غزة المحاصرة "4"

مأساة الحصار بغزة.. تدمير قطاع الزراعة يفقد السكان الأمل في الغد

مأساة الحصار بغزة.. تدمير قطاع الزراعة يفقد السكان الأمل في الغد

تحت ظلال الحصار الدامي المفروض على القطاع منذ سنوات طويلة، تعاني غزة بلا رحمة، حصار يضغط بقبضة قاسية على كل جانب من جوانب الحياة في هذه الأرض المنكوبة، ومن بين القطاعات التي تعاني أكثر من غيرها تحت وطأة هذا الحصار القاسي، يبرز قطاع الزراعة رمزا للمأساة والتدمير.

معطيات الحقيقة لا تكذب، فوفقًا لتقارير حديثة، تشير الأرقام المروعة إلى أن ما يقرب من 70% من الأراضي الزراعية التي كانت مرةً خصبة ومنتجة، أصبحت اليوم صحراء قاحلة تشهد معاناة الفقر والعوز. 

وهذا ليس كل شيء، فقد تم تدمير البنية التحتية الزراعية بالكامل، حيث يفتقر المزارعون إلى المعدات الأساسية والآلات الزراعية والمواد اللازمة لتشغيل الإنتاج الزراعي. 

لكن الأثر الأكثر رعبًا هو تأثير الحصار على حياة الفلاحين المكافحين الذين ينظرون إلى الأرض بعيون مغمضة بالأمل ولكنهم يجدون أمامهم اليأس فقط. 

فالمزارعون في غزة يعانون من نقص حاد في المياه العذبة والتي تعد أساسية لزراعة المحاصيل وحيوية للحياة النباتية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع تكاليف الإنتاج وندرة الموارد يجعلان من الزراعة مهمة شبه مستحيلة، كذلك فإن انهيار القطاع الزراعي يهدد بكارثة إنسانية حقيقية، فالحصار الذي يفرض على غزة يمنع تدفق المساعدات والتجارة الحرة ويقيد حرية الحركة، ما يعزز مستويات البطالة والفقر المدقع. 

ومع تدمير الزراعة، يجد السكان أنفسهم مضطرين للتكتل حول المساعدات الإنسانية المحدودة والاعتماد على استيراد المواد الغذائية بأسعار باهظة. 

حسب إحصائيات الأمم المتحدة، يتعذر على الفلسطينيين في غزة الوصول إلى نحو 35% من الأراضي الزراعية المحتملة بسبب القيود الإسرائيلية. 

ويرى محللون وخبراء هاتفتهم "جسور بوست"، أنه في ظل هذا السياق الكئيب، ينبغي أن نوقظ وعي العالم لمعاناة السكان في غزة وأثر الحصار القاسي على قطاع الزراعة، يجب أن تتحرك الجهات المعنية والمنظمات الدولية لإنهاء هذا الحصار الظالم وتوفير الدعم اللازم لإعادة بناء قطاع الزراعة وتأمين سبل العيش الكريم للمزارعين في غزة. 

يعد القطاع الزراعي أحد أهم القطاعات الاقتصادية في غزة، إذ يساهم بما يصل إلى 6% من الناتج القومي الإجمالي، بقيمة إنتاج تُقدّر بنحو 430 مليون دولار. 

ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، يعمل في هذا المجال نحو 55 ألف عامل، منهم 32 ألف مزارع، والمتبقي منهم يعملون في تقديم الخدمات الزراعية المساندة.

يواجه القطاع الزراعي تحديات كبيرة في ظل التضييق الإسرائيلي الذي تصاعد مع فرض الحصار عام 2006، سواء من خلال وضع قيود كبيرة على عمليات تصدير المنتجات الزراعية، واستيراد المعدات والمواد الخاصة بالإنتاج الزراعي، أو من خلال الاستهداف المباشر للمحاصيل والأراضي الزراعية أثناء التوغلات الحدودية أو الهجمات العسكرية على قطاع غزة. 

وفي أغسطس 2022، تكبّد القطاع الزراعي خسائر كبيرة نتيجة الهجوم العسكري الذي شنه الجيش الإسرائيلي ضد حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، إذ أدّى القصف الجوي الإسرائيلي إلى تدمير عدد من الأراضي الزراعية وشبكات الري والمعدات التي تستخدم في مجال الزراعة، وقُدرت قيمة الخسائر المباشرة الناجمة عن ذلك بنحو 600 ألف دولار، ويفرض الجيش الإسرائيلي فعليًا "منطقة عازلة" بعمق 300 متر تقريبًا على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة بزعم المخاوف الأمنية. 

وعلى الرغم من أن السلطات الإسرائيلية تعلن أنها تسمح للمزارعين بالوصول حتى مسافة 100 متر من السياج بشرط التنسيق المسبق، فإن الممارسات العملية تثبت عكس ذلك، إذ يتعرض المزارعون لأخطار جسيمة عند الاقتراب من تلك المنطقة، ولا يستطيعون ممارسة أعمالهم بشكلٍ طبيعي هناك. 

بعد الهجوم العسكري الإسرائيلي على القطاع في ديسمبر 2008، وسّعت إسرائيل المنطقة العازلة لتصبح ما بين 1,000 و1,500 متر داخل حدود القطاع، يُحظر فيها على السكان والمزارعين الفلسطينيين الوصول لها، وهي المسافة التي تشكل حوالي 17% من مجموع أراضي القطاع و35% من الأراضي الزراعية.

"جسور بوست" تناقش الأزمة وتداعياتها، خاصة أن قطاع الزراعة هو ركيزة أساسية في حياة السكان، وتدميره يعني تفاقم معاناتهم وتردي ظروفهم المعيشية، مساهمة من خلال خبراء ومحللين في وضع رؤية جديدة لإعادة إحياء الزراعة في غزة، بدءًا من توفير الموارد اللازمة والتدريب المهني للمزارعين، وصولاً إلى توفير الدعم الفني والتكنولوجي لتحسين طرق الزراعة وزيادة الإنتاجية. 

إعمار غزة المدمرة.. بين الحصار الإسرائيلي ونقص مواد البناء - جريدة الوطن

تأثيرات قاتمة 

وقال أستاذ الزراعة وعضو منظمة الفاو، الدكتور نادر نور الدين، إن للحصار على قطاع الزراعة في غزة تأثيرات قاتمة بل شديدة القتامة، وتحسين الوضع في القطاع الزراعي في غزة ليس مجرد واجب إنساني، بل هو أيضًا استثمار في المستقبل والأمن الغذائي للمنطقة، ولذا وضع حد لهذه المعاناة وهذا الجور أمر ضروري، فيجب أن تتحرك الجهات المعنية على جميع المستويات لتخفيف حدة الحصار وتوفير الدعم اللازم للقطاع الزراعي، لأن القطاع الزراعي هو عمود فقري للاقتصاد والاستقرار الاجتماعي في غزة، خاصة أن تأثير الحصار على قطاع الزراعة في غزة ضخم ومتعدد الأبعاد، مهددًا استدامة الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في المنطقة، حيث يفرض الحصار قيودًا على حركة المزارعين والعمال الزراعيين إلى أراضيهم الزراعية في غزة، ما يعوق قدرتهم على زراعة وإدارة الأراضي بشكل فعال. 

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، تعاني غزة من نقص حاد في الموارد المائية، وهو تحدٍ كبير يؤثر على الزراعة، وتزيد القيود على واردات المعدات والمواد الخاصة بالري والصرف الزراعي من صعوبة التعامل مع هذا التحدي. 

وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، يتجاوز الطلب على المياه الزراعية في غزة بنسبة 60% حاجتها الفعلية، كذلك يحد من حركة التجارة والتصدير للمنتجات الزراعية من غزة، وقيود الحصار تؤثر على قدرة المزارعين على تصدير منتجاتهم إلى الأسواق الخارجية، ما يقيد إمكانية تحقيق العائد المالي وتقدم القطاع الزراعي، أيضًا تدهور البنية التحتية الزراعية ونقص الاستثمارات، جزئيًا بسبب صعوبة إدخال المواد والمعدات اللازمة لإصلاح وتطوير البنية التحتية الزراعية. 

واستطرد، تُظهر الأرقام والإحصائيات تلك الآثار السلبية للحصار على قطاع الزراعة في غزة، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نسبة الفقر في القطاع الزراعي في غزة تصل إلى حوالي 50%، في حين أن حوالي 80% من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الغذائية، كما تشير الإحصاءات إلى انخفاض الإنتاج الزراعي العام في غزة بنسبة تتراوح بين 20% إلى 30% في السنوات الأخيرة للأسف.

نادر نور الدين: أديس أبابا تبني السد لمصالحها فقط ولا تستهدف | مصراوى

الدكتور نادر نور الدين

حلول ومقترحات

وعن الحلول تحدث عضو منظمة الفاو، قائلا، إن الحلول كثيرة أولها وأهمها على الإطلاق وقف الحصار، فلا تنمية زراعية تحت نيران المدافع، ولتعزيز التجارة الزراعية في غزة، يمكن اتخاذ عدة خطوات وتبني استراتيجيات متعددة، كالاستثمار في تطوير البنية التحتية الزراعية، بما في ذلك تحسين طرق النقل والتخزين والتبريد، ويساهم تحسين البنية التحتية في الحفاظ على جودة المنتجات الزراعية وتقليل الفاقد، أيضًا تطوير الصناعات المرتبطة بالزراعة، مثل صناعة المواد الغذائية المصنعة وتصنيع المنتجات الزراعية القيمة مثل المنتجات الحيوانية والمنتجات الصناعية المشتقة، وتوسيع وتنويع الأسواق المحلية والدولية للمنتجات الزراعية من غزة.

وتابع، يمكن ذلك من خلال توطين العلامة التجارية وتحسين التسويق والترويج للمنتجات الزراعية ذات الجودة العالية، ويمكن تعزيز التجارة الزراعية من خلال تعزيز التعاون والشراكات بين المزارعين والمنظمات المحلية والدولية والشركات التجارية.. يمكن أن تساعد هذه الشراكات في توفير الدعم التقني والمالي والتسويقي وتوسيع فرص التصدير، وينبغي تشجيع المزارعين على تنويع المحاصيل وتطوير المنتجات ذات القيمة المضافة، مثل المنتجات العضوية والمنتجات ذات التكنولوجيا العالية، ويمكن أن تساعد هذه الخطوة في تحقيق أسعار أفضل وتنافسية على المستوى المحلي والعالمي. 

واستطرد، يجب توفير التمويل والدعم المالي للمزارعين والشركات الزراعية، بما في ذلك توفير القروض والمنح والتأمين الزراعي، ويساعد هذا الدعم في تعزيز القدرة التنافسية وتحسين الإنتاجية والجودة، ويجب توفير التدريب والتطوير الفني للمزارعين والعمال الزراعيين، بما في ذلك تحسين الممارسات الزراعية المستدامة واستخدام التكنولوجيا الحديثة في الإنتاج الزراعي. 
 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية