الرهان على البرهان

الرهان على البرهان

بعد مرور أكثر من عام على اندلاع الحرب في السودان (في 15 أبريل 2023) بلغ عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة 25 مليون شخص، أي ما يساوي نصف السكان، حسب الأمم المتحدة بالإضافة إلى مئات الآلاف من اللاجئين داخل وخارج السودان، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية وتأثر مؤسسات الدولة وتراجع الخدمات وانعدامها في بعض المناطق وتوقف الحياة بشكل عام. 

الجهود الدولية والإقليمية لاحتواء الحرب ووضع نهاية لها لم تتوقف وآخرها كان الأسبوع الماضي من خلال اتصال رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، في 19 من يوليو الجاري، الذي أعطى أملا في أن يتحرك ملف الحرب نحو الحل الذي يحقن دماء الشعب السوداني الشقيق. 

وتكمن أهمية هذا الاتصال في أنه يأتي بعد أشهر من التصعيد السوداني السياسي والدبلوماسي ضد دولة الإمارات، ومحاولة زجها في الصراع الداخلي في السودان، وما صاحبها من حملة إعلامية واسعة استهدفت اتهام الإمارات بأنها تتسبب في تأجيج هذه الحرب وكأنها سببها!

ردّ الشيخ محمد بن زايد على هذا الاتصال في هذه الظروف بلا شك يؤكد أنه قائد من طراز رفيع يتسامى عن الصغائر، وأن لديه القراءة الواضحة للمشهد في السودان، كما أنه يدرك من وراء هذه الحملة ومن الذي يعمل على الإيحاء بأن الإمارات طرف في هذه الحرب، وبالتالي إبعادها بأي شكل من الأشكال عن أي دور إيجابي ممكن.

الشيخ محمد بن زايد، ولمرّة جديدة، يخيب ظن "الغاضبين" وغيرهم، ويفتح باب الحوار مع البرهان، وكأنه يقول له "نحن معكم في أي مبادرة تنهي الحرب"، فقد أكد سموه خلال الاتصال دعم دولة الإمارات جميع المبادرات الهادفة إلى إنهاء الأزمة في السودان الشقيق، بما يلبي تطلعات الشعب السوداني.

والإمارات كانت قد شددت وتشدد دائماً على أنه لا يوجد أي حل عسكري لهذا الصراع، وجددت دعوتها إلى الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق وبشكل آمن، والعودة إلى الحوار نحو تشكيل حكومة بقيادة مدنية.

عندما يرد الشيخ محمد بن زايد على اتصال البرهان، فذلك يؤكد أن لدى سموه رؤية لحل هذه الحرب، وأنه قادر على إيجاد الحلول لها، وخصوصاً أنها لعبت دوراً إيجابياً في إنجاح الفترة الانتقالية وفي "سلام جوبا"، فضلاً عن توافقها مع الإجماع الدولي لإيقاف الحرب الذي صدر عن طريق الأمم المتحدة.

الإمارات بقيادة الشيخ محمد بن زايد تتقدم إلى الأمام ولا تنظر خلفها، لذا فإن كل تلك الاتهامات والشتائم لم يلقِ لها بالاً لأن مصدرها واضح ومعروف، ومعركة "الغاضبين" والمحرضين كانت وستبقى خاسرة… ومن يدقق في الحالة السودانية يتبين له أن غضب "الغاضبين" ليس بسبب موقف الإمارات من الحرب، وإنما هم غاضبون من دعم الإمارات لإرادة الشعب السوداني، من خلال تأييدها ثورة الشعب السوداني الذي كان يحلم بمستقبل أفضل.. الشعب الذي أراد أن يتخلص من النظام السابق، ووقف معهم، ليس الإمارات فقط، بل العالم بأسره أيّد الشعب وهو يسعى إلى رسم المستقبل لسودان جديد يليق بهذا الشعب العريق.

وكذلك كان غضبهم لدعم الإمارات للفترة الانتقالية التي تلت الثورة، وبذلها كل الجهود كي يستقر السودان وينجح بالوصول إلى بر الأمان.. وكل سوداني شريف يعرف أن مصلحة الإمارات في استقرار السودان وانتهاء الحرب والعكس صحيح، فليس من مصلحة الغاضبين انتهاء هذه الحرب، بل استمرارها لأطول وقت ممكن هو ما يسعون إليه.

يبدو أنه بعد كل ذلك الوقت وفي وسط ذلك الضجيج يفترض أن الأمور أكثر وضوحاً بالنسبة لرئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، وأصبح أقدر على رؤية المشهد بشكل كامل وبالتالي اتخاذ القرارات الصحيحة، فبلا شك أنه يعرف "الغاضبين" جيداً أيضاً لكنه بحاجة إلى أن يحدد خياراته ويتخذ قراره، فأولئك من أغرقوا من قبله وسيُغرقون كل من يأتي من بعده، والحكيم من يتخذ القرار السليم في التوقيت الصحيح.

لذا فإن الرهان اليوم على البرهان، والبرهان بلا شك أنه يحتاج إلى أن يشعر بالأمان، وأن يثق بأنه سيجد الدعم والحماية، وسيجد من يقف معه إذا ما أنهى هذه الحرب.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية