منذ الاستيلاء على السلطة في أغسطس 2021

حكم طالبان.. ثلاثية سوداء أجبرت أفغانستان على "الركض نحو الهاوية"

حكم طالبان.. ثلاثية سوداء أجبرت أفغانستان على "الركض نحو الهاوية"

بثلاثة أعوام سوداء وصفها تقرير أممي بـ"الأسوأ عالميا"، فرضت حركة طالبان على أفغانستان وابلا من القيود التعسفية والممارسات الرجعية ونوعا من العزلة الدولية، وكأنها دفعت البلاد رغما عنها للركض نحو الهاوية.   

منذ أغسطس 2021، سيطرت حركة طالبان على أفغانستان، في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية من البلاد، حيث يعيش نحو نصف تعداد السكان (البالغ نحو 42 مليونا) تحت خط الفقر، ويعاني نحو 15 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وفق تقديرات سابقة للبنك الدولي.

وقالت تقارير دولية وأممية، إن الحركة الحاكمة شنت هجومًا مستمرًا على حقوق الإنسان، واضطهدت الأقليات، وقمعت الاحتجاجات السلمية بعنف، وقمعت حقوق المرأة، واستخدمت عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري لنشر الخوف بين الأفغان.

وتواترت تقارير واسعة النطاق عن قيام جنود طالبان بضرب وتعذيب الأفغان الذين يُعتبر أنهم انتهكوا مراسيم طالبان أو يُتهمون بالعمل مع الحكومة السابقة.

وتدخل أفغانستان عامها الثالث على حكم حركة طالبان، وسط إدانات دولية تصف أوضاعها بـ"الكابوس" بالتزامن مع عدم اعتراف رسمي لأي دولة بالعالم بحكومة طالبان.

حرب على النساء

باستهداف متعمد، وقعت النساء والفتيات في مرمى نيران حركة طالبان، إذ أصدرت أوامر بمنع توظيف النساء في جميع المنظمات غير الحكومية المحلية والأجنبية، وعدم قبول الطالبات في الجامعات، وإغلاق المدارس الثانوية للفتيات بجميع أنحاء البلاد.

وأصدرت طالبان قرارات بحرمان النساء من الحق في دخول الحدائق والصالات الرياضية في البلاد ومنعهن من المشاركة في مسابقات الألعاب الرياضية. 

وكانت الحرب على النساء في أفغانستان، ملمحا بارزا ذكره مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في تقريره السنوي عن حالة حقوق الإنسان العالمية في يونيو الجاري، إذ قال إن "اضطهادا منهجيا مستمر ضد النساء والفتيات في أفغانستان". 

وبثت المفوضية السامية مقطعا مصورا أمام مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، لشهادة نادرة لسيدة أفغانية تُدعى ليلى (اسم مستعار) تقول: "بأعين طالبان نحن لا أحد نحن كالرقيق، قبل حوالي 3 سنوات، كنّا أحرارا. الفتيات الأفغانيات يشبهن تلك العصافير التي كُسرت جوانحها لكنها لا تزال تحاول أن تطير.. أعلى ما أمكنهنّ".

وتؤكد ليلى، التي حجبت الأمم المتحدة صورتها وقامت بتغيير نبرة صوتها لعدم كشف هويتها، أنها تعرف عدّة نساء انتحرن بعدما قام رجال بالقبض عليهنّ وضربهن بحجة أنهن لا يضعن الحجاب بالطريقة المناسبة، مضيفة: "أنا قلقة كثيرا على مستقبلي لكن لن أستسلم أبدا".

وعادة ما ترد سلطات طالبان على الانتقادات الدولية، مؤكدة أن القوانين الأفغانية تلتزم بالشريعة الإسلامية وتضمن حقوق جميع المواطنين في بلادها.

لكن المؤكد واقعيا أنه منذ استيلاء طالبان على السلطة، تم استبعاد النساء من القيام بالأدوار السياسية ومعظم الوظائف في القطاع العام، وكذلك تم منع الفتيات من التعليم بعد المرحلة الابتدائية، وفق رصد المنظمات الحقوقية الدولية عقب عامين من حكم الحركة المتشددة لأفغانستان.

وأصدرت طالبان مراسيم باشتراط سفر النساء في الرحلات الطويلة مع محرم أو وصي ذكر، وملازمة النساء المنزل ما لم تكن مغادرتها ضرورية، والتزام بقواعد لباس صارمة تنتهك حرية المرأة في التنقل وحرية اختيار ما ترتديه في الأماكن العامة.

وتقول تقارير دولية إن من تخالف هذه المراسيم يتم اعتقالها واحتجازها تعسفيا إثر اتهامها بعدة تهم أبرزها "ارتكاب جرائم أخلاقية"، معتبرة ذلك نوعا من "إجبار الأفغانيات على العيش كمواطنات من الدرجة الثانية، من خلال تطبيق سياسة اضطهاد قائمة على النوع الاجتماعي".

ووصف تقرير أممي، محنة النساء والفتيات في أفغانستان بـ"الأسوأ عالميًا" جراء تمييز متفشٍ على نطاق واسع ضد النساء والفتيات يرتقي إلى حد "الاضطهاد".

وفي فبراير 2024، دعا مجلس الأمن، حركة طالبان الأفغانية إلى إجراء عملية سياسية شاملة تستند إلى احترام حقوق الإنسان، وإلغاء فوري لجميع السياسات والمراسيم التي تقمع النساء والفتيات، بما فيها القيود المفروضة على التعليم في المرحلتين الثانوية والجامعية، وحق المرأة في العمل، وحرية الحركة، وحرية التعبير، والقبول بالشراكة المتساوية للمرأة في اقتصاد التنمية والعمليات السياسية.

وأدانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" الاستبعاد المنهجي الصارخ لـ1.5 مليون فتاة من التعليم، والذي أدى إلى فقد أكثر من 1000 يوم خارج أسوار المدارس أي ما يعادل 3 مليارات ساعة تعليمية ضائعة بالنسبة للفتيات الأفغانيات. 

أوضاع كارثية

وفرضت حركة طالبان قيودا ورقابة واسعة على وسائل الإعلام وعلى الحصول على المعلومات، وقامت باعتقال العديد من الصحفيين والمعارضين، حتى بات الإبلاغ عن معلومات مهمة دون خوف من الاعتقال والاحتجاز التعسفي ضربا من الخيال.

وبحسب تقرير حديث لمنظمة هيومن رايتس ووتش (غير حكومية، مقرها نيويورك): "نفذت قوات الأمن التابعة لطالبان عمليات اعتقال تعسفي وتعذيب وإعدام بإجراءات موجزة لعناصر أمن سابقين وأعضاء أو مؤيدي جماعات المقاومة المسلحة".

وتشكلت جماعات مناهضة لحكم طالبان عقب استيلائها على السلطة في أغسطس 2021، وانضم إليها عناصر قوات الأمن التابعة للحكومة الأفغانية السابقة، وترد طالبان على أعضاء تلك الجماعات بالقتل والاعتقال والتعذيب.

وبسبب ذلك، طالبت منظمات دولية بارزة، مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بوضع آلية دولية مستقلة للمساءلة تُركِّز على الحفاظ على الأدلة اللازمة للإجراءات القضائية المستقبلية في سبيل تحقيق العدالة، بما فيها الملاحقات القضائية وكذلك الرصد والإبلاغ العلنيان في أفغانستان.

ووفق تقارير دولية، أصبحت أفغانستان إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يوجد فيها أكثر من 28 مليون شخص، ثلثا السكان، في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية.

فيما أفادت الأمم المتحدة بوجود 4 ملايين شخص يعانون من سوء التغذية الحاد، منهم 3.2 مليون طفل دون سن الخامسة من العمر.

بدورها قالت فرشته عبّاسي، باحثة أفغانستان في منظمة هيومن رايتس ووتش: "يعيش الناس في أفغانستان كابوسا إنسانيا وحقوقيا تحت حكم طالبان. ينبغي لقيادة الحركة التخلي عن قواعدها وسياساتها التعسفية في أسرع وقت".

قسوة مناخية

وعلى صعيد أوضاع الطقس والمناخ، لا تزال الأمور تزداد كارثية بأفغانستان في ظل حكم طالبان، إذ ألمحت منظمة يونيسف إلى أن عشرات الآلاف من الأطفال لا يزالون متأثرين بالفيضانات المفاجئة المستمرة، إذ احتلت أفغانستان المرتبة الـ15 من بين 163 دولة على مؤشر مخاطر المناخ للأطفال لعام 2021 الذي تعده المنظمة الأممية. 

وقبل نحو شهر، قال برنامج الأغذية العالمي، إن الفيضانات التي ضربت المناطق الشمالية الشرقية والشمالية الغربية من أفغانستان أثرت على أكثر من 80 ألف شخص، محذرا  من أن المناطق المتضررة توصف بـ"بؤر الجوع الساخنة" بسبب المعاناة من انعدام الأمن الغذائي.

وعززت الظواهر المناخية المتطرفة من عدم قدرة طالبان على المواجهة، حيث كشف بيان دولي صادر في نهاية أكتوبر 2023، أبعادا أخرى عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، حيث يحتاج أكثر من 29 مليون أفغاني إلى المساعدات العاجلة.

وبحسب تقرير سابق للجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن ما يقرب من 20 مليوناً في أفغانستان؛ أي نحو 44 بالمئة من تعداد سكان الدولة، لا يحصلون على الغذاء الكافي، فيما يعيش نحو 34 مليون أفغاني في فقر.

وتسبب تغير المناخ وسنوات الجفاف المتكررة في حرمان 21 مليون أفغاني، أي ما يقرب من نصف سكان أفغانستان، من الحصول على المياه الصالحة للشرب، وفق تقديرات الوكالة الوطنية لحماية البيئة في أفغانستان.

تحديات سياسية

ولم تتخذ حركة طالبان أي خطوات جادة لبدء عملية سياسية شاملة مع مواطنيها الأفغان في ما يتعلق بالنظام المستقبلي للبلاد، فيما لم تتمكن أيضا من تشكيل حكومة رسمية وصياغة دستور وبناء علاقات مع المجتمع الدولي.

ويرأس الحكومة المؤقتة -التي أعلنتها الحركة بعد أسابيع من استلامها السلطة قبل نحو 3 سنوات- مجلس وزراء يتكون من 33 وزيرا كانوا مسؤولين سابقين في طالبان أو موالين لها يخضع بعضهم لعقوبات الأمم المتحدة والولايات المتحدة.

وبحسب تقديرات أممية، توصف حركة طالبان بأنها أسيرة الصوت الواحد الحريص على الهيمنة على مقدرات الأمور بالبلاد، ما يساهم بشكل مباشر في استبعادها عن الاندماج ويرسخ فكرة العزلة الدولية.

تُسمي طالبان حكومتها بـ"الإمارة الإسلامية في أفغانستان"، وهو لقب النظام الأول الذي أسسته الحركة في تسعينيات القرن الماضي واعتادوا الإشارة إليه طوال كفاحهم المسلح الذي دام عقدين من الزمن، ويشرف زعيمها على جميع شؤون الدولة والمجتمع وفق المنظور الديني.

وتسعى الأمم المتحدة إلى إيجاد حل إقليمي دائم لتحقيق السلام من خلال خارطة طريق جديدة بشأن أفغانستان، وتشجع طالبان على قبول حكومة شاملة ذات تنوع عرقي لتتمكن التيارات الأفغانية من المشاركة في العملية السياسية.

لكن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لم ينجحا خلال الثلاثة أعوام الماضية، من تقييم مستقل ودقيق للوضع في أفغانستان، جراء فرض القيود التعسفية على مجمل الأوضاع في البلاد، فضلا عن الواقع المعقد لحركة طالبان وبنيتها الهرمية في ممارسة الحكم.


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية