بواقع 853 شخصًا خلال عام 2023

إعدام شخص كل 5 ساعات.. كيف حركت مهسا أميني "آلة القتل" في إيران؟

إعدام شخص كل 5 ساعات.. كيف حركت مهسا أميني "آلة القتل" في إيران؟

مثل النار تحت الرماد، لم تبرح إيران النفق الأسود الذي مضت فيه قدما على وقع مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني، حتى بات ارتفاع نسبة الإعدامات مهددا جديدا في البلاد.

ومنذ سبتمبر 2022 شهدت إيران احتجاجات شعبية عارمة إثر مقتل مهسا أميني (22 عاما) أثناء احتجازها في مركز للشرطة بسبب ارتدائها "غير اللائق" لحجاب رأسها، ما أدى إلى فرض مزيد من القيود والقمع.

وأعلنت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية (غير حكومية) أن النظام الإيراني أعدم خلال النصف الثاني من أبريل الماضي شخصا واحدا كل 5 ساعات، دون أن يتعرض لأي تكلفة سياسية.

وقالت المنظمة في بيان إنه تم إعدام ما لا يقل عن 63 شخصاً في السجون الإيرانية في الأسبوعين الأخيرين من شهر أبريل، فيما تم إعدام ما لا يقل عن 71 سجيناً في 24 سجناً مختلفاً في إيران خلال شهر أبريل وحده.

وبحسب المنظمة ذاتها، أعدمت السلطات الإيرانية منذ مطلع العام الجاري وحتى أبريل الماضي ما لا يقل عن 171 شخصاً بسجون مختلفة في البلاد.

وأوضح البيان أن النظام الإيراني شن موجة جديدة من عمليات إعدام السجناء في إيران، مستغلا تسليط الضوء المحلي والعالمي على هجماتها الصاروخية والطائرات المسيرة على إسرائيل.

وأشارت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية إلى الزيادة المستمرة والسنوية في إعدام السجناء، داعية الدول الداعمة لحقوق الإنسان والتي لها علاقات مع طهران إلى التفاعل مع موجة الإعدامات، وعدم الصمت بشأن هذا الأمر الذي سيؤدي إلى المزيد من هذه العمليات.

وفي 4 أبريل الماضي، أعلنت منظمة العفو الدولية (غير حكومية مقرها لندن) إعدام السلطات الإيرانية 853 شخصًا عام 2023 في أعلى ذروة لعمليات الإعدام منذ 8 سنوات، وسط حملة قمع لا هوادة فيها. 

قالت منظمة العفو الدولية في تقرير بعنوان "لا تتركوهم يقتلوننا"، إن هناك حاجة ملحة إلى اتخاذ إجراءات دولية قوية لوقف التصاعد المروع في عمليات الإعدام الذي شهد تحويل السجون الإيرانية إلى ساحات لعمليات القتل الجماعية في عام 2023. 

 وسلطت المنظمة الضوء على تنفيذ 481 عملية إعدام على الأقل -أي أكثر من نصف إجمالي عمليات الإعدام المسجلة في 2023- على خلفية جرائم متصلة بالمخدرات.

وأوضح التقرير أن السلطات الإيرانية كثفت من وتيرة استخدامها عقوبة الإعدام لبث الخوف في صفوف الشعب وتشديد قبضتها على السلطة في أعقاب انتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية" التي اندلعت في الفترة بين سبتمبر وديسمبر 2022. 

ووفقاً للمعلومات الواردة، تشير التقديرات إلى أنه تم إعدام 582 شخصاً في عام 2022، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 75 بالمئة مقارنة بعام 2021 الذي أُفيد بإعدام 333 شخصاً فيه. 

ومن إجمالي عدد عمليات الإعدام في عام 2022، كان هناك 256 (نحو 44 بالمئة) بسبب جرائم تتعلق بالمخدرات، ما يمثل زيادة بنسبة 6 بالمئة في عمليات الإعدام في الجرائم المتعلقة بالمخدرات مقارنة بالعام السابق عليه. 

وفي يونيو 2023، أعربت نائبة مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ندى الناشف، عن قلقها البالغ بشأن سجل حقوق الإنسان في إيران بين أغسطس 2022 وأبريل 2023. 

وقالت الناشف آنذاك: "لقد تدهور الوضع العام لحقوق الإنسان في جمهورية إيران الإسلامية بشكل ملحوظ على خلفية التدهور الاجتماعي المستمر واستخدام النظام المفرط للقوة، والعقوبات القانونية القاسية، والاعتقالات التعسفية، وغيرها من انتهاكات الحقوق، لا سيما ضد النساء والأطفال والأقليات.

فيما دعت الأمم المتحدة السلطات الإيرانية إلى التراجع عن سياساتها، بما في ذلك عمليات الإعدام وعقوبة الإعدام والاعتقالات التعسفية وغيرها، وكذلك حثت على دعم حقوق الإيرانيين وضمان إجراء تحقيقات محايدة في الانتهاكات.

انتهاكات عامي 2023 و2024

ورغم ندرة التقارير الإعلامية عن الانتهاكات الإيرانية أواخر عام 2023 مقارنة مع بداية الانتفاضة الشعبية التي اندلعت إثر مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني في سبتمبر 2022، فإن القيود التي فرضتها إيران باتت محل الانتقادات المحلية والدولية.

ومؤخرا لفت التقرير السنوي لأوضاع حقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، إلى أن طهران انتهكت الحقوق الأساسية للمواطنين الإيرانيين على نطاق أوسع في عام 2023.

وأدان التقرير عدة جوانب حقوقية في إيران أبرزها التمييز ضد المرأة، وخاصة فرض "الحجاب الإجباري"، وزيادة عمليات الإعدام، والرقابة والقيود الصارمة على حرية التعبير، واعتقال الصحفيين وتهديدهم، والقمع العابر للحدود الوطنية وانتهاكات الحريات الدينية، وخاصة ضد المواطنين البهائيين، وانتهاك حقوق المثليين، وانتهاك حقوق الأطفال، وخاصة الأطفال العاملين وغيرها.

وأكد التقرير الأمريكي أن النظام الإيراني أعدم 798 شخصًا في عام 2023، وهو ما يظهر زيادة بنسبة 37 بالمئة مقارنة بعام 2022، يأتي ذلك إلى جانب غياب القضاء المستقل، والقتل التعسفي أو القتل غير القانوني من قبل النظام وعملائه، والاختفاء القسري والتعذيب وغيره من السلوكيات والعقوبات القاسية واللاإنسانية والمهينة.

في المقابل شهد عام 2023 إطلاق سراح حوالي 22 ألف شخص تم اعتقالهم خلال الانتفاضة الشعبية بموجب "عفو عام"، غير أن التقرير أكد أن العديد منهم لم يطلق سراحهم إلا بعد اعترافات قسرية بجرائم لم يرتكبوها والتعهد بعدم المشاركة في الاحتجاجات، كما تم اعتقال العديد ممن تم العفو عنهم مرة أخرى.

وبشأن حرية التعبير، رصدت العديد من المنظمات الحقوقية الإيرانية جملة من التجاوزات والانتهاكات التي قامت بها السلطات خلال انعقاد الدورة الـ35 لمعرض طهران الدولي للكتاب، والمنتظمة خلال الفترة من 8 إلى 19 مايو الجاري.

وكان من أبرز هذه التجاوزات، حظر مشاركة العديد من دور النشر في معرض الكتاب لأسباب سياسية، وحظر التصوير داخل أجنحة معرض الكتاب رغم حصول العديد من وسائل الإعلام على تصريح للتصوير، وكذلك حظر وقوف رواد المعرض في تجمعات، وخاصة النسائية، تحسبا لخروج مظاهرات إلى الشارع مجددا.

وفي ما يتعلق بالمشهد الانتخابي للبرلمان الإيراني والذي جرى في مارس الماضي، وصفت دراسة صادرة عن مركز الإمارات للسياسات بأن الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إيران كانت أشبه بتنافس داخل البيت المحافظ، ولم يحصل المرشحون الإصلاحيون والمعتدلون إلا على نسبة قليلة من المقاعد هي الأقل تاريخيًا.

وبحسب المراقبين، لم تُسجل الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إيران نسبة مشاركة مرتفعة، بفعل الإقصاءات وفراغ الساحة من مرشحي التيار الإصلاحي، والإحباط الذي يخيم على الشارع الإيراني، نتيجة الأداء الاقتصادي المتردّي، وقمع الحركات الاجتماعية، حيث سجلت نسبة المشاركة 41 بالمئة، وهي أدنى نسبة مشاركة منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979.

وخلافاً للتوقع العام، فإن البرلمان الإيراني المقبل سيكون من أكثر الدورات البرلمانية تعقيداً، من حيث توزيع المقاعد البرلمانية، والخلافات بين الكتل، ما سيجعله مؤسسة أكثر هشاشةً، ويجعل مسار توزيع المناصب فيه أكثر عرضة للتغيير.

سلاح في مواجهة المعارضين

بدوره قال أستاذ الدراسات الإيرانية بمصر الدكتور أحمد لاشين، إن عام 2023 شهد أعلى نسبة لعمليات الإعدام منذ عام 2015، ورغم ذلك فالمشكلة لا تكمن في حجم الإعدامات بقدر ما تبدو بوضوح في دعم مرشد الثورة الإيرانية علي خامئني لهذا الارتفاع الكبير، إذ صرح مرارًا بأن أحكام الإعدام حق مطلق للسلطة القضائية، رغم أنه هو الذي يعين المسؤولين عنها بشكل مباشر.  

وأوضح لاشين، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن الغريب في الأمر هو دفاع مرشد الثورة الإيرانية عن حق الدولة في ممارسة عمليات الإعدام بهذا الحجم الكبير، لا سيما في ظل ما شهدته طهران من أزمات داخلية أبرزها تفاقم الأزمة الاقتصادية وانخفاض العملة المحلية أمام الدولار، والتي تسببت في اندلاع العديد من الاحتجاجات الفئوية والعمالية، إضافة إلى وقوع عدة هجمات إرهابية، والتي اتهم فيها طائفة البلوش والأكراد في البلاد.

الدكتور أحمد لاشين

وأضاف: "العمليات الإرهابية في إيران ساهمت في اتساع رقعة الإعدامات على أساس الهوية بدون تحقيقات قضائية عادلة، كما ساهم في هذه الردة وصول التيار الراديكالي إلى سدة الحكم منذ إجراء الانتخابات البرلمانية في مارس الماضي، ما يعكس تسليم الشارع الإيراني للأصوليين بمباركة ودعم كامل من مرشد الثورة".

وأكد أحمد لاشين أن المجتمع الإيراني أصبح يعيش في معاناة دائمة مع نظامه السياسي سواء تحت وطأة الأزمات الاقتصادية أو العرقية أو السياسية، إذ يتم استخدام سلاح الإعدام بهذا الحجم حيال المعارضين، ويتم أيضا الترويج لهذا السلاح من خلال مرشد الثورة الإيرانية وقيادات النظام، بوصفه أداة من أدوات الدولة التي تستخدمها مع مواطنيها.

ومضى قائلا: "النظام الإيراني سعى من خلال الزيادة المتواترة في عمليات الإعدام أن يظهر في صورة القوي الباطش الذي يمنع الحركات التمردية أو السياسية المعارضة، وذلك تحت غطاء وهمي باسم (محاربة تجار المخدرات)".

تطور منظومة القمع الإيرانية

ووفق تحليل مجموعة الأزمات الدولية (غير حكومية، وغير ربحية)، فإن تطور هيكل منظومة القمع الإيرانية بدأ تاريخيًا من حيث ارتكزت مهمة الجيش على حماية نظام الشاه، إلا أنه في عام 1979 اتخذ موقفًا محايدًا، ما جعل قيادة الثورة الإسلامية تتخذ إجراءات بتحجيم الجيش نسبيا وأسست الحرس الثوري الإيراني في إطار الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988).

وبالنسبة للداخلية وقوات الشرطة، تم تأسيس شرطة الأخلاق المعنية بفرض قواعد السلوك والزي وغيرها من القيود خاصة على النساء، وهو الأمر الذي طالما واجه انتقادات جمة بلغت ذروتها خلال الانتفاضة الشعبية التي اندلعت إثر مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني عقب احتجازها بسبب عدم ارتداء الحجاب.

وعلى المستويين التشريعي والتنفيذي في إيران فإن البرلمان والرئيس ينتخبان من قاعدة شعبية من خلال الاقتراع، لكنْ هناك مجلس أعلى لصيانة الدستور بيده إقصاء أي طرف سياسي من المشهد إذا عارض النظام العام للدولة.

وغيّرت الثورة الإسلامية في إيران، الدبلوماسية والعلاقات الخارجية والسياسة الخارجية بالكامل، وأعلنت السلطات آنذاك أنها تنتهج سياسة لا شرقية ولا غربية، فهي لا تريد غزو بلد ما، لكنها لن تقبل نفوذ الدول الأجنبية وهيمنتها على مصير الأمة الإيرانية.

 وكانت الولايات المتحدة الخاسر الأكبر في الثورة الإيرانية، خاصة وأنها تم إخراجها من إيران، والتي أعلنت معارضتها للهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط منذ البداية.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية