في خضمّ التوتر.. جدل حول دور الصحافة الغربية في قضايا الشرق الأوسط وغزة

في خضمّ التوتر.. جدل حول دور الصحافة الغربية في قضايا الشرق الأوسط وغزة

في ظل التوترات السياسية والعسكرية المتفاقمة في منطقة الشرق الأوسط، يبرز دور الصحافة الغربية كعامل مؤثر يجذب إليه اهتمامًا واسعًا ويُثير نقاشًا ساخنًا. 

وتواجه العديد من وسائل الإعلام الغربية انتقادات حادة بسبب نهجها "المتحيز" و"الناقص" في تغطية قضايا الحروب والنزاعات، لا سيما في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وما حدث في قطاع غزة. 

ويتهم العديد من وسائل الإعلام الغربية بتقديم رواية متحيزة للصراعات في الشرق الأوسط، تُغفل وجهات النظر العربية وتُروّج للمواقف الإسرائيلية والأمريكية، ويرى منتقدون أنّ هذه الوسائل الإعلامية تُركز على "الشيطنة" للفصائل الفلسطينية وتُقلّل من شأن المظالم التي يعانيها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي. 

وتُوجه انتقادات لتركيز بعض وسائل الإعلام على "الإرهاب" دون التطرق إلى الجذور السياسية والاقتصادية للاضطرابات في المنطقة. 

ومؤخرًا وفي خضم التغطية الإعلامية للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في قطاع غزة، أصدرت صحيفة نيويورك تايمز توجيهات منظمة لصحفييها، بغرض الحفاظ على المبادئ الصحفية الموضوعية والحيادية. 

وبحسب مذكرة داخلية وصلت إلى موقع "ذا إنترسبت"، طالبت الصحيفة مراسليها بتقليل استخدام مصطلحات مثل "الإبادة الجماعية"، و"التطهير العرقي"، وتجنُّب عبارة "الأراضي المحتلة" عند وصف الأراضي الفلسطينية. 

وطُلب منهم تقليل استخدام كلمة "فلسطين" إلى الحد الأدنى، والابتعاد عن مصطلح "مخيمات اللاجئين" عند الإشارة إلى المناطق السكنية في غزة، واعتبر البعض أن هذه التوجيهات تعكس محاولة الصحيفة للحفاظ على توازن وحياد في تغطية هذا الصراع المعقد. 

وفي المقابل، أبدى عدد من الموظفين شكوكًا بأن بعض المحتويات تميل إلى تبني الرواية الإسرائيلية للأحداث، وقال أحد المصادر في غرفة تحرير التايمز إن هذه التوجيهات "تبدو احترافية ومنطقية إذا لم تكن على دراية بالسياق التاريخي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لكن بالنظر إلى هذا السياق، ستكون واضحة مدى الاعتذار لإسرائيل". 

وعقب عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها "حماس" في 7 أكتوبر الماضي قصف الجيش الإسرائيلي قطاع غزة ووسع غاراته على كل المحاور في القطاع، وتم قصف المدارس والمستشفيات والمساجد باستخدام مئات آلاف الأطنان من القنابل الكبيرة والمحرمة دوليا والأسلحة الفتاكة مسببة خسائر مادية تقدر بمليارات الدولارات كما تصاعدت وتيرة العنف في الضفة الغربية. 

ونزح نحو مليوني شخص هربا من القصف العنيف، وبعد إنذار إسرائيلي بإخلاء شمال قطاع غزة.  وعلى الجانب الإسرائيلي قتل نحو 1140 شخصا بينهم 574 من الضباط والجنود منهم 225 منذ بداية الهجوم البري في قطاع غزة، فيما بلغ عدد الجرحى نحو 5 آلاف بالإضافة إلى نحو 240 أسيرا تحتجزهم "حماس"، تم الإفراج عن بعضهم خلال هدنة مؤقتة.   لا صوت يعلو فوق

قطاع غزة نموذجًا للجدل 

كانت تغطية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2021 مثالًا صارخًا على الجدل الدائر حول دور الصحافة الغربية، حيث اتهم بعض الفلسطينيين والعرب وسائل الإعلام الغربية بتجاهل معاناة الشعب الفلسطيني وتقديم رواية تُبرّر الهجمات الإسرائيلية، بينما دافع البعض الآخر عن حقّ الصحافة في نقل وجهات النظر المختلفة، حتى لو كانت تُعتبر "متحيزة". 

وفقًا لدراسة أجراها مركز "ميديا تين" للأبحاث الإعلامية، وجد أن 78% من التقارير الإخبارية الغربية عن حرب غزة عام 2014 كانت متحيزة بشكل واضح لصالح إسرائيل.. كما أظهرت الدراسة أن 65% من الصور الصحفية المنشورة كانت تركز على الأضرار الناجمة عن الهجمات الفلسطينية دون التطرق إلى الخسائر الإنسانية الناجمة عن الغارات الإسرائيلية. 

التكتم على الانتهاكات الإسرائيلية

 أفادت منظمة "مراسلون بلا حدود" أن 26 صحفيًا فلسطينيًا قتلوا على الأقل خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، ومع ذلك، لم تحظ هذه الانتهاكات بتغطية إعلامية كافية في وسائل الإعلام الغربية. كما أن التقارير الإخبارية حول الخسائر المدنية الفلسطينية كانت أقل بكثير مقارنة بالتغطية الإعلامية للخسائر الإسرائيلية. 

وأظهرت دراسة أجراها معهد "راسموسن للسياسة الخارجية" أن 63% من التقارير الإخبارية الغربية عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كانت تفتقر إلى المنظور المتوازن والحياد، بل إن بعض وسائل الإعلام الكبرى مثل "فوكس نيوز" و"سي إن إن" قد أبرزت بشكل متكرر وجهات نظر إسرائيلية دون التطرق إلى الرواية الفلسطينية.

كيف نظر الإعلام والرأى العام الغربي لحرب غزة 2023؟ - مركز الاهرام للدراسات  السياسية والاستراتيجية

الموضوعية هي الحل 

طالب رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبدالكبير، بضرورة اتّباع وسائل الإعلام الغربية مزيدا من التوازن والموضوعية في تغطيتها لقضايا الشرق الأوسط، مشددًا على أهمية فهم السياق التاريخي والسياسي للصراعات في المنطقة، وتقديم وجهات نظر متعددة، وإعطاء مساحة كافية للصوت الفلسطيني والعربي.

وطالب في تصريحاته لـ"جسور بوست، بتحليل نقدي للسياسات الخارجية للدول الغربية في المنطقة، وتجنب الخطاب المُضلل أو المُحرض على الكراهية، مشيرًا إلى أن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق وسائل الإعلام في نقل المعلومات بشكل دقيق وموضوعي، مع مراعاة جميع وجهات النظر، والمساهمة في تعزيز التفاهم والحوار بين الثقافات المختلفة.

وأضاف، هذه الممارسات الإعلامية المنحازة والمتحيزة من قبل الصحافة الغربية تثير تساؤلات حول مصداقيتها وموضوعيتها في تناول قضايا الحروب والصراعات في المنطقة، ويتطلب الأمر من هذه الوسائل الإعلامية تبني مزيد من الحيادية والموضوعية في التغطية، والاهتمام بالجوانب الإنسانية للصراعات، وإعطاء مساحة متوازنة لوجهات النظر المختلفة.

جريدة الصباح نيوز - رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان لـ

مصطفى عبدالكبير

وأتم: ينبغي على المؤسسات الإعلامية تعزيز آليات الرقابة والمساءلة الداخلية للحفاظ على معايير المهنية الصحفية.

خطورة التضليل

بدورها، قالت البرلمانية السابقة والحقوقية التونسية، نسرين زريقات، إن ظاهرة التضليل الإعلامي الغربي تجاه الشرق الأوسط، وخاصة قطاع غزة، مصدر قلق كبير، هذا التضليل له آثار خطيرة على فهم الجمهور العالمي للصراع والحلول المطروحة، فالتغطية الإعلامية الغربية للأزمات في المنطقة عادة ما تركز على السرد الإسرائيلي للأحداث، وتتجنب الإشارة إلى السياق التاريخي والقانوني للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، كما تميل إلى التقليل من حجم الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان وعدم تسليط الضوء على المعاناة اليومية للفلسطينيين تحت الاحتلال. 

وأضافت زريقات، في تصريحات لـ"جسور بوست": هذا النوع من التغطية الإعلامية المنحازة يغذي الرأي العام الغربي بصورة مشوهة للصراع، وينعكس على سياسات الحكومات الغربية تجاه هذه القضية، فبدلًا من الضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها وإنهاء الاحتلال، تميل هذه الحكومات إلى تبرير أو تجاهل تلك الانتهاكات. 

نسرين زريقات

واستكملت: لتصحيح هذا الوضع ينبغي على وسائل الإعلام الغربية اعتماد منهجية أكثر موضوعية وشمولية في تغطية القضية الفلسطينية، فعليها الابتعاد عن السرديات الإسرائيلية والتركيز على حقوق الإنسان والقانون الدولي، كما ينبغي تسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين وتوفير منصة لصوتهم المكتوم، وفي الوقت نفسه، على الحكومات الغربية ممارسة ضغوط أكبر على إسرائيل لوقف انتهاكاتها وتطبيق القرارات الأممية، فهذا من شأنه أن يسهم في إيجاد حل عادل للصراع يضمن حقوق الشعب الفلسطيني وأمن الجميع في المنطقة. 

وأتمت: تصحيح التضليل الإعلامي والسياسي الغربي تجاه هذه القضية الحساسة أمر ضروري لفهم الصراع بشكل أعمق ودعم حل سياسي منصف، وديمومته، وهذا هو التحدي الأساسي الذي ينبغي على المجتمع الدولي التصدي له.

اليوم العالمي لحرية الصحافة

يحتفل العالم في الثالث من مايو من كل عام بـ"اليوم العالمي لحرية الصحافة"، وهو يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، لتحيي عبره ذكرى اعتماد إعلان ويندهوك التاريخي الذي تم في اجتماع للصحفيين الأفارقة في 3 مايو 1991.

كان هدف هذا الإعلان تذكير الحكومات بضرورة احترامها حرية الصحافة، كما نصَّ هذا الإعلان على ضمان بيئة إعلامية حرة وآمنة للصحفيين، وكذلك يعتبر الثالث من مايو يوماً لتأمل الصحفيين والإعلاميين قضايا حرية الصحافة وأخلاقياتها.

وتخصص الأمم المتحدة هذا اليوم للاحتفاء بالمبادئ الأساسية، وتقييم حال الصحافة في العالم، وتعريف الجماهير بانتهاكات حق الحرية في التعبير، والتذكير بالعديد من الصحفيين الذين واجهوا الموت أو السجن في سبيل القيام بمهماتهم في تزويد وسائل الإعلام بالأخبار اليومية.


 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية