في ندوة نظمها مركز "جسور إنترناشيونال" بجامعة جنيف

اللاجئون يواجهون تحديات خطيرة.. ومعالجة القضية يحتاج لجهود دولية وحقوقية واهتمام إعلامي

اللاجئون يواجهون تحديات خطيرة.. ومعالجة القضية يحتاج لجهود دولية وحقوقية واهتمام إعلامي

رئيس مركز دراسات السلام: الأمم المتحدة لم تنصف اللاجئين.. ولا بد من إيجاد إطار قانوني يضمن حقوقهم

رئيس منظمة شركاء سياسة الهجرة العالمية: اللاجئون يلعبون دوراً اقتصاديا مهماً وتجب حمايتهم ودعمهم

محمد الحمادي: قضية اللاجئين مشكلة "مركبة" تحتاج لحلول جذرية ولا بد من تدريب وتأهيل الإعلاميين لتغطية أخبارها

الحمادي: تحويل قضية اللاجئين من قضية ثانوية للإعلام إلى قضية أساسية يحتاج لإرادة للتغيير

 

نظم مركز "جسور إنترناشيونال للإعلام والتنمية"، ورشة عمل دولية بمقر جامعة جنيف بسويسرا، تحت عنوان "دور وسائل الإعلام في دعم ومناصرة قضايا اللاجئين" بحضور عدد من الخبراء في هذا المجال، مستهدفًا استكشاف أساليب معالجة التحديات التي يواجهها اللاجئون والنازحون وضحايا الصراع من خلال وسائل الإعلام وجهود المناصرة ومبادرات التنمية.

وركزت الورشة على عدة محاور جاء في مقدمتها "دور وسائل الإعلام وتحدياتها"، والتي تم من خلالها مناقشة دور وسائل الإعلام في دعم حقوق اللاجئين، والتأثير في الآراء والسياسات والموارد، وتسليط الضوء على المخاطر التي تهدد حرية الصحافة في مناطق النزاع و"استراتيجيات وسياسات التنمية" عبر عرض المبادرات الناجحة لتمكين اللاجئين، والمجالات التي تحتاج إلى تحسين، ومقارنة السياسات العالمية بشأن استقبال اللاجئين، و"محور الأطر القانونية والسياسية" الذي تم من خلاله مناقشة الحماية القانونية للاجئين وأدوار الخبراء القانونيين.

شارك في الورشة رئيس مركز جسور إنترناشيونال، محمد الحمادي، الخبير في القضايا الإعلامية والعلاقات الدولية، ومؤسس ورئيس مركز دراسات السلام والمصالحة، أ.د. شوكرو جوزيل، ورئيس منظمة شركاء سياسة الهجرة العالمية، باتريك أ. تاران، والمندوبة السابقة لدى الأمم المتحدة، جيني بيتانكورت، شقيقة أحد ضحايا الاختفاء القسري في تشيلي، وأدارت الجلسة مسؤولة الاستعداد والاستجابة لحالات الطوارئ والأزمات باللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلين أكرويد.

في البداية، كشف مؤسس ورئيس مركز دراسات السلام والمصالحة، الدكتور محمد شوكرو جوزيل، عن الأسباب التي تدفع الإنسان إلى اللجوء والتنقل إلى أماكن أخرى، مشيرا إلى الاتفاقيات الدولية المعنية بموضوع اللاجئين وأهمها اتفاقية عام 1951 التي تكفل حماية اللاجئ.

وحث جوزيل على إيجاد إطار قانوني يضمن الحقوق الإنسانية لهؤلاء الفارين، داعيا وسائل الإعلام إلى التخلي عن السلبية والعمل من أجل إيجاد الحلول ونقل الصورة الحقيقية عن معاناة اللاجئين، حتى يمكن حمايتهم.

وشدد على أنه من الضروري التركيز على سياسات اللجوء والعمل على حل الأزمة من بدايتها في دول الإرسال، والتركيز أيضًا على جهود بناء السلام.

وانتقد الدكتور محمد شوكرو جوزيل، الذي تم ترشيحه من قبل لجائزة نوبل، تقاعس الأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين عن الدور الذي يجب القيام به لدعم اللاجئين والفارين من بلدانهم، محذرا من التحديات الكبيرة التي باتت تواجه هؤلاء سواء على طرق الهجرة أو في بلدان الوصول.

ولفت إلى أن التاريخ شهد في سنواته الأخيرة العديد من قضايا اللجوء الهائلة بسبب التطهير العرقي في بعض الحروب كما حدث في قارة إفريقيا، ومع جماعة الروهينجيا في ميانمار الذين يتم تهجيرهم بشكل منهجي وغير أخلاقي، بينما لا تبدو جهود المجتمع الدولي فعالة أو حتى حريصة على إيجاد حل فاعل لقضيتهم.

سلسلة من التحديات

وأشار جوزيل إلى أن اللاجئ أصبح ضحية لسلسلة من التحديات، بداية من الأسباب التي دفعته إلى مغادرة بلده الأم مجبرا، ثم بعد ذلك العصابات أو الجماعات التي تقوم باستغلاله وابتزازه على طرق الهجرة، والتي يستخدم بعضها الأموال التي تم تحصيلها من اللاجئين لتمويل عمليات الإرهاب، وقال إن المقاربة الجديدة يجب أن تبدأ من بلدان اللاجئين لأن الحل الحقيقي والوقائي يكمن هناك.

أسباب كثيرة للجوء

من جانبه، أكد رئيس منظمة شركاء سياسة الهجرة العالمية، باتريك أ. تاران، أن اللاجئين لهم وجود في العديد من الدول، وأنه من الضروري مناقشة السبب الأساسي الذي يدفع الناس للجوء، مبينًا أن الأسباب تتعدد حول هذا الأمر ومن بينها البحث عن عمل لا سيما أن اللاجئين لهم دور في الاقتصاد العالمي، وعلى سبيل المثال يمثلون نحو 9% من حجم سوق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي.

وشدد أ. تاران، على ضرورة الاعتراف باللاجئين وحقوقهم الإنسانية، وأن يتم حمايتهم على أساس الاتفاقيات والمواثيق الدولية، مبينًا أهمية النظر لديموغرافيا بعض الدول التي كانت ستنقرض لولا وجود اللاجئين خاصة أن نسب إنجاب الذكور فيها ليست عالية.

وأشار إلى الدور الاقتصادي المهم الذي يلعبه اللاجئون في دعم مجتمعاتهم وأسرهم في بلدانهم الأم، وقال إن تحويلاتهم المالية تبلغ أرقاما ضخمة تصل إلى قرابة تريليون دولار، خاصة أنهم يمثلون في بعض البلدان نحو 8% أو أكثر من العمالة.

وحث "تاران" البلدان المستقبلة للاجئين، خاصة الدول الغربية، على تعزيز الاستفادة من الخبرات التي تتمتع بها فئات واسعة منهم، ودعمهم خاصة أن مجتمعات هذه البلدان تعاني بالفعل من انخفاض تعداد سكانها بسبب عدم الإنجاب، وأن وجود هؤلاء يدعم القوة البشرية العاملة فيها.

وشدد على ضرورة الاعتراف وبشكل واضح بالحقوق الإنسانية للاجئين، وفقا للاتفاقيات الدولية، والعمل حتى تصبح التشريعات الوطنية متوائمة مع ذلك.

من جانبها، تحدثت المندوبة السابقة لدى الأمم المتحدة، جيني بيتانكورت، شقيقة أحد ضحايا الاختفاء القسري في تشيلي، عن تجربتها في ظل الانقلاب العسكري في بلادها عام 1973 الذي أطاح بالرئيس سيلفادور أليندي، وروت كيفية تعرضت وأسرتها للاضطهاد واختفاء شقيقها قسريًا.

وقالت بيتانكورت، "بعد سنوات من الديكتاتورية غادرت بلادي وجئت إلى جنيف حتى أتمكن من الوصول لأخي، لأني ظننت أنه خارج تشيلي.. أنا لم أحظ أبدًا باللجوء وحصلت على إقامة إنسانية وكنت أشعر بالخوف من الطرد من سويسرا".

مشكلة عالمية

من جانبه أكد رئيس منظمة جسور إنترناشيونال، محمد الحمادي، الخبير في القضايا الإعلامية والعلاقات الدولية، أن قضية اللجوء مشكلة عالمية وكبيرة ولا تختص بها منطقة معينة ولا زمان معين.
وأوضح الحمادي أنه “عند الحديث عن دور الإعلام في هذه القضية فنحن نتحدث عن جزء مهم في كل القضايا العالمية، لا سيما أن دور الإعلام أصبح دوراً محورياً ومؤثرا بشكل عام والجميع يتفق على ذلك”.

وركز الحمادي على علاقة الإعلام بقضية اللاجئين ودوره في مختلف الأزمات العالمية، مشيرا إلى أنه الآن أصبح متهمًا بعدم القيام بالدور الكافي، بل أيضًا بالسلبية في ما يتعلق بقضايا اللاجئين، ونشر ثقافة تخويف المجتمعات من هؤلاء الوافدين الجدد إلى دول الهجرة واللجوء، لكن هناك الكثير من القصص المثيرة والمهمة التي كان هناك دور إيجابي للإعلام فيها، مستشهدًا بنشر الإعلام لصورة الطفل السوري آلان كردي الذي شاهدنا جثمانه على شاطئ البحر، وهو ما ساهم في التأثير على المشاعر العالمية تجاه اللاجئين السوريين، والأمر نفسه كان مع موقف المالي مامادو غاساما في باريس عندما قام وهو مهاجر غير شرعي بإنقاذ طفل معلق في الطابق الخامس من السقوط، وكانت هذه صورة مهمة لدرجة أن الرئيس ماكرون استقبل هذا الشاب، والذي حصل على الجنسية فيما بعد.

وأوضح أن العالم يشهد الآن زيادة كبيرة في أعداد اللاجئين، حيث بلغ العدد وفقًا لآخر أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أكثر من 120 مليون لاجئ، موضحًا أنه من الضروري الإشارة إلى أن جزءًا من هذا الرقم كان بسبب الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة، وهذا الأمر لم يتوقف والحرب مستمرة في دول العالم، ومن يدفع الثمن هم الأبرياء الذي ينزحون وفي غالبية الأحيان ليس هناك ترحيب بهؤلاء.

دور مهم للإعلام

وقال الحمادي إن للإعلام دوراً أساسياً ومهما في هذه القضية، لكن وللأسف وسائل الإعلام لا تعطي المساحة الكافية لقضايا اللاجئين، مشددًا على ضرورة دفع المؤسسات الإعلامية وكذلك مفوضية اللاجئين لمنح اهتمام أكبر لهم، مضيفا، "من المؤسف أن هناك قاربا يغرق ويموت 500 شخص في البحر ولا يحدث اهتمام إعلامي بينما يقتل شخص واحد في مدينة من مدن العالم وتهتم وسائل الإعلام بالأمر لأيام وأسابيع".

وأكد أن دور الإعلام لا يجب أن يكون هو الدور اللاحق بعد عملية اللجوء، ولكن يجب أن يكون من الدول التي تصدر اللاجئين، قائلا إن "الكثير من اللاجئين يغادرون بسبب الظروف فيها وأيضًا بسبب الخطاب الإعلامي الذي ينفر تلك الشعوب من دولها ويدفعها للخروج، والكثير منهم إن لم يكن بسبب الحروب، فمن أجل العمل وتوفير حياة كريمة لهم ولأسرهم ولذلك يضطرون للمجازفة بحياتهم".

وأشار الحمادي إلى المنطقة العربية ومنطقة شمال إفريقيا باعتبارهما من المناطق الساخنة للهجرة، مشيرا إلى أن البحر المتوسط تحول الآن إلى بحر للموت لهؤلاء المهاجرين من تلك المناطق، رغم نظرتهم له على أنه الأمل لهم في حياة أفضل على شاطئه الآخر.

وأضاف أن "الإعلام يسلط الضوء على المناطق الساخنة مثل أفغانستان وسوريا وفلسطين والسودان.. كل تلك المناطق تحتاج إلى أن يصل لها الإعلام، الآن تدركون أن الإعلام لا يستطيع الوصول للداخل الفلسطيني، نحن الآن لا نعلم ما يحدث للفلسطينيين في الداخل.. الدول يجب أن تنظر إلى واقع الهجرة بشكل آخر".

وأوضح أن الدول التي كانت تمثل الملاذ للاجئين الآن أصبحت تتراجع عن مسؤولياتها في استقبالهم وتقلل من فرص حصولهم على حق اللجوء وهذا الأمر يتكرر يوميًا، واللاجئون يغرقون لسنوات طويلة في إجراءات إدارية، قائلا إن "التركيز يكون على الدول الغربية في هذه النقطة التي كانت ينظر لها باعتبارها دول الحلم والأمل، اليوم هناك قوانين تضيق على اللاجئين، وأصوات تعلو ترفض اللاجئين لا تريد المزيد منهم وترفضهم بسبب العديد من الأمور، منها اعتبارهم عبئا اقتصاديا، وتلك أصوات متصاعدة ومقلقة".

وذكر أن بعضا من وسائل الإعلام تسهم في تخويف المجتمعات، وتصويرهم كخطر حقيقي للمجتمعات رغم أنهم بأمس الحاجة إلى من يساعدهم، "وهناك إعلام آخر مثل السوشيال الميديا والإعلام الرقمي الذي أصبح خطيرًا جدًا وفي أغلب الأحيان يكون ضد فكرة اللجوء ويستخدمه الأشخاص الذي يتبنون هذا الصوت، فقد يقوم شخص واحد بالاعتداء على شخص في الشارع ويتم استغلال الأمر لمهاجمة جنسية معينة".

تدريب وتأهيل

ونبه الحمادي إلى ضرورة تدريب وتأهيل الإعلاميين للتعامل مع قضايا اللجوء لا سيما أن البعض منهم خلفياتهم عن قضايا اللجوء محدودة جدًا ويتعاملون مع أخبار اللجوء كما يتعاملون مع أي خبر آخر، وهذه إشكالية، وأيضًا بالنسبة لغرف الأخبار لا بد من وجود عملية ضبط لتناول أخبار اللاجئين والحذر من استخدام بعض المصطلحات التي تساهم في إثارة الشارع والمجتمع ضد اللاجئين.

وأضاف أن "مشكلة اللاجئين مشكلة مركبة، إذ إن هؤلاء أشخاص فقدوا أوطانهم ويبحثون عن وطن بديل ومحاولة إثبات جدارتهم بالانتماء لمجتمع يستطيع استيعابهم ليكفل لهم حياة كريمة ولأسرهم".
وطالب الحمادي، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بأن يكون لديها خطة واضحة في المرحلة المقبلة، لأننا نستشعر أن السنوات المقبلة ستكون سنوات صعبة على اللاجئين ودول اللجوء والدول المصدرة لهم بسبب الحروب والأزمات الاقتصادية.

ونبه إلى وصول بعض الشخصيات اليمينية إلى مناصب حكومية أوروبية مؤكداً أنه أمر مقلق جدًا لأنهم في النهاية ضد أي شخص يحاول الهجرة وهم الذين يبثون خطاب الكراهية والخوف ضد هؤلاء القادمين الجدد، قائلا "نحن في عالم واحد يجب أن يكون هناك تضامن وأن نعمل كمجتمع دولي على خلق بيئة مميزة لكل إنسان لاجئ".

تعقيبات

وعقب رئيس منظمة شركاء سياسة الهجرة العالمية، باتريك أ. تاران على مداخلات المشاركين، مؤكدًا أن هناك أصواتا في دول مثل الولايات المتحدة تحث اللاجئين على ترك أمريكا، وفي الوقت نفسه تحاول جذب أشخاص من أصحاب الكفاءات من دول أخرى، وهذا الأمر يتم مقابل التخلص من اللاجئين غير المرغوب فيهم.
وأضاف "في بعض الأحيان هناك مناطق تقام فيها الحروب من أجل إجلاء الناس وبعد ذلك يتم استغلال وامتلاك الأراضي، وهذا أيضًا من الممكن أن ينطبق على فلسطين وهذه عمليات تتم بشكل مدروس".

وأشار رئيس مركز دراسات السلام والمصالحة، أ.د. شوكرو جوزيل، إلى أن هناك طرحا يتحدث عن أن الحرب في غزة هي من أجل إجلاء سكانها عن الأراضي.

ورد رئيس مركز جسور إنترناشيونال، محمد الحمادي، على سؤال طرح من جانب أحد المشاركين حول دور المجتمع المدني، مؤكدًا أنه مسؤول، وأفراد المجتمع أيضًا مسؤولون عمّا يحدث مع اللاجئين، ويجب النظر إلى تلك المسألة إنسانيا، "الجميع يجب أن يكون على قدر المسؤولية وكذلك وسائل الإعلام، وتعلمون أن البعض منها خاضع لأجندات وشركات وبالتالي يكون لها توجهات معينة، ومن يملكون تلك الوسائل قد يكون لهم رسائل أو توجهات ضد هذا الأمر".

وأضاف الحمادي: "نستطيع كأفراد استخدام السوشيال ميديا كأداة إيجابية للاجئين، وبعض المنظمات بدأت اليوم تنشر قصصا جميلة عنهم، وهناك نماذج إيجابية، مثل إدوارد سعيد وأينشتاين، ولكن لا يتم الإشارة لهم كلاجئين ولكن كمفكرين، وحتى فرويد يعتبر لاجئا، ونحن نشرنا قصة عنه، وقصص هؤلاء لا بد أن تنشر".
وذكر الحمادي أن تحويل قضية اللاجئين من قضية ثانوية للإعلام إلى قضية أساسية يحتاج لإرادة للتغيير وجانب من هذا التغيير يمكن أن يبدأ من الأمم المتحدة والمفوضية السامية، "ويجب ألا ننسى دولة الهجرة لأنها أساس المشكلة ويجب حل مشكلتها من خلال المنظمات الدولية، وعليها العمل على حل جذور الأزمة".


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية