الأزمة الاقتصادية وتداعيات الحرب فاقمت الوضع

مع قدوم رمضان.. احتياجات إنسانية ومعيشية ملحّة لنازحي جنوب لبنان

مع قدوم رمضان.. احتياجات إنسانية ومعيشية ملحّة لنازحي جنوب لبنان

لبنان - بلال نور الدين

منذ الانهيار الاقتصادي عام 2019، لم تعد أيام اللبنانيين تشبه سابقاتها نتيجة تدهور قيمة العملة المحلية وتراجع القدرة الشرائية لأغلب المواطنين.

هذه السنة، يعود شهر رمضان حاملا معه المزيد من المآسي المعيشية في ظل استمرار التدهور الاقتصادي وارتفاع حدة الاشتباكات على الحدود الجنوبية مع فلسطين التي بدأت منذ 8 أكتوبر 2023.

وفي هذا الإطار تحدثت "جسور بوست" إلى بعض المواطنين حول أحوالهم مع قدوم شهر رمضان الفضيل لتلمس واقعهم المعيشي.

محمد، مواطن جنوبي، نزح مع بداية المعارك إلى بيروت، يروي مأساة عائلته فيقول "لدي 3 أبناء، وكنت أعمل في شركة في الجنوب كحارس، ولكن مع اندلاع الحرب في أكتوبر 2023 أغلقت الشركة أبوابها مؤقتا، وأنا اليوم بدون راتب، الشركة قالت إنها ستعيدنا للعمل بعد توقف الحرب.. ولا أحد يعرف متى تقف المعارك؟! وكيف لي أن أعيل عائلتي حتى ذلك الوقت؟".

ويضيف محمد في حديث مع "جسور بوست" قائلا “رمضان على الأبواب وأنا أقيم مع أسرة أخي وأشعر أننا كعائلة نشكل عبئا على أسرته، البعض يتصل بنا ويعرض صناديق غذائية أو مساعدات مادية خجولة، ولو أنني غير مضطر لقبولها، إلا أن ضيق الحال يفرض علي ذلك، ولكن تبقى هذه المساعدة غير مجدية للأسف”.

وفي نفس السياق، يقول عمار، وهو شاب يعيش في الجنوب رغم الحرب “رمضان هذه السنة سيكون الأسوأ بالتأكيد، بعض الأسعار ازدادت أضعافا بسبب الظروف والرواتب شبه معدودة، كما أن الكثير من الناس بلا عمل، هناك جمعيات توزع مساعدات غذائية، ولكن هذه المساعدات لا تكفي كل حاجات رمضان خصوصا وأن مائدة رمضان مكلفة جدا".

ويتابع عمار في حديثه مع "جسور بوست" شارحا حال من بقوا في الجنوب أثناء الحرب فيقول “الناس بقيت فقط لأنها لا تجد مكان تلجأ إليه في المناطق الآمنة. والخوف في بيتك أشرف لك من الراحة في بيت الغريب، نسأل الله أن تحصل هدنة في رمضان لكي نعيش الشهر بالحد الأدنى من الاستقرار”.

صاحبة إحدى المحال التجارية في بيروت تشير في حديث مع "جسور بوست" إلى أن "الإقبال على شراء المواد الغذائية الخاصة برمضان منخفض هذه السنة" وترجع السبب إلى “ارتفاع أسعار بعض المواد في ظل التضخم الحاصل خاصة لناحية أسعار الخضار وبعض المنتجات كالزيت والأرز، فمثلا لا يقل الكيلو من سعر الخس أو البصل أو البندورة عن الدولار أو الدولارين، وبالتالي، فإن طبقا من السلطة ليوم واحد سيكلف مبلغا لا يقل عن 5 دولارات، أي نصف راتب رب أسرة، وهذا طبعا بدون حساب تكلفة الطبق الرئيسي”.

صفاء، إحدى زبونات المحل تقول في حديث مع "جسور بوست"، “في رمضان العام الحالي سنشتري بقدر حاجتنا أو حتى أقل، وكربة منزل سأضطر لطبخ وجبة رئيسية يمكن أكلها لمدة يومين أو ثلاثة، وإلا فلن نستطيع العيش بشكل لائق، والحلويات التي هي من أسس الليالي الرمضانية، أصبحت من الأحلام”.

نزوح وضعف قدرات  

رئيس بلدية برج رحال الجنوبية حسن حمود كشف في حديث مع "جسور بوست" أن “في برج رحال هناك 600 نازح يعيشون في بيوت مقدمة مجانا من قبل أهل القرية، والبلدية والناس يحاولون توفير الكهرباء والماء الخدمات قدر الإمكان لهم”. 

وتابع “بالنسبة للحصص الغذائية فالدولة عاجزة والتقديمات غالبيتها تأتينا من المنظمات الدولية والمحلية، حيث مثلا يقدم الفطور الصباحي ووجبتي غداء وعشاء للنازحين في المدارس في 5 مراكز، ونحن نقوم وسنقوم بتوزيع حصص غذائية للناس، ولكن كميات الحصص قليلة”.

حسن حمود

وردا على سؤال بخصوص التقديمات للنازحين في شهر رمضان فيقول حمود “خلال شهر رمضان نراهن على مساعدة الناس لبعضها، وفي كل قرية نجد أن هناك خيّرين يقدمون وجبات للمحتاجين وفي برج رحال سيحدث هذا الأمر في رمضان 2024. وسوف نسعى، كبلدية، لوضع برنامج لدعم الناس خلال الشهر الفضيل".

ويوجد في قضاء صور، في جنوب لبنان، حوالي 25600 نازح بينهم 800 شخص يعيشون في 5 مراكز إيواء، بينما يتوزع الباقون على قرى القضاء، حيث يقيمون في بيوت ضيافة.

وكان وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب قد أشار خلال شهر فبراير الماضي إلى أن هناك ما يقرب من مئة ألف نازح من الجنوب نتيجة الهجمات التي تشنها إسرائيل، ولم تقتصر آثار العمليات العسكرية على النزوح، بل شملت تدمير المنازل والبنى التحتية والمحاصيل الزراعية. 

العجز المادي

مفتي حاصبيا ومرجعيون القاضي الشيخ حسن إسماعيل دلي تحدث مع "جسور بوست" شارحا الوضع هذه السنة فقال “بخصوص المقارنة ما بين رمضان الماضي وهذا العام فالوضع على حاله من جهة الصعوبة في تأمين الصائم مواد سحوره وإفطاره، وأن الحرب الدائرة في الجنوب وتهجير غالبية أهله من قرى العرقوب وحاصبيا ومرجعيون أمور جعلت من الوضع في رمضان هذه السنة سيئا على الصائمين وذلك لضيق ذات اليد، كما لم يعد رب العائلة قادرا على مد عائلته وأولاده بما يحتاجون إليه من مقومات صيامهم، فما بالنا بالفقير والمسكين والأرملة وكثير غيرهم”.

ويضيف "دلي" “إننا أعددنا خطة لتقديم إفطارات عبر التواصل مع المحسنين والخيرين من أبناء المنطقة، ونحن على استعداد لتنفيذ وقبول مساعدات وإفطارات صائم، وصندوق الزكاة في حاصبيا ومرجعيون يتعاقد مع مختصين في إعداد وجبات الطعام بحيث يصل الإفطار إلى منازل العائلات المتعففة بمواصفات جيدة جدا، ونحن هذا العام نأمل أن نغطي العدد الأكبر من تقديم وجبات الإفطار”.

القاضي الشيخ حسن إسماعيل دلي

وبحسب القاضي دلي، فإن عدد العائلات المحتاجة والمسجلين لدى صندوق الزكاة هو حوالي "1600 عائلة". 

ويوضح "دلي" أنه “بخصوص السلة الغذائية فنحن بحاجة لمثل هذا العدد (1600)”. ويضيف “لدينا 3 فئات من المحتاجين، وهم الفئة الأولى: وهذه مقدمة على غيرها وهي من لا يوجد لها معيل، وأما الفئة الثانية فلها معيل ولكن لا يستطيع تقديم ما يلزم لأهله فيقوم صندوق الزكاة بالتغطية في حال توفر مزيد من الإعانات، وأما الفئة الثالثة، فتشمل من لديه مدخول ولكن لا يكفيه لتغطية نفقات المأكل والملبس والمسكن، وبالتالي، فإن كان للصندوق وفر بالمعونات فيكون لهذه الفئة نصيب منها”.

ويتابع “صندوق الزكاة في حاصبيا ومرجعيون بصدد التوزيع للمسجلين الأساسيين في الصندوق، ممن لديهم ملفات مدروسة، والبالغ عددهم 450 عائلة مبالغ مالية لإعانتهم على شراء ما يحتاجون إليه، ولكن المبلغ الذي سيتم توزيعه ليس على قدر التطلعات”.

مبادرات شبابية للإغاثة 

من ناحيته، يقول الناشط علي زعيتر، وهو صاحب مبادرة لمساعدة المحتاجين خلال رمضان "مبادرتنا قائمة منذ حوالي 4 سنوات، حيث كنا نقيم سفرة رمضانية لحوالي 50 عائلة، بخلاف ما نوزعه على البيوت من وجبات يومية. 

لدينا ما يقارب 350 عائلة ستستفيد، وحتى بداية شهر رمضان قد نسجل عددا أكبر، علما أن هناك أسراً لديها عزة نفس وتفضل عدم مد اليد، ولكننا الآن نمر على مناطق بيروت لنسأل عن العائلات المحتاجة".

ويضيف “مطبخ المبادرة يقوم على النساء والرجال بحيث يجمعون المواد ويقومون بطبخها، وهناك شباب موكلون بتوزيع الطعام على العائلات المسجلة، ونحن الآن نتواصل مع أصحاب المحلات، وهم مشكورون، يقدمون لنا البضائع بأسعار رمزية من أجل دعم المبادرة في ظل هذه الظروف”.

ويتابع في حديثه مع "جسور بوست"، قائلا، “هذه السنة لدينا وضع استثنائي بسبب ما يحدث لأهلنا في الجنوب، كون أن الناس تركت بيوتها وأعمالها وباتت بدون مصدر رزق واضطروا للنزوح إلى بيروت، خاصة أن الدولة لا تغطي كل احتياجات الناس. من هنا قررنا إضافة أعداد المستفيدين لتشمل النازحين”.

صعوبة في تلبية كل المحتاجين 

من جهتها قالت المديرة التنفيذية في بنك الطعام اللبناني سهى زعيتر إن “أعداد المحتاجين أصبحت كبيرة جدا، ونحن ككل سنة نتعاون مع مطابخ في عدد من المناطق اللبنانية لكي تقوم بطبخ الإفطارات وتوزيعها”.

وتضيف “السنة الماضية وصل عدد المستفيدين إلى 37 ألفا في شهر رمضان. حيث كان المستفيد يحصل على وجبة إفطار. أما هذه السنة فسوف نغطي 29 ألف شخص فقط، أي أقل من السنة الماضية".

سهى زعيتر

وكشفت زعيتر في حديثها مع "جسور بوست"، أنه “بخصوص الحصص الغذائية، فنحن نعمل على مشروعين هما: المونة والحصة الغذائية العادية، بالنسبة للمونة قمنا بتوزيع 1100 حصة خلال رمضان 2023، أما هذه السنة فانخفض العدد إلى 500 حصة، وبخصوص الحصص الغذائية العادية فالسنة الماضية وزعنا 5000 حصة، بينما هذه السنة سنوزع 4500 فقط، علما أن جزءا من هذه المساعدات سيذهب إلى منطقة جنوب لبنان بطلب من المتبرعين”.

وتشير زعيتر إلى أنه “بعد اندلاع المعارك ومع بدء تدهور الوضع في جنوب لبنان قمنا بحملة تحت عنوان قلبنا ينبض جنوبا، حيث قمنا بتوزيع ألف حصة غذائية للموجودين في بيوتهم في ظل الحرب ولم ينزحوا من منازلهم إلى أماكن أخرى، ونحن ما زلنا مستمرين بهذه الحملة وهناك متبرعون من لبنان للخارج يساعدون لتوصيل الشيء البسيط للعائلات”.

وعن أهمية دور الناس في دعم مبادرة البنك فتقول زعيتر “نراهن على كرم الناس في رمضان، من ناحية البذل والعطاء وتذكر الآخر والمساعدة بأي طريقة ممكنة، سواء كان عبر حصص غذائية أو تبرعات نقدية نحولها لوجبات غذاء، كما نراهن على دور الشركات والجامعات والمدارس في عملية جمع مواد غذائية، نقوم نحن لاحقا بتخزينها ومن ثم توزيعها على المحتاجين”.

مؤشرات اقتصادية

وبحسب تقارير دولية فإن معدل التضخم السنوي في البلاد انخفض إلى 177.3% مع بداية سنة 2024، بعدما كان 192.3% في 2023. يأتي هذا في وقت يضغط فيه صندوق النقد الدولي على الدولة لإجراء إصلاحات جذرية من أجل تعافي الاقتصاد.

وحتى الآن نجح مصرف لبنان المركزي بضبط سعر صرف الدولار مقابلة الليرة عند 90 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد، مما خلق حالة من الثبات الجزئي في أسعار المنتجات في السوق.

وكانت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية قد أقرت رفع رواتب موظفي القطاع العام إلى ما بين 400 و1200 دولار في مسعى منها لتحسين ظروفهم المعيشية، في حين أشارت تقارير إلى إمكانية رفع رواتب موظفي القطاع الخاص إلى 550 دولارا.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية