الدكتور ياسر عبد العزيز في «المحطة م»: الأخبار الكاذبة يمكن أن تشعل ثورات وحروباً وتؤدي إلى سقوط أنظمة

الدكتور ياسر عبد العزيز في «المحطة م»: الأخبار الكاذبة يمكن أن تشعل ثورات وحروباً وتؤدي إلى سقوط أنظمة
ياسر عبد العزيز - محمد الحمادي

الأخبار الكاذبة يمكن أن تشعل ثورات وحروباً وتؤدي إلى سقوط أنظمة

الحرب الروسية الأوكرانية أسقطت القناع عن وسائل الإعلام الغربية

إسرائيل أدركت فكرة الاتصال والإعلام قبل العرب بكثير

إسرائيل حققت الانتصار اتصالياً في بداية طوفان الأقصى ثم انتصرت حماس

الغرب لم يكن مؤمناً بالقيم والمبادئ التي نادى بها في حقوق الإنسان وحريات الصحافة

 

تعددت تجاربه في مجال الإعلام والصحافة، وبين وسائل إعلام دولية وعربية تنقل ليصبح محملاً بسنوات من الخبرة.. لم يسعَ لأن يحتفظ بتلك الخبرات لنفسه وحاول أن يكون صوتاً إيجابياً.. داعماً ومقدماً النصيحة لوسائل الإعلام والصحافة العربية، ليسهم في تطويرها وزيادة فاعليتها وتأثيرها.. مدافعاً وباحثاً عن هامش أعلى لحرية الصحافة.



إنه الدكتور ياسر عبد العزيز.. الذي قطع محطات كثيرة وصولاً إلى «المحطة م» في حوار خاص مع «جسور بوست»، حول دور الإعلام في توجيه الرأي العام وصناعة الحروب، وكيفية استخدام الصورة كأداة للقتال، وأهمية الاتصال والإعلام في الحروب، مع التركيز على إستراتيجية إسرائيل الإعلامية في حربها على غزة، وعملها على تعقيم مجالها الإعلامي بطرق مختلفة، وكيف انتصرت حماس اتصالياً في هذه الحرب، وهل سيستمر التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية؟ ومن يقود الرأي العام العالمي؟ كل هذا وأكثر كان في لقائنا معه.. فإلى نص اللقاء.

 محمد الحمادي: الإعلام أصبح اليوم جزءاً مهماً من الحرب والسلام، فالحروب ليست كما كانت في ميدان المعركة، ولكن الآن أصبحت في غرف الأخبار.. بدايةً 7 أكتوبر وما حدث في هذا اليوم، والرسالة التي انطلقت حول مقتل 40 طفلاً وقطع رؤوسهم، وهو خبر تداوله الإعلام الغربي بشكل كبير، وبعد ذلك تغير الوضع.. كيف تقيم تلك الرسالة الإعلامية وطريقة تعامل الإعلام الغربي معها؟

أنا تعلمت في مدارس الإعلام الغربي، وأدين بالفضل لبعض الممارسات الغربية وبعض الأدبيات الإعلامية الغربية التي تعلمت منها العديد من القيم، مثل الموضوعية والحياد والدقة والتقصي والإسناد والاستيفاء، وكل تلك المعايير المحترمة التي نادت بها الأكاديمية والأدبيات العربية في وسائل الإعلام المختلفة، ولكن عندما حدثت الحرب الروسية الأوكرانية حدثت هزة لكل تلك النسق التي تعارفنا عليها، وكنا نعتقد أن ما يمكن أن يحدث من أخطاء هو نتيجة لأخطاء فردية، لكن في الحرب الروسية سقط جزء كبير من القناع أو أوراق التوت، لما وجدنا الإعلام الغربي يفعل كل شيء للانحياز للرؤية الأوكرانية الغربية على حساب الرؤية الروسية، بل ويمنع وسائل الإعلام الروسية ويشيطن الجانب الروسي ويحرض على قتله في وسائل التواصل الاجتماعي الخاضعة لشركات كبرى في الولايات المتحدة.

وبعد ما حدث في التناول الإعلامي مع الحرب الأوكرانية لم نُصدم كثيراً عندما حدثت حرب غزة، أنا كرجل يتابع وسائل الإعلام منذ عقود لم أصدم، لأن التمرين والبروفة حدث في الحرب الروسية، ووجدنا الإعلام الغربي أظهر سقوطاً في تلك المعركة، عندما حدثت حرب غزة كان متوقعاً أن تحدث أخطاء نتيجة هذا السقوط الذي جرى سابقاً، الذي حل محل هذا الشعور هو الدهشة والاستياء وربما الشفقة. 

محمد الحمادي: هل تعتقد دكتور ياسر أن هذا الأمر كان متعمداً؟

مئة في المئة.. والدهشة ليست في التعمد، ولكن في الإمعان في التردي والسقوط المزري، رئيس دولة عظمى خرج في مؤتمر صحفي واستخدم المعلومة المزيفة الخاصة بقطع رؤوس الأطفال باعتبارها حقيقة، والرجل في الواقع كان أسيراً للمنظومة الإعلامية التي قالت ذلك وهو صدقها بينما لم يكن هناك أي دليل.. روايتان تم الترويج لهما في الإعلام الغربي بشكل عمدي، أحدهما قطع رؤوس الأطفال، والثانية رواية العنف الجنسي المصاحب لـ7 أكتوبر، ونحن لا نقيم هذا التاريخ سياسياً ولكن عن الممارسة الإعلامية الغربية، نعم جرى عن عمد.. هناك توضيحات صدرت من مصادر مختلفة، وتساؤلات جرت من صحفيين وأكاديميين، أرسلوا عرائض لوسائل الإعلام مثل نيويورك تايمز، وطالبوها بإثبات وقائع العنف الجنسي، الصحيفة لم ترد.. هذا يعني أن الأمر عمدي وهو سقوط مزرٍ للإعلام الغربي. 

محمد الحمادي: إلى أي مدى تؤثر تلك الرسالة الإعلامية على الرأي العام؟ 

لها تأثير كبير جداً، فالأخبار الكاذبة يمكن أن تشعل ثورات وحروباً وتؤدي إلى سقوط أنظمة وهزائم عسكرية مريرة.. وإليك قصة شهيرة عن الأخبار الكاذبة وتأثيرها، هي قصة مصنع الجلسرين، باعتبارها تظهر إلى مدى يمكن للأخبار الكاذبة أن تؤدي إلى دخول أمة في حرب.. القصة أن الصينيين يريدون دخول الحرب العالمية ولم تكن لديهم مبررات أو أسباب، لكن القادة رأوا أنه من الضروري دخول الحرب، فاختلقوا خبر أن ألمانيا تحرق جثث الأسرى وتذيب تلك الجثث وتحولها لجلسرين لاستخدامها في صنع مدافع وقنابل.. ونتيجة لهذا الأمر أصبح الشعب الصيني مهيأً تماماً لدخول الحرب، لأنه شعر ببشاعة الإجرام الألماني.. في مصر مثلاً قبل الإطاحة بنظام مبارك أذاعت صحيفة الجارديان أن ثروة مبارك 70 مليار دولار، وهذا الخبر جاء في وقت كان هناك تعاطف في ميدان التحرير مع مبارك بعد خطاب عاطفي ولمس أوتاراً عاطفية، كثير من المصريين صدقوا أن ثروة مبارك 70 مليار دولار، ويقال إن هذا الخبر كان أحد أسباب استمرار الاحتجاج.

خبر العنف الجنسي وقطع رؤوس الأطفال تم استخدامه في برلمانات أوروبية عديدة من مقبل مشرعين باعتباره مسوغاً لاتخاذ سياسات، والجمهور لم يكن أمامه إلا القبول بتلك السياسات.. الإعلام يستطيع أن يشعل حرباً وأن يدير دفة الرأي العام في اتجاه معين، هو يستطيع أن يخدع بعض الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، ولكن لا يستطيع أن يخدع كل الناس كل الوقت.

محمد الحمادي: كتبت في وقت سابق أن حماس انتصرت اتصالياً.. ماذا كنت تقصد بهذا الأمر؟
 
الاتصال أو الإعلام هو نصف هذه المعركة مع الاحترام لكل الضحايا من الأبرياء والمدنيين، والاحترام للدماء التي تنزف، لكن ما حدث في 7 أكتوبر كانت انتصاراً اتصالياً إسرائيلياً، ففي يوم 8 أكتوبر كانت الصور المتداولة تعطي إسرائيل مبرراً وأسباباً لارتكاب جرائم كبيرة جداً بدون مساءلة، لأن الصور لم تكن مدروسة، وكانت تظهر قوة حماس وقدرة حماس على إذلال وقهر إسرائيل والفتك بمنطقة المستعمرات، وبالتالي الربط بينها وبين الإسلاموفومبيا، فإسرائيل انتصرت اتصالياً في البداية، لكن بمجرد مرور أسبوع ومع توالي أخبار قتل المدنيين، وهدم مقدرات الحياة في غزة، والاستمرار في إجبار المدنيين على النزوح والتكدس في رفح، وسقوط ما يقرب من 40 ألفاً، هذا الأمر أدى إلى نجاح حماس اتصالياً، يعني القوة الاتصالية كان لها صدى أقوى من القوى العسكرية، لأن الجمهور العالمي يتعاطف مع الأضعف وليس الأقوى.

حماس خسرت اتصالياً في البداية مع تفوق في الميدان أول يومين، ثم مع ارتفاع فاتورة الدم للفلسطينيين حماس انتصرت اتصالياً، والآن لديها تعاطف في الأمم المتحدة بعد التصويت لصالح قيام الدولة الفلسطينية، والدول التي توالت في الاعتراف بفلسطين.

محمد الحمادي: هل نستطيع أن نفرق بين حماس وفلسطين؟

الصراع الآن بين حماس وبعض الفصائل وبين إسرائيل، لكن لا نستطيع القول إنه صراع فلسطيني إسرائيلي، لأن جزءاً فلسطينياً -تمثله مثلاً منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية- ليس متوافقاً مع ما يجري من حماس، لكن البيت الفلسطيني متفق على إدانة العدوان وإعلان دولة فلسطين، وهناك خلاف حول ما فعلته حماس في 7 أكتوبر، وبالتالي الصراع الميداني والاتصالي هو بين إسرائيل وحماس.

محمد الحمادي: هل نستطيع القول إن من ينجح في إيصال روايته الإعلامية ينتصر في الحرب؟

نعم يمكن قول ذلك.. ولسنا نحن من نقول ذلك، ولكن جوزيف ناي أستاذ العلوم السياسية في هارفرد وصاحب مصطلح القوة الناعمة، وهو القائل "من يكسب المعركة هو من تربح قصته في الإعلام"، وأنا أوافق على ذلك، فقصة إسرائيل ربحت في الإعلام في الأسبوع الأول من طوفان الأقصى، فكانت مدعمة بتعاطف عالمي، ثم قصة حماس عن القتل والترويع وآلة الحرب الجبارة، فحماس انتصرت اتصالياً، وفي هذا التغير قد تجد حماس فرصاً للربح سياسياً.. من ربحت قصته في الإعلام قد ربح ولكن يجب أن أضيف أن الرأي العام متقلب.

محمد الحمادي: إسرائيل تفهم نظرية الاتصال.. ولاحظنا أن 140 صحفياً قتلوا منذ 7 أكتوبر.. هل عمليات القتل تمت وفقاً لمنهج معين؟

إسرائيل دولة أدركت فكرة الاتصال والإعلام قبل العرب بكثير.. ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء أنشأ عندما وصل هيئة رؤساء تحرير الصحف، وكان يجتمع معهم بانتظام ويعطيهم تعليمات أنهم صوت الدولة، ويطالبهم بعدم إيصال صوت العدو للجمهور في إسرائيل، ثم شارون في 2001 أصدر قراراً بضم سلطة هيئة البث إلى سلطة رئيس الوزراء، إسرائيل ترى في الإعلام ميداناً كبيراً جداً، إسرائيل لديها رقابة عسكرية على الأخبار في زمن الحرب.. ولديها إحساس بضرورة السيطرة على المجال الاتصالي، استهداف مقار الإعلام والصحفيين وأسر الصحفيين، أوقفت بث بعض القنوات وأيضاً مارست ضغوطاً على وسائل الإعلام الكبرى، وعملت على سياسة كاملة لتعقيم مجالها الإعلامي، والدليل أن مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين صرحوا بأنهم لا يرون صور الضحايا من الفلسطينيين الذين يسقطون في المعارك، نحن نشاهد أخبار الحرب يومياً لكن لا توجد جثة لفلسطيني، هذا يعني إن إسرائيل قمعت المجال الإعلامي.

محمد الحمادي: هذه أول مرة يتم منع وسائل إعلام كبيرة من تغطية الحرب.. قناة شهيرة طردت، وفي رفح لا أحد يعلم ما يحدث هناك.. كيف لدولة تدعي أنها ديمقراطية ثم تحدث فيها مثل هذه الأشياء؟

إسرائيل تدرك أن وصول تلك الصور للإعلام يعني هزيمة إستراتيجية.. وقديماً كانت هناك أدوات حاسمة في المعارك، في البداية من يملك خيولاً مدرعة لا يجاريها أحد، ثم المدفعية التي واجهتها، حتى جاء الألمان واستخدموا الطيران في الحرب خلال الحرب العالمية الثانية، ثم جاء الأمريكان واستخدموا القنبلة الذرية.. الحرب في تطور، لكن منذ حرب الخليج نشأت أداة جديدة ظلت حاسمة، وهي الصورة عندما نقلت السي إن إن الحرب على الهواء، كانت الصورة هي التي تعطي الانطباع للجمهور، ثم في "أبو غريب" أو فيتنام الطفلة التي قصفت بالنابالم، ثم صورة محمد الدرة.. تلك الصورة زعزعت المكانة الدولية لإسرائيل، وإسرائيل تدرك أن الصورة سلاح قوي. 

محمد الحمادي: الإعلام الغربي كان يثور ويغضب ويهيج عندما يتعرض للتقييد، ولكن هذه المرة لم نره غاضباً.. ما الذي تغير؟

الآن لدينا الأدلة الكافية على أن القيم والمبادئ التي نادى بها الغرب في حقوق الإنسان وحريات الصحافة والإعلام لم يكن الغرب مؤمناً بها إيماناً حقيقياً، ولكن كانت وسيلة ضغط ضد دول العالم الثالث التي تنتظم في سياسات يرتضيها الغرب، والبداية كانت من الحرب الروسية الأوكرانية، عندما شاهدنا وسائل الإعلام الغربية تشيطن روسيا، بل ويتم منع وسائل الإعلام الروسية من البث، وتحظر على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي رواية الحرب من الجانب الروسي والتحريض على قتل الروس، وهذا مخالف لكل الأكواد التي ادعت استخدامها.. الغرب يأمر الناس بالبر وينسى نفسه.. مصلحة القوى السياسية الغربية كانت في دعم إسرائيل وتصفية حماس، وكان يجب غض الطرف عن التدهور الكبير في حريات الصحافة وعدم الضغط على إسرائيل لتقويم مجالها الإعلام.

محمد الحمادي: هل تأثر الإعلام الغربي بموقف حكوماته من إسرائيل؟

نعم تأثر، لمجموعة من الأسباب: السبب الأول هو الانحياز البنيوي، انحياز في بنية الإعلام الغربي، هي مسألة تاريخية وتظهر في كل صراع إسرائيلي عربي، الغرب لديه تصور عن ذاته والذي تم التعبير عنه بمصطلح الوصول إلى آخر العالم وخاتم المرسلين، والصيغة المثلى للبشرية العولمة والليبرالية والرأسمالية الغرب يتصور أنها بستان جميل وما حوله هو الغابة.. الغرب ينظر لنفسه على أنه حديقة وسط غابة وينظر لنا باعتبارنا يجب أن نتعلم ونعاقب لو أخطأنا، ونلتزم بنسقه القيمي والأخلاقي والعداء الغربي.

محمد الحمادي: هل الأحداث الحالية يمكن أن تغير من تلك القناعات الغربية؟

سؤال مهم جداً وخطير ولم يسأل من قبل وسعيد به.. البعض يعتقد أن المعركة انتهت وأن حماس خسرت اتصالياً في البداية ثم كسبت، وهناك من يتصور أن العالم سيبقى متعاطفاً مع إسرائيل، وأنا أقول إن هذا الكلام غير قابل للامتداد، فالبشر كل صباح يشاهدون قصة جديدة ومعها موقف جديد وتعاطف جديد، وهناك من يستطيع خلق القصص لبناء تعاطف حوله والبعض الآن يحاول تثبيت الصورة.

محمد الحمادي: حديث قد يبدو فيه نوع من الإحباط؟

لا، هذا الحديث يستنفر الناس، لا تطمئن لثبات الرأي العام، في يوم من الأيام كان هناك عدد من القادة العرب، كان هناك رأي عام ضدهم، والآن في بلدانهم يتم الترحم على أيامهم، الرأي العام الذي صنع الانتفاضة والإطاحة بهم في دول مثل مصر واليمن وسوريا والعراق.. هل ثبت الرأي العام على ما كان عليه في 2010 و2011؟ وسائل التأثير والتغيير في الرأي العام كثيرة، وصناع السياسة لديهم أدوات للتأثير في الرأي العام، نحن الآن في لحظة اتصالية جيدة ولكن ثمنها فادح، قتلى وأشلاء ولا يمكن ضمان استدامتها. 

محمد الحمادي: من يقود الرأي العام الآن.. هل الإعلام المؤسسي أم السوشيال ميديا؟

من يقود التأثير هو السلطة الإستراتيجية في المجتمعات، وهي مجمع الأجهزة والمصالح الكبرى في الأنظمة السياسية، فالسلطة الإستراتيجية تظهر في عدة أشكال، منح الترخيص لإنشاء محطة تلفزيون، ومنح إصدار جريدة، ومنح التمويل لإنتاج البرامج، والسماح بإطلاق منصة تواصل اجتماعي، ومن فترة كانت الإمارات بصدد شراء صحيفة كبيرة في بريطانيا لكن الحكومة لم يعجبها الأمر، وبعدها كان الكونجرس الأمريكي يناقش مشروع قانون لمنع تيك توك من العمل في الولايات المتحدة، وعندما وصل مكتب بايدن وقّع عليه فوراً، وإكس يعمل بقرار، لأنه في البداية عندما عبر ماسك عن تعاطفه مع فلسطين فُرضت عليه قيود واضطر لزيارة إسرائيل، وبالمجمل يمكن القول إن السلطة الإستراتيجية تستطيع، ونستطيع القول إن السوشيال ميديا ليست حرة، ولكن فيها هامش أكبر من الإعلام التقليدي، وهناك مشاهير تعرضوا لمضايقات بسبب آرائهم. 

محمد الحمادي: هذا الكلام يدفعنا للتساؤل ويحرك النظرية التي تبناها البعض بأن غرفة عمليات سرية تدير مواقع التواصل الاجتماعي؟

هذا ليس بالضرورة، فوسائل التواصل الاجتماعي أكبر دليل على أثر السلطة الإستراتيجية في التحكم في آليات صنع الرأي العام العالمي، ما أعلمه أن الغرب يواجه فكرة الاحتكار ويناصر الخصوصية الحرية الشخصية، بينما يسمح لمالك فيس بوك بشراء واتساب ثم إنستجرام، وفي 10 سنوات يجري 71 استحواذاً على شركات تبدأ من 200 ألف دولار إلى 20 مليار دولار.. ما تعريف الاحتكار إذا كان شخص لديه بيانات 6 مليارات مستخدم؟ مارك يعلم أين أنت الآن، ويستطيع الوصول للصور والمكالمات.. السلطات الإستراتيجية تاركة هذا الشخص يفعل كل هذا.. في المقابل يُطلب منه مثلاً عدم السماح بكلمة فلسطين أو الصهيونية أو عدم التركيز على موضوعات معينة.. الغرب يعلم أن هذا الأمر احتكار. 

محمد الحمادي: هذا حديث مهم فعلاً.. ولكن يدفعنا للسؤال: أين الإعلام العربي؟ 

منذ 30 سنة ونحن نتحدث عن الإعلام، ومعظم الوقت أنا ناقد من باب الحرص والغيرة، لكن مثلاً موضوع الحرب الروسية الأوكرانية كشف القناع، كان يقال هؤلاء أشخاص لديهم سيارات مثلنا وشعر أصفر مثلنا كيف يطلق عليهم النار؟ يعني نحن فقط من يطلق علينا النار؟! أنا اكتشفت أن زملاء لي يفهمون الحرب الروسية الأوكرانية خطأ وظنوا أن روسيا هزمت، وأنا وجهة نظري كانت خطأً، وكتبت مقالاً أن الأشخاص الذين اعتمدوا على وسائل الإعلام الغربية فهموا الأمر خطأً، وأنا استناداً على وسائل الإعلام العربية استطعت أن أكوّن فكرة أفضل من تلك.. ووسائل الإعلام العربية أظهرت نضجاً واحترافية مناسبة.. في موضوع غزة يجب أن أشيد ببعض وسائل الإعلام العربية التي لم تنتج نهجاً شعبوياً أو إثارة، وأنا أستطيع أن أقول إن الإعلام العربي أظهر في الحرب الأوكرانية وحرب غزة قدراً من المهنية المعقولة والمعتبرة، ويقارع بها وسائل الإعلام الغربية المرموقة.. رقمياً ما زالنا كمواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي لا نعرف كيفية استخدامها.

محمد الحمادي: في صناعة الإعلام الرقمي دخلت الصين السباق وروسيا أيضاً لكن العرب غير موجودين لماذا؟

العرب موجودون في بعض الاختراقات التي حققت في مجال الإعلام الرقمي والألعاب الإلكترونية، الإمارات والسعودية حققتا اختراقاً عالمياً.. في مجال الإعلام الرقمي عدد المنصات العربية التي تنتهج نهجاً احترافياً حققت تطوراً كبيراً.. في مجال التنظيم دول عربية كثيرة، تونس ومصر والأردن والإمارات والسعودية قامت بإعادة تنظيم مجالها الإعلامي الرقمي بإصدار قوانين.. وأنا ليس لدي انتقاد كبير لهذا الأمر، ولكن نحن في حاجة لتوسيع هامش الحرية في مجال الإعلام الرقمي. 

محمد الحمادي: حرية الصحافة والإعلام والتعبير وأنت متابع لوضع الإعلام.. تشير التقارير الأخيرة إلى تراجع الحريات الصحفية في العالم.. لماذا؟

التقارير كلها تشير إلى تراجع في منطقة الشرق الأوسط.. ومنها مثلاً تقرير "مراسلون بلا حدود" الذي حلت فيه إسرائيل بالمرتبة 101، ولكنْ هناك دول عربية في مراتب متأخرة جداً، وللأسف عدد هذه الدول كبير، والحقيقة التي أؤمن بها أننا لا نملك مستوى حريات مقبولاً، لكن في الوقت نفسه ليست لدينا طريقة احترافية في تقديم أنفسنا أو تسويق أنفسنا للعالم في هذا المجال، ونرتكب أخطاء يمكن تجنبها.. عندما تقوم دولة بغلق مواقع اعتباطياً تكون هذه سياسات حجب غير مدروسة، ودولة أخرى تصدر عقوبات على صحفيين أو غلق وسائل إعلام.. نحتاج إلى طرق أخرى للتعامل مع المخالفات الإعلامية، ويجب إبعاد السلطات الإدارية.. لا بد من الاجتهاد في الإيمان بأن هامشاً أعلى من الحريات سيعزز صناعة الإعلام العربي، وأيضاً أن نقدم أنفسنا بصورة أفضل. 

محمد الحمادي: بالنسبة لتقارير حرية الصحافة، إلى أي مدى تعتقد أن تلك التقارير موضوعية وليست للاستخدام السياسي بعد الأوضاع الأخيرة، لا سيما أننا في الماضي كنا نأخذ تلك التقارير على اعتبارها مقدسة؟ 

هناك خطآن، الأول التعامل مع التقارير على أنها عبثية والقصد منها الاستخدام السياسي، والثاني أنها تعكس ما يحدث في الأرض، ولكن أؤمن أن تلك التقارير في بعض أنماط عملها تنهج نهجاً سياسياً للضغط على الدول، وفي بعضها يمكن أن تعكس ما يجري على الأرض.. الخبر الجيد أني أستطيع أن أحسن وضعي في تلك المؤشرات.. البعض يقول إن العراق رقم 170 في مؤشر، نسأل لماذا هو 170؟ لأنه تم إغلاق 15 موقعاً، وتم تهديد 3 صحفيين، وعدم صدور قانون حرية تداول المعلومات، وتم إصدار قرار بوجوب الترخيص للصحافة المطبوعة، هنا نسأل كيف يمكن أن نحسن من تلك المؤشرات؟ مثلاً جعل نقابة الصحفيين هي المسؤولة عن ترخيص المواقع وليس أمن الدولة.

محمد الحمادي: بناء على هذا الحديث نجد أن بعض المسؤولين قد اتخذوا قراراً بتجاهل تلك التقارير.. ما رسالتك لهؤلاء؟ 

رسالتي ببساطة أنكم قد تكونون على حق، أن جزءاً من التقارير غرضه سياسي وله استخدام مغرض، ولستم على حق في تجاهل هذه التقارير، لكنكم ببساطة تستطيعون تحسين تلك المؤشرات، وعدم وضع دولكم بين كل تلك القوائم، وتحظى دولكم بوجاهة إعلامية مؤثرة.

 

 

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية