الهجرة عبر ليبيا.. رحلة للموت مدفوعة بالأمل في حياة مستقرة وآمنة

الهجرة عبر ليبيا.. رحلة للموت مدفوعة بالأمل في حياة مستقرة وآمنة

مهاجرون: نعيش ظروفاً قاسية ونواجه تحديات يومية تتعلق بالأمن والحقوق الأساسية

مطالب بتقديم الدعم الإنساني وتعزيز الاستجابة الدولية لاحتياجات المهاجرين في ليبيا

عضو منظمة حقوقية: نعمل على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان ونقوم بالمتابعة وتقديم التوعية اللازمة

باحث في ملف الهجرة: هناك العديد من الانتهاكات والوضع الاقتصادي للبلاد يزيد من معاناة النازحين والمهاجرين

 

إيمان بن عامر

تعتبر ليبيا دولة عبور رئيسية للهجرة غير النظامية من إفريقيا إلى أوروبا بسبب موقعها الجغرافي القريب من السواحل الأوروبية، بعد انهيار نظام القذافي في عام 2011، غرقت ليبيا في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والأمني. هذا الوضع خلق بيئة خصبة للمهربين والعصابات لاستغلال المهاجرين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط للوصول إلى أوروبا.

ويأتي المهاجرون الذين يعبرون ليبيا من دول جنوب الصحراء الكبرى وأحيانًا من دول عربية وآسيوية. يتم تهريبهم عبر الحدود الصحراوية ويتم تجميعهم في نقاط تجمع داخل ليبيا قبل نقلهم إلى السواحل، خلال هذه الرحلة، يواجه المهاجرون مخاطر جمة تشمل الاعتقال والاحتجاز من قبل السلطات الليبية أو الوقوع في أيدي عصابات التهريب التي غالبًا ما تستغلهم ماديًا وجسديًا.

تقول تيميتوبي، من نيجيريا، إنها هاجرت من نيجيريا إلى ليبيا لتحسين ظروفها الاقتصادية. وإنها عملت في مجال النظافة “عاملة نظافة” لمساعدة أسرتها في نيجيريا، منوهة أنها واجهت صعوبات جمة، بما في ذلك الاحتجاز من قبل السلطات الليبية. 

وأوضحت في تصريحات لـ"جسور بوست"، أنها تعيش في ليبيا منذ 8 سنوات وهي الآن متزوجة ولديها ابن، وتعيش حالة من الاستقرار النسبي لكنها لا تزال تواجه تحديات يومية تتعلق بالأمن والحقوق الأساسية. 

تروي تيميتوبي كيف أنها اضطرت للعمل في ظروف قاسية، وكيف أن الحياة في ليبيا مليئة بالمخاطر والتهديدات، لكنها تعيش الآن بفضل إصرارها ورغبتها في تحسين حياة أسرتها.

وفي السياق هاجر زكريا، من النيجر، إلى ليبيا بحثًا عن فرص عمل لتحسين وضعه المعيشي، حيث يعمل الآن في مخزن لشركة تصنيع مفروشات.

على الرغم من الصعوبات التي واجهها في البداية، بما في ذلك العمل الشاق والظروف المعيشية القاسية، إلا أنه يعتبر نفسه محظوظًا نسبيًا مقارنة ببعض المهاجرين الآخرين الذين واجهوا انتهاكات أكبر. 

وفي حديثه لـ"جسور بوست"، عبر زكريا عن مشاعره بالحنين إلى وطنه وأسرته، لكنه يعلم أنه لا يمكنه العودة الآن بسبب الوضع الاقتصادي السيئ في بلده.

ومن المهاجرين العرب، يقول المصري بدر سلامة، ابن محافظة المنيا، إنه هاجر من مصر إلى ليبيا لتحسين أحواله الاقتصادية الصعبة في بلده، لافتا أنه يعمل في ليبيا كعامل بناء بالأجر اليومي. 

بدر نوه في حديثه لـ"جسور بوست"، إلى مخاطر الرحلة عبر الصحراء، بما في ذلك نقص الماء والغذاء والتعرض للعصابات.

وعلى الرغم من أنه يعمل بجد ويحاول توفير المال لعائلته في مصر، إلا أنه يشعر بالقلق الدائم بشأن مستقبله وأمانه في ليبيا. بدر يعبر عن قلقه من تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا، ويأمل في العودة إلى مصر يومًا ما إذا تحسنت الظروف الاقتصادية.

الجهود الدولية والمحلية

تعمل منظمات دولية مثل الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة (IOM) على تقديم الدعم الإنساني للمهاجرين في ليبيا، بما في ذلك المساعدات الغذائية والطبية والمساعدات في عمليات الإجلاء الطوعي، كما تقوم هذه المنظمات برصد وتوثيق الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون والدعوة إلى تحسين أوضاعهم.

منظمة (بلادي) لحقوق الإنسان هي إحدى المنظمات المحلية التي عملت على هذا الملف، حيث تحدث عضو مجلس إدارة المنظمة الحسين الرفاعي لـ"جسور بوست"، قائلا: تعمل المنظمة على رقعة جغرافية كبيرة من أقصى الشرق الليبي إلى أقصى الغرب، وأيضا في الجنوب، وملف الهجرة غير النظامية هو الملف الأساسي الذي تعمل عليه، إلى جانب ملفات أخرى إنسانية، ومنذ اعتماد المنظمة أول الأشياء التي عملت عليها توثيق وتصوير انتهاكات حقوق الإنسان، كذلك العديد من الأنشطة الأخرى منها على سبيل المثال ما تم خلال الفترة بين عامي 2018 و 2019، من توفير المواد الغذائية للمهاجرين عبر المنظمات المانحة ومقدمي المساعدات من أهل الخير، بالإضافة لتجهيز الاحتياجات الأساسية للمحتجزين بمراكز الاحتجاز، وتوزيع هذه الاحتياجات على المهاجرين المحتجزين وطالبي اللجوء.

ويواصل "الرفاعي" هناك شق آخر في سياق عمل المنظمة عبر التواصل مع المؤسسات الدولية مثل أطباء بلا حدود و الصليب الأحمر، إضافة إلى إرسال الرسائل إلى المنظمة الدولية للهجرة حول الأوضاع الإنسانية الخاصة ببعض الأشخاص، من الناحية الصحية واحتياجاتهم وأحيانا توفير العلاج، أو إرسال البعض منهم ممن يحتاجون العناية الطبية داخل المستشفيات الحكومية أو من قبل متبرعين.

وبين أنه خلال فترة انتشار وباء كورونا عملت المنظمة على إعطاء المعلومات الصحيحة والتوعية سواء للمنظمات التي تعمل على الهجرة أو للمحتجزين أو غيرهم من المهتمين بحقوق الإنسان، في العديد من المدن.

ونوه "الرفاعي"، إلى اهتمام المنظمة بالقاصرات وخاصة الأتي تعرضن للانتهاكات في بعض السجون، حيث تم توفير طبيبة نفسية بمدينة مصراته واعطاء دورة مصارحة لمدة أربعة أيام للناجيات من السجون، وفي سياق المراقبة والمتابعة تعمل المنظمة على التوثيق والتقييم لحالة مراكز الاحتجاز من حيث المساحة ومدى ملائمتها إلى جانب التهيئة الصحية للمكان، كما كان تركيزنا على الأطفال الغير مصحوبين بآبائهم ومطالبتنا للحكومة والمركز المسئول عن المهاجرين من خلال مراسلات بضرورة فصل هؤلاء الأطفال عن البالغين، أيضا عملنا على تعريف المهاجرين بحقوقهم والتزاماتهم، كما قمنا بتقديم دعم خاص لبعض الأشخاص ليتمكنوا من فتح أبواب رزق من خلال مشاريع صغيرة.

وفي ذات السياق، يقول الباحث في شؤون المهاجرين "طارق لملوم" بالنسبة لأوضاع المهاجرين في ليبيا تظل الإشكالية الأهم هي عدم الفرز واعتراف السلطات الليبية بمن هو موجود على أراضيها، وهي سياسة قديمة من قبل عام 2011 واستمرت حتى الآن،  فقد كانت السلطات قبل هذا التاريخ أكثر واقعية في بعض الأحيان، واعترفت بوجود طالبي اللجوء في ليبيا، من خلال المفوضية الخاصة بطرابلس، والتي تقوم بالتسجيل وتقديم بعض المساعدات.

وأوضح "لملوم"، لـ"جسور بوست"، "أن ليبيا عليها التزامات بتسوية أوضاع طالبي اللجوء بنص العديد من الاتفاقيات، كذلك بنص الإعلان الدستوري في المادة (10) التي تؤكد أن ليبيا عليها أن تقبل طلبات اللجوء السياسي، و لكن يتطلب منها أن توائم قوانينها المحلية والقيام بفرز الأشخاص وتصنيفهم بين من هو المهاجر ومن هو اللاجئ".

وتابع: أما بخصوص أوضاع النساء والأطفال من نازحي السودان، فإن دخولهم للأراضي الليبية كان مفاجئ وعشوائي ولم يكن هناك أي ترتيبات للدولة بل كانت هناك صعوبات كثيرة، وأول مشكلة كانت تواجههم عدم وجود مكتب للمفوضية السامية لشئون اللاجئين بمنطقة الكفرة على الرغم من وجود الموظفين.

وأشار "لملوم"، إلى أنه حاليا توقفت عملية الترحيل ولكن مازال لديهم هاجس الخوف من ترحيلهم ويتهربون من عملية الكشف الطبي خوفا من أن يكتشف أنه مصاب بمرض ما حتى وإن كان غير معدي تحسبا للترحيل وهو ما يسبب لهم العديد من المشكلات خلال تنقلاتهم بين المناطق الليبية لعدم وجود شهادات صحية معهم.

خيبات أمل

ويضيف الباحث في ملف الهجرة، النازحون السودانيون يصدمون بخيبات أمل عند وصولهم لمفوضية اللاجئين في طرابلس، فهم يجدون أبوابها مقفلة، وعليهم بالاتصال بالأرقام الموجودة لأخذ موعد للتسجيل، فقط هذا ما يتم تقديمه وقد تم استهداف عدد بسيط جدا منهم استنادا لتصريح المفوضية، مبينة أنها قدمت لحوالي ألف نازح  مساعدات ونحن نتحدث عن عدد (20) ألف تم تسجيلهم، ومن ناحية أخرى يعانون من ارتفاع في أسعار إيجارات السكن، وعدم وجود مكان أمن خصوصا للنساء والأطفال وهم يمثلون أغلبية النازحين، وهذا ما تحدثت عنه بعثة الاتحاد الأوروبي، فأغلب السودانيات النازحات لجأن للعمل في المنازل وفي الأغلب يتعرضن للتحرش والاعتداءات والابتزاز، مستدلا بحالة تم رصدها (أم و أبنتها) قمن بالعمل في منزل بمنطقة الهضبة في طرابلس، وتم الاعتداء عليهما بالضرب بعد محاولة الاعتداء الجنسي من قبل صاحب البيت وصديق له، ومن ثم طردن في الشارع ولم يحصلن على أجرهن، وبمساعدة أحد أعضاء الشرطة تم نقلهن للمستشفى لتلقي العلاج، منوها في السياق إلى اعترافات بعض النساء السودانيات أنهن يذهبن أمام المساجد يوم الجمعة يتسولن نظرا لعد توفر ما يطعمن به أطفالهم، أيضا الخوف من استغلالهن في حال ذهبن لطلب العمل.

وبين "لملوم"، أنه لا توجد مساعدات كافية والمفوضية لا تجيب عليهم في أغلب الأحوال، إضافة إلى وجود نقص كبير في المساعدات من قبل المجتمع المدني في ليبيا، حيث أن المنظمات التي تقدم الإغاثة قليلة في ظل الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد وأصبح العمل المدني في البلاد يقتصر فقط على المواسم في شهر رمضان والأعياد، منوها إلى حدوث العديد من الانتهاكات خلال الاعتقال أو في مراكز الاحتجاز، ومنها منها احتجاز القاصرين مع البالغين والتعذيب وطلب الفدية بحسب قوله.

وبالنسبة لقضية المقابر الجماعية للمهاجرين أكد أن الأمر ليس مستغرب، نظرا لوجود سوابق بهذا الموضوع، فقد عثر على مقبرة بمنطقة الشويرف بها (65) جثة والكل تعهد بالتحقيق فيها وتم دفنهم ولا يوجد أي تحقيق، وسبقها اكتشاف مقبرة بغابة تليل بمدينة صبراتة حيث عثر على مهاجرين مدفونين بها عليهم علامات إطلاق ناري وأيضا لم يتم التحقيق في ذلك، غير المقابر التي وجدت مبعثرة في عدة أماكن منها بمنطقة بني وليد، وللأسف الأمر متكرر ولا نستطيع القول أنها حالة فردية، بل هى مسألة منظمة فكل ما يحدث خلاف بين المهربين أنفسهم أو أحيانا بينهم وبين المهاجرين، ويصلون إلى طريق مسدود فيتم استخدام العنف والقتل وللتخلص من الجثامين يتم وضعها في مقابر جماعية، وهناك أدلة كثيرة أثبتت انه أحيانا يتم وضع مهاجرين قضوا بمراكز الحجز نتيجة مرض أو القتل على شواطئ البحر، حتى يقال أنهم غرقى ولفظهم البحر.

جهود حكومية

أعلن وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة الوطنية، عماد الطرابلسي، عن استضافة منتدى الهجرة عبر المتوسط بهدف إيجاد حلول لمواجهة ارتفاع معدلات الهجرة. قال الطرابلسي: "نحن بصدد تنفيذ عملية كبرى للقضاء على أوكار الجريمة وتأمين الحدود الجنوبية. نحن نرفض التوطين كليًا ونسعى لمعالجة أزمة المهاجرين ضمن القانون الليبي".

التحديات المستقبلية

يبقى الوضع في ليبيا معقدًا ومليئًا بالتحديات التي تتطلب معالجة بالتنسيق دوليًا ومحليًا، وفي هذا السياق قالت الخبيرة في قضايا الهجرة فاطمة العلي: "يجب أن يشمل التعاون تعزيز برامج إعادة التوطين، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في دول المصدر، والعمل مع السلطات الليبية لتحسين الأوضاع الأمنية."

تطوير البنية التحتية

تشمل تحسين خدمات التعليم والرعاية الصحية وتوفير فرص العمل للمواطنين الليبيين والمهاجرين على حد سواء، بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي العمل مع الحكومة الليبية لتعزيز الاستقرار السياسي والأمني، مما يسهم في خلق بيئة أكثر أمانًا للمهاجرين والمواطنين.

الاستجابة الدولية

استجابة المجتمع الدولي لأزمة الهجرة في ليبيا تتطلب تنسيقًا أكبر بين الدول والمنظمات الدولية. قالت نانسي جونسون، المسؤولة في منظمة غير حكومية: "تحتاج الاستجابة إلى تقديم دعم مالي ولوجستي للمنظمات، وتعزيز الجهود الدبلوماسية لحل النزاعات التي تؤدي إلى تدفق المهاجرين".

قصص نجاح

على الرغم من التحديات الكبيرة، هناك قصص نجاح تبرز بين المهاجرين الذين تمكنوا من تحسين حياتهم، تيميتوبي وزكريا وبدر يمثلون أمثلة على الأشخاص الذين تمكنوا من التغلب على الصعوبات وبناء حياة جديدة في ليبيا. 

هذه القصص تعكس روح المثابرة والأمل لدى المهاجرين، وتظهر كيف يمكن للدعم المناسب أن يغير حياتهم.

ظروف قاسية

يعاني المهاجرون في ليبيا من ظروف قاسية تتراوح بين الاستغلال والاحتجاز والتعذيب، بينما تبذل المنظمات الدولية والمحلية جهودًا للتخفيف من معاناتهم، يظل التحدي الأكبر هو عدم الاستقرار السياسي والأمني في ليبيا وغياب الإرادة السياسية للتعامل مع مشكلة الهجرة بطريقة إنسانية وفعالة. ويحتاج الوضع إلى تدخلات مستدامة وشاملة تشمل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في دول المصدر ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة.

يبقى الأمل في أن يتمكن المجتمع الدولي من توفير الدعم اللازم لتحسين الأوضاع في ليبيا، وتمكين المهاجرين من تحقيق حلمهم بحياة أفضل وأكثر استقرارًا. 

ويعتبر تعزيز التعاون الدولي والمحلي هو المفتاح لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه المهاجرين في ليبيا وتحقيق تغيير إيجابي في حياتهم.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية