من مواطنين إلى لاجئين.. خريطة اللجوء السوري تتسع مساحتها واحتياجاتها

من مواطنين إلى لاجئين.. خريطة اللجوء السوري تتسع مساحتها واحتياجاتها

أكاديمية تكشف عن أزمة حقوق الإنسان في حياة اللاجئين السوريين من الغذاء إلى التعليم

حقوقية تحذر من التمييز الاجتماعي ضد اللاجئين السوريين وتدعو إلى تحرك عاجل

خبير قانوني يسلط الضوء على التحديات القانونية في أزمة اللجوء السوري

 

مع دخول الأزمة السورية عامها الرابع عشر، باتت قضية اللجوء السوري من أبرز الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، حيث تُعبر معاناة ملايين السوريين عن إخفاق جماعي عالمي في التصدي لأزمة إنسانية ذات أبعاد مختلفة.

في هذا التقرير، تقدم “جسور بوست” تحليلاً دقيقاً لخريطة اللجوء السوري على الصعيد العالمي، لتسليط الضوء على الوضع الإنساني المتدهور والتحديات التي تواجهها الدول المضيفة.

توزيع اللاجئين السوريين عبر العالم

وفقاً للبيانات الأخيرة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) حتى منتصف عام 2024، هناك نحو 6.9 مليون لاجئ سوري مسجلين على مستوى العالم، ما يجعلها ثاني أكبر أزمة لجوء في التاريخ الحديث بعد أزمة اللاجئين الفلسطينيين.

وفي السياق الأوروبي، تُقدّر أعداد اللاجئين السوريين بنحو 1.4 مليون شخص، وفقًا لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) حتى منتصف عام 2024. تعكس هذه الأرقام التوزيع الجغرافي والتحديات التي تواجهها الدول الأوروبية في استيعاب هؤلاء اللاجئين.

 تُوزَّع أعداد هؤلاء اللاجئين بشكل رئيسي على الدول التالية:

تركيا

تُعد تركيا أكبر مستضيف للاجئين السوريين، حيث يقدر عدد اللاجئين بنحو 3.6 مليون لاجئ، وتواجه البلاد ضغوطاً هائلة على مستوى الاقتصاد والبنية التحتية، وتؤدي أزمة التضخم والتدهور الاقتصادي إلى زيادة تكاليف المعيشة، ما يؤثر سلباً على جودة حياة اللاجئين.

وتفرض الحكومة التركية إجراءات مشددة لتنظيم تدفق اللاجئين، ما يضيف من تعقيد الوضع.

لبنان

يشكل اللاجئون السوريون في لبنان نحو 25% من إجمالي السكان حيث يقدر عددهم بين مليون ومليوني لاجئ، ما يجعل لبنان من بين أكثر الدول تأثراً بالأزمة.

وتعاني البلاد من أزمة اقتصادية حادة، حيث يعيش نحو 90% من اللاجئين تحت خط الفقر، مع نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة والرعاية الصحية.

الأردن

يواجه الأردن ضغوطاً كبيرة على بنيته التحتية ونظامه الصحي بسبب الأعداد الكبيرة من اللاجئين الذين يقدر عددهم بنحو 1.3 مليون لاجئ، منهم نحو 660 ألف مسجل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. 

انخفاض التمويل الدولي أثّر بشكل ملحوظ على الدعم المقدم؛ ما أسفر عن تقليص الخدمات الصحية والتعليمية المقدمة للاجئين.

العراق

يعاني اللاجئون السوريون في العراق الذين يقدر عددهم بنحو 260 ألف لاجئ، معظمهم في إقليم كردستان من تحديات متعددة تشمل نقص الخدمات الأساسية وصعوبات في الحصول على فرص العمل، فالأوضاع الاقتصادية والسياسية في العراق تزيد من معاناتهم، ما يعيق تلبية احتياجاتهم الأساسية.

مصر

في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعاني منها مصر، يواجه اللاجئون السوريون وعددهم نحو 130 ألف لاجئ صعوبات في الحصول على فرص العمل والخدمات الأساسية. 

وتعاني البلاد من ضغوط اقتصادية تؤثر على قدرتها على توفير الدعم الكافي للاجئين.

خريطة اللجوء السوري في أوروبا

في ما يلي تفاصيل توزيع اللاجئين السوريين في أبرز الدول الأوروبية:

 ألمانيا

تواجه ألمانيا تحديات كبيرة في إدماج اللاجئين السوريين المقدر عددهم بنحو 800 ألف لاجئ سوري في سوق العمل والتعليم. 

ورغم توفر برامج دعم واسعة، لا تزال هناك قضايا تتعلق بالاندماج الاجتماعي والاقتصادي، بالإضافة إلى الضغوط على البنية التحتية والخدمات الاجتماعية.

السويد

على الرغم من نظام الرعاية الاجتماعية الشامل في السويد، تواجه البلاد صعوبات في إدماج نحو 100 ألف لاجئ سوري في سوق العمل وتعاني من ضغوط على البنية التحتية. 

تستمر القضايا المتعلقة بالاندماج والتوظيف في فرض تحديات بارزة على السياسات الحكومية.

هولندا

تواجه هولندا تحديات تتعلق بالإسكان والرعاية الصحية لنحو 70 ألف لاجئ سوري على الرغم من وجود برامج تعليمية وتدريبية، فإن عملية التكيف الاجتماعي والاقتصادي للاجئين تتطلب مزيدًا من الدعم.

فرنسا

تعاني فرنسا من ضغوط على نظام الرعاية الاجتماعية والخدمات الأساسية. 

تشمل التحديات إدماج اللاجئين السوريين المقدر عددهم بنحو 120 ألف لاجئ في سوق العمل وتوفير فرص تعليمية كافية.

إيطاليا

تواجه إيطاليا مشكلات تتعلق بالإسكان والخدمات الاجتماعية، إضافةً إلى ضغوطات أمنية مرتبطة باللاجئين القادمين عبر البحر والمقدر عددهم بنحو 80 ألف لاجئ سوري.

تحديات مشتركة

يواجه اللاجئون السوريون في الدول العربية وأوروبا مجموعة من التحديات الإنسانية والحقوقية، بما في ذلك:

الأمن الغذائي

في العراق يعيش 86% من اللاجئين السوريين تحت خط الفقر، ويعانون من انعدام الأمن الغذائي.

وفي لبنان نحو 90% من اللاجئين يعانون من نقص حاد في الغذاء، ما يبرز الضغوط الشديدة على الموارد الغذائية والإغاثية.

الوصول إلى التعليم

في تركيا يواجه نحو 450 ألف طفل وشاب لاجئ خطر عدم الحصول على التعليم بسبب نقص الموارد والضغوط الاقتصادية.

وفي الأردن ولبنان، تعاني المدارس في هذين البلدين من ضغوط إضافية، ما يهدد فرص التعليم للأطفال اللاجئين.

الرعاية الصحية

في لبنان، تعاني المؤسسات الصحية من نقص حاد في التمويل، ما يؤثر على جودة الرعاية الصحية المقدمة للاجئين.

وفي تركيا، تواجه الرعاية الصحية ضغوطًا شديدة نتيجة الزيادة السكانية، مما ينعكس سلبًا على مستوى الخدمات.

الإسكان

في لبنان والأردن، تعاني المخيمات في هذين البلدين من ظروف معيشية قاسية، حيث يعيش العديد من اللاجئين في ظروف غير صحية ويفتقرون إلى المرافق الأساسية مثل المياه النظيفة والصرف الصحي.

التمييز والمشكلات الاجتماعية

في لبنان، تتزايد مشاعر العداء تجاه اللاجئين، ما يؤدي إلى تمييز اجتماعي واقتصادي، ويزيد من معاناة اللاجئين ويعرقل إدماجهم في المجتمع.

الضغوط الاقتصادية والسياسية

الدول المضيفة تعاني من أزمات اقتصادية خانقة تؤثر على قدرتها على تقديم الدعم اللازم للاجئين، ما يؤدي إلى تقليص المساعدات وتدهور نوعية الحياة.

أزمة إنسانية

منذ انطلاق النزاع السوري في مارس 2011، تحوّل إلى واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيدًا في القرن الحادي والعشرين.

بدأ الصراع كمظاهرات سلمية في مدينة درعا جنوب سوريا، حيث طالب المتظاهرون بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقوبل هذا الحراك بالقمع العنيف من قبل قوات الأمن، ما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات وتحولها إلى صراع مسلح شامل.

مع مرور الوقت، تجذر الصراع وتعقد، حيث تشكلت مجموعات مسلحة متنوعة، وظهرت تدخلات دولية من قوى مختلفة، بما في ذلك روسيا وإيران من جهة، والولايات المتحدة وتركيا من جهة أخرى. 

وبحلول عام 2013، شهد الصراع ظهور تنظيمات متطرفة مثل داعش، التي سيطرت على أراضٍ واسعة، وزادت من تعقيد الوضع، وأظهرت الهجمات بالأسلحة الكيماوية، مثل الهجوم على الغوطة الشرقية في أغسطس 2013، مدى تفشي العنف والقمع، ما دفع المجتمع الدولي للتدخل، لكن دون جدوى.

الأثر الإنساني للنزاع كان كارثيًا، وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن عدد النازحين السوريين، سواء في الداخل أو الخارج، بلغ نحو 6.9 مليون شخص حتى منتصف عام 2024.

الاقتصاد السوري تعرض لدمار شامل، مع تضرر البنية التحتية بشكل كبير، بما في ذلك المرافق الصحية والتعليمية. 

تشير تقارير البنك الدولي إلى أن الاقتصاد السوري تقلص بنسبة تتجاوز 60% منذ بداية النزاع، ما أدى إلى تفشي الفقر والبطالة، أما التعليم والصحة فتعرضا لأضرار جسيمة، حيث يُقدَّر أن أكثر من 2.5 مليون طفل سوري محرومون من التعليم، وتعرضت المنشآت الطبية للإغلاق أو نقص كبير في الخدمات.

الهجرة القسرية كانت من أعظم المآسي الناتجة عن النزاع، حيث يُقدَّر أن نحو 6.9 مليون سوري يعيشون كلاجئين حول العالم، ما يجعلها ثاني أكبر أزمة لجوء بعد أزمة اللاجئين الفلسطينيين. 

توزع هؤلاء اللاجئون على دول الجوار مثل تركيا ولبنان والأردن، وكذلك على دول أوروبية مثل ألمانيا والسويد.، ويواجه اللاجئون السوريون تحديات كبيرة، بما في ذلك صعوبات في الحصول على التعليم والرعاية الصحية، إضافة إلى التمييز الاجتماعي والاقتصادي في البلدان المضيفة.

وتواجه معظم الدول المضيفة ضغوطًا اقتصادية واجتماعية بسبب الأعداد الكبيرة من اللاجئين، ما يزيد من معاناة هؤلاء الأشخاص.

أزمة اللجوء وانتهاكات حقوق الإنسان

علقت الأكاديمية والحقوقية السورية ترتيل درويش، قائلة، إن النزاع المسلح في سوريا ينتهك الحقوق الأساسية للأفراد، لا سيما الحق في الأمان والحماية، ومنذ بداية النزاع، تعرض ملايين السوريين للتهجير القسري، ما جعلهم عرضة لمخاطر متزايدة مثل العنف والاستغلال.

وعن حقوق اللاجئين الاقتصادية والاجتماعية أوضحت لـ"جسور بوست"، أنها تُعاني من انتهاكات ملحوظة، على سبيل المثال، في البلدان المضيفة مثل لبنان والأردن وتركيا، يواجه اللاجئون نقصًا حادًا في الأمن الغذائي، وهو ما يهدد حقهم في الحصول على الغذاء الكافي، وفي لبنان، يعيش نحو 90% من اللاجئين السوريين تحت خط الفقر، مما يبرز تدهور مستوى معيشتهم ويخالف المبادئ الحقوقية التي تضمن حق الأفراد في مستوى معيشي لائق.

وأردفت: التعليم هو حق إنساني أساسي ويعتبر ضروريًا لتحقيق التنمية الشخصية والمجتمعية، ومع ذلك يواجه العديد من الأطفال والشباب السوريين صعوبات كبيرة في الحصول على التعليم في الدول المضيفة، نظرًا للضغوط الاقتصادية التي تعاني منها هذه الدول في تركيا، على سبيل المثال، هناك نحو 450 ألف طفل وشاب لاجئ معرضون لخطر عدم الحصول على التعليم، وهذا التحدي يعزز من التهميش ويقلل فرصهم المستقبلية، ما يتناقض مع المبادئ الحقوقية التي تدعو إلى ضمان حق التعليم لجميع الأطفال.

وقالت خبيرة حقوق الإنسان، إن خدمات الرعاية الصحية في الدول المضيفة تُواجه صعوبات كبيرة، كما تعاني المؤسسات الصحية من نقص حاد في التمويل والموارد، ما يؤثر بشكل مباشر على جودة الرعاية الصحية المقدمة، ففي لبنان وتركيا، على سبيل المثال، يعاني اللاجئون من صعوبات في الوصول إلى الرعاية الصحية المناسبة، وهو ما يتعارض مع المبادئ الحقوقية التي تنص على توفير الرعاية الصحية كحق أساسي لكل فرد.

وأتمت: يواجه اللاجئون السوريون تمييزًا اجتماعيًا يتجلى في زيادة مشاعر العداء والتمييز ضدهم في بعض الدول المضيفة، وهذا التمييز الاجتماعي يعيق إدماجهم في المجتمع ويزيد من معاناتهم، ما يشكل انتهاكًا للحقوق الإنسانية التي تضمن المساواة وعدم التمييز، كذلك تتطلب هذه الانتهاكات استجابة دولية عاجلة تتمثل في تعزيز حماية حقوق اللاجئين وتقديم الدعم اللازم لهم، ويجب على المجتمع الدولي تعزيز التزامه بتوفير المساعدات الإنسانية وتحسين التنسيق بين الدول المضيفة والمنظمات الإنسانية لضمان احترام حقوق الإنسان الأساسية لكل لاجئ. 

المسؤولية القانونية الدولية في أزمة اللجوء السوري

وبدوره، قال الخبير القانوني مصطفى سعداوي، إن أزمة اللجوء السوري تُعد أحد أبرز التحديات القانونية التي يواجهها المجتمع الدولي اليوم، حيث تبرز إشكاليات ملحة تتعلق بتطبيق القوانين الدولية الخاصة بحماية اللاجئين، فمنذ اندلاع الأزمة تم تهجير ملايين السوريين، ما يفرض على الدول المضيفة والمجتمع الدولي التزامًا قانونيًا صارمًا وفقًا للقوانين الدولية ذات الصلة.

وتابع سعداوي، في تصريحاته لـ"جسور بوست": تتجلى هذه المسؤولية بشكل واضح من خلال اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين وبروتوكولها لعام 1967، التي تشكل الأساس القانوني لحماية اللاجئين، حيث تنص الاتفاقية على أن اللاجئين لا يمكن طردهم إلى بلدان يتعرضون فيها للاضطهاد، وتلزم الدول المضيفة بمنحهم الحماية وضمان عدم إعادتهم قسريًا إلى مناطق النزاع، ومع ذلك فقد واجهت الدول المضيفة، مثل تركيا ولبنان والأردن، تحديات هائلة في الامتثال لهذه الالتزامات بسبب الأعداد الكبيرة من اللاجئين والضغوط الاقتصادية والاجتماعية.

وأضاف: تُعَدُّ المبادئ الدولية لحقوق الإنسان، التي تشمل العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، جزءًا أساسيًا من الإطار القانوني الذي يحكم حماية حقوق اللاجئين، في ضوء أزمة اللجوء السوري، وتعاني الدول المضيفة من صعوبات كبيرة في توفير الخدمات الأساسية مثل الغذاء والرعاية الصحية والتعليم، ما يتعارض مع التزاماتها بموجب هذه العهود، فعلى سبيل المثال يُعاني اللاجئون في لبنان من نقص حاد في الغذاء، وتواجه الرعاية الصحية ضغوطًا شديدة في تركيا، ما يؤثر على جودة الخدمات المقدمة.

وأكد سعداوي أن مشكلة "التمييز الاجتماعي"، تبرز ضد اللاجئين في بعض الدول المضيفة، ما يزيد من معاناتهم ويعرقل إدماجهم في المجتمع، ويتعارض هذا التمييز مع المبادئ القانونية التي تضمن المساواة وعدم التمييز، كما ينص عليها "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" و"الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري".

ومن الناحية القانونية بين الخبير القانوني، أن التعامل مع أزمة اللجوء السوري يتطلب استجابة دولية منسقة وشاملة، تشمل تعزيز حماية حقوق اللاجئين وضمان توفير المساعدات الإنسانية بشكل مستمر وفعال، ويتعين على الدول المضيفة والمجتمع الدولي الالتزام بالمعايير القانونية الدولية وتوفير الموارد اللازمة لتلبية احتياجات اللاجئين الأساسية، فالالتزام بالقوانين الدولية ليس فقط واجبًا قانونيًا، بل هو أيضًا واجب أخلاقي يتطلب من المجتمع الدولي تعزيز الجهود الرامية لتحسين أوضاع اللاجئين السوريين والعمل نحو إيجاد حل دائم للأزمة.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية