركة المرأة في المجلس الوطني الاستشاري بعضوية 9 نساء من أصل 190 عضوا، وكانت هذه البداية لتقلدها لأول منصب ‏بالسلطة التنفيذية عام 1979، وذلك عندما شغلت السيدة إنعام المفتي منصب وزيرة التنمية الاجتماعية ‏كأول امرأة تدخل الوزارة في تاريخ الأردن.

وتوجت تشريعات هذه المرحلة بإعطاء المرأة بحلول عام 1982 ولأول مرة الحق في الانتخاب والترشيح ‏لعضوية المجالس البلدية، مع أنها لم تمارس هذا الحق إلا في عام 1995.‏

وكانت الانطلاقة الحقيقية لمشاركة المرأة انتخاباً وترشحاً في عام 1989 الذي شهد عودة الحياة البرلمانية ‏بانتخابات مجلس النواب الحادي عشر، حيث ترشحت 12 امرأة من إجمالي المترشحين حينها والبالغ عددهم 647، ولم ‏تفز أي من المرشحات في تلك الانتخابات. 

وفي انتخابات مجلس النواب عام 1993، ورغم تراجع عدد المرشحات إلى ثلاث من إجمالي المترشحين البالغ عددهم 534 مرشحا، فازت إحداهنّ لتصبح المرأة ‏الأردنية الأولى التي تدخل مجلس النواب.‏

فيما شغلت منصب وزارتي التخطيط والتنمية الاجتماعية في عام 1994 امرأتان، أما في عام 1995 فقد كان ‏العام الذي مارست فيه المرأة ولأول مرة حقها في الترشيح لعضوية المجالس البلدية. 

وفي عام 1998، تولت 5 نساء مناصب في مجال السلطة القضائية من بين 406 من القضاة في البلاد.

‏الاستراتيجية الوطنية

في مارس 2020، صادقت الحكومة الأردنية على الاستراتيجية الوطنية للمرأة للأعوام ‏‏2020- 2025 والتي تضمنت 4 أهداف رئيسية، وهي تحقيق المشاركة الفاعلة للنساء وشمولهن ‏في العملية التنموية، وحصولهن على حقوقهن الإنسانية في الفضاءين العام والخاص، وضرورة تبني الأعراف والأدوار الاجتماعية دورا ايجابيا بالنسبة للجنسين، ومجابهة العنف والتمييز القائم على أساس الجنس.‏

وفي مجال تعليم المرأة حقق الأردن إنجازات متميزة في توفير ‏فرص التعليم للجميع على السواء إلى جانب فعالية النظام التربوي في الاحتفاظ بالطلبة دون تسرب من المؤسسات التعليمية. ‏

واتجهت الحكومات المتعاقبة إلى الاهتمام بالصحة الإنجابية للمرأة في إطار السياسة السكانية، والاهتمام ‏بتنظيم الأسرة بزيادة عدد الوحدات والمراكز الصحية، والتوسع في خدمات تنظيم الأسرة وتحسين مستوى ‏الرعاية الصحية الموجهة لرعاية الأمومة والطفولة. ‏

ويعد صدور نظام العمل المرن لعام ‏‏2017 هو أبرز الإنجازات المتحققة نحو التمكين الاقتصادي للمرأة، من خلال مساعدة المرأة العاملة على الموازنة ما بين العمل والمسؤوليات الأسرية.

وكان لصدور نظام دور ‏الحضانة رقم 77 لسنة 2018 (والذي نص على معايير ونماذج إنشاء الحضانات لتسهيل إنشائها في أماكن العمل) دور بارز في تشجيع النساء على العمل.

عدم إنصاف

بدوره، قال الصحفي الأردني، طارق ديلواني: "كثير من نساء الأردن يؤكدن أن مقولة المرأة نصف المجتمع ليست ‏أكثر من محاولة للاختباء خلف تاريخ طويل من عدم إنصاف المرأة الأردنية في المملكة".

وأضاف ديلواني لـ"جسور بوست": "رغم ما ينص عليه الدستور الأردني بأن الأردنيين أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق ‏والواجبات، وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين، فإن عدم إنصاف المرأة في التشريعات الأردنية لا يزال جليا".

وأوضح: "ما زالت الكثيرات من النساء أسيرات العادات ‏والتقاليد المجتمعية التي تعرضهن للتعسف وتعطل تمكينهن ومنحهن الحقوق الأساسية".

ويدعو مراقبون إلى ‏زيادة مشاركة النساء الأردنيات في كل القطاعات، في وقت يعمل فيه معظم نساء الأردن في قطاع التعليم، ‏يليه قطاع الصحة والعمل الاجتماعي، إضافة إلى أنهن يتلقين أجوراً أقل من الذكور.‏
 
 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية