بيومها العالمي.. الصحافة في فلسطين منهارة تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي

بيومها العالمي.. الصحافة في فلسطين منهارة تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي

تجري الدماء في أرض غزة للشهر السابع على التوالي، وفي ظل هذا البحر الدامي يجسد الصحفي حسن المدهون وضع الصحفيين في غزة، فحسن صحفي حرمته الحرب القائمة من كل شيء.

امتلك حسن شركة إعلامية، كانت كلوحة زاهية في سماء غزة، تعد ديار الحقيقة والمعرفة، تنطق بأصوات الحق وترسم لوحات الحقيقة عن الظلم والاحتلال. 

ولكن فجأة، تحوّلت هذه اللوحة إلى مشهد من الخراب والدمار، فقد جاءت الحرب على غزة وعصفت بما بناه حسن بجهوده الدؤوبة، فتهدم المقر الإعلامي وتحول إلى أنقاض مدمرة، وأصيب أربعة من العاملين بالشركة.

لم يكن القصف المدمر مجرد فقدان الشركة الإعلامية لحسن، بل كان له تأثير أعمق على حياته الشخصية، فكما صرح لـ"جسور بوست"، فَقَدَ حسن أباه وابنته الصغيرة، هذه الخسارة القاسية تركت جرحًا عميقًا في قلبه، وأحدثت شرخًا في روحه. 

ولم تكتفِ المأساة بذلك، بل امتدت لتشمل أفرادًا آخرين من عائلة حسن فقد تم القبض على أخيه وبعض أصدقائه الصحفيين، مزيدًا من الألم والحزن يُعبأ في حياة حسن، تلك الأوقات المريرة أظهرت مدى قسوة الظروف والظلم الذي يتعرض له الصحفيون في هذه المناطق المضطربة على رأسها غزة. 

اليوم، يعيش حسن المدهون والعديد من الصحفيين الآخرين في خيام بسيطة في رفح، بعيدًا عن المنزل والمكان الذي اعتادوه، هؤلاء الأبطال الصامدون يواجهون ظروفًا قاسية ومعاناة يومية، التي تعتبر بالكاد مأوى غير كافٍ لحمايتهم من البرد القارس والعواصف الرملية المتكررة. 

مع كل هذه التحديات والمآسي، ما يميز حسن وزملاؤه هو إصرارهم على الاستمرار في مهنتهم كصحفيين، رغم المخاطر التي يواجهونها يوميًا والتهديدات المستمرة، ينقلون الحقيقة والأحداث بشجاعة وموضوعية يعتبرون أن صوت الحقيقة يجب أن يصل إلى العالم، وأن الصحافة هي سلاحهم الوحيد لتسليط الضوء على معاناة شعبهم. 

على الرغم من الصعوبات، قام حسن المدهون والصحفيون المتضررون الآخرون ببناء شبكة صغيرة من الاتصالات والمصادر الإعلامية المحلية.. يعتمدون على تكنولوجيا الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي لتبادل المعلومات ونشر الأخبار. 

تجتاح عاصفة القمع صحافة فلسطين، فتهدم أعمدتها الراسخة وتطوي صفحاتها الصامتة، في أكثر الأعوام صعوبة وتحديًا، شهدت الصحافة الفلسطينية العام الماضي كارثة هائلة، حيث سقط صحفيون بأعداد قياسية تهز الأرض وتحطم القلوب. 

وفي ظل الاحتلال الإسرائيلي القاسي، وأحداث غزة منذ أكتوبر الماضي، تهاوت حقوق الصحفيين المشروعة ليس في نقل المعلومة ووجودهم في أماكن الأحداث فحسب، بل في حق الحياة ذاته.

في اليوم العالمي للصحافة، الذي يوافق 3 مايو، "جسور بوست" تناقش وضع الصحفيين الفلسطينيين وسط أحداث غزة الأخيرة وانتهاك حقوقهم.

No photo description available.

الأرقام تكشف حجم الكارثة

وحدها الأرقام تكفي لرسم لوحة الكارثة التي حلت بالصحفيين الفلسطينيين خلال العام الماضي، فقد وصل عدد الصحفيين الذين فقدوا حياتهم إلى أرقام مروعة، ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، قُتل أكثر من 122 صحفيًا وعاملاً في وسائل الإعلام في غزة منذ 7  أكتوبر، وأصيب آخرون كثيرون بجروح، واحتجزت القوات الإسرائيلية عشرات الصحفيين الفلسطينيين في كل من غزة والضفة الغربية، حيث ازدادت المضايقات وعمليات الترهيب والاعتداء على الصحفيين منذ هجمات أكتوبر.

وتقدر نقابة الصحفيين الفلسطينيين أن نحو 1400 صحفي يغطون الأخبار من غزة، ومن هؤلاء الصحفيين ينتمي نحو 1200 إلى النقابة في غزة، بينما يتبقى 200 صحفي مستقل و150 صحفيا مقربا من حركة حماس.

ومنذ اندلاع المعارك، منعت إسرائيل المراسلين الأجانب من الدخول إلى غزة عبر معبر إيريز، وللقليل الذين تمكنوا من الدخول، يتطلب ذلك مرافقة القوات الإسرائيلية. 

وهذا يعني أن مسؤولية تغطية الحرب تقع بصورة رئيسية على عاتق الصحفيين الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم وأسرهم، وكباقي سكان القطاع الصغير المحاصر، فإن الصحفيين يعانون مشكلات متعددة في ظل الحرب، حيث يكافحون للعثور على المياه العذبة والطعام ومكان للنوم ومرحاض ونقاط كهرباء لشحن أجهزة الحاسوب المحمولة والهواتف. 

وبالإضافة إلى ذلك، فإنهم يواجهون تهديد المجاعة وانتشار الأمراض، تمامًا كسائر السكان في القطاع، ومع ذلك فإنهم يواصلون تغطية الحرب المحتدمة والعنف بأدنى إمكانياتهم، حيث يفتقرون للسترات الواقية وشواحن الهواتف وحتى الأدوات الأساسية للسلامة. 

وتشير منظمات غير حكومية إلى أن إسرائيل تمنع دخول جميع معدات السلامة إلى غزة، بما في ذلك السترات الواقية والكمامات، بحجة أنه يمكن استخدامها لأغراض أخرى غير السلامة. 

الصحافة الفلسطينية تشهد بالروح والدم

وبدأت تكنولوجيا المراقبة تلفت النظر لها في الفترة الأخيرة، حيث تستخدم سلطات الاحتلال الإسرائيلي الأدوات الرقمية لقمع حرية التعبير والإعلام، فتقوم بحجب المواقع الإلكترونية وتقييد الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي ومراقبة الاتصالات الإلكترونية للصحفيين والإعلاميين. 

هذا الكتمان الرقمي يعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الصحافة ويمنع نشر الأخبار والمعلومات الحقيقية. 

وفي ظل هذه الأوضاع المروعة، يتساءل الكثيرون عن دور المنظمات الدولية في حماية حقوق الصحفيين الفلسطينيين، ولكن الواقع المرير يكشف عن ضعف التحرك الدولي وعجزه في وجه القوة القمعية للاحتلال، فقد تحوّلت المنظمات الدولية إلى مجرد مشاهدين بلا قوة، ما يتطلب تحركًا جديدًا وجريئًا للدفاع عن حقوق الصحفيين وحرية الإعلام.  

إن واقع الصحافة في فلسطين يشكل صورة مظلمة للقمع والظلم، حيث تنتهك حرية الصحافة وتهدم حقوق الصحفيين بشكل ممنهج. 

ضغوط قاتلة

علقت الحقوقية الفلسطينية، أميرة شتا، على الوضع بقولها إن ما يواجهه الصحفي هنا قاتل خاصة في أحداث غزة الأخيرة، قتل من الصحفيين العشرات وسط صمت غير مبرر، فعندما يواجه الصحفي الذي يعيش في قطاع غزة صعوبات نتيجة للأحداث الأخيرة المتعلقة بالقتل والتضييق، فإنه يواجه تحديات هائلة في مزاولة مهنته وتقديم التغطية الإعلامية، هنا يعيش الصحفي تحت ضغط نفسي وجسدي متواصل، ويعاني من ظروف صعبة تشمل الخطر والتهديد والنقص في الموارد والظروف المعيشية القاسية، وفي غزة واجه الصحفي خطر الإصابة أو القتل أثناء تغطية الاعتداءات الأخيرة، كذلك تتعرض وسائل الإعلام ومكاتب الصحف للاستهداف المباشر.

وأضافت “شتا” في تصريحات لـ"جسوربوست"، كنا في الأوضاع العادية قبل القصف يتم تكميم أصوات الصحفيين بشكل متعمد عن طريق حجب وسائل التواصل الاجتماعي أو قطع الاتصالات، ما يعيق قدرتهم على تغطية الأحداث ونقلها للعالم، هذه الأمور تفاقمت الآن، وبالإضافة إلى المخاطر الجسدية، يعاني الصحفيون في غزة من قلة الموارد والتحديات المعيشية، قد يجد الصحفي نفسه يعمل في ظروف صعبة جدًا، حيث يفتقر للمعدات اللازمة مثل الكاميرات والحواسيب والهواتف الذكية، قد يجد صعوبة في الوصول إلى الإنترنت وشبكات الاتصال، ما يعطل عملية النشر والتواصل مع محرريه والجمهور. 

الإعلام

واستكملت: تتسبب الأحداث العنيفة والمستمرة في غزة في تدهور الحالة النفسية للصحفيين، يشعرون بالتوتر والخوف المستمر، وقد يعانون من صدمة نفسية نتيجة للمشاهد التي يشهدونها والتجارب الصعبة التي يمرون بها، يصعب على الصحفيين العمل تحت هذا الضغط النفسي، وقد يجدون صعوبة في التركيز والابتكار في إنتاج الأخبار والتقارير، ومع ضيق الحرية الصحفية ووجود الرقابة والتضييق على حرية التعبير، يجد الصحفي نفسه في مواجهة تحديات إضافية. 

وأتمت: يتعرض الصحفيون للقمع والاعتقال التعسفي، حيث يتم اعتقالهم أو تحويلهم للتحقيق بتهم ملفقة تهدف إلى تكميم أصواتهم، يتعرضون أيضًا للتهديد والابتزاز من قبل الأطراف المتنازعة، ما يجعلهم يعيشون في حالة من عدم اليقين والخوف المستمر.

اليوم العالمي لحرية الصحافة

يحتفل العالم في الثالث من مايو من كل عام بـ"اليوم العالمي لحرية الصحافة"، وهو يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، لتحيي عبره ذكرى اعتماد إعلان ويندهوك التاريخي الذي تم في اجتماع للصحفيين الأفارقة في 3 مايو 1991.

كان هدف هذا الإعلان تذكير الحكومات بضرورة احترامها حرية الصحافة، كما نصَّ هذا الإعلان على ضمان بيئة إعلامية حرة وآمنة للصحفيين، وكذلك يعتبر الثالث من مايو يوماً لتأمل الصحفيين والإعلاميين قضايا حرية الصحافة وأخلاقياتها.

وتخصص الأمم المتحدة هذا اليوم للاحتفاء بالمبادئ الأساسية، وتقييم حال الصحافة في العالم، وتعريف الجماهير بانتهاكات حق الحرية في التعبير، والتذكير بالعديد من الصحفيين الذين واجهوا الموت أو السجن في سبيل القيام بمهماتهم في تزويد وسائل الإعلام بالأخبار اليومية.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية