"الإيكونوميست": الرسوم الأمريكية على المركبات الكهربائية الصينية "سياسة سيئة"

"الإيكونوميست": الرسوم الأمريكية على المركبات الكهربائية الصينية "سياسة سيئة"

يعد الانخفاض الملحوظ في التعريفات العالمية، أحد الإنجازات العظيمة التي تحققت في نصف القرن الماضي ، حيث ساعد هذا التخفيض، من متوسط الرسوم على الواردات الذي تجاوز 10% في سبعينيات القرن العشرين إلى 3% اليوم، في تغذية طفرة في التجارة الدولية وزيادة نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى ما يقرب من ثلاثة أمثاله.

ووفقا لمجلة "الإيكونوميست" كلما زاد انفتاح الدول ازدهرت، لذا فمن المؤسف للغاية أن يقرر الرئيس جو بايدن فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين.

وتوضح المجلة البريطانية، في تحليلها، أن التجارة تفيد المستهلكين على نطاق واسع، ولكنها تلحق الضرر بعمال وشركات بعينها قادرة على تنظيم المقاومة، فإنها كانت تحمل دائما تكاليف سياسية.

واليوم تلوح هذه التكاليف في أذهان الساسة، حيث إن الإجماع المطلوب لدعم نظام تجاري مفتوح يتفكك، وهي العملية التي تسارعت بفعل حقيقة مفادها أن الصين "لا تلعب" بنزاهة، فضلا عن صعود رؤية دونالد ترامب "أمريكا أولا".

ويقول السياسيون في أمريكا من كلا الحزبين إنهم بحاجة إلى زيادة التعريفات الجمركية على مجموعة واسعة من السلع، فيما تدعم الصين شركاتها المصنعة بشكل كبير، ما يمنحها ميزة في الأسواق العالمية.

ويضيفون أن المخاطر الأمنية المتمثلة في السماح بدخول السيارات الصينية كبيرة للغاية، حيث يمكن تتبع المركبات الكهربائية ومراقبتها بسهولة، ويمكن تقبل هذه المخاوف، لكن الرسوم الجمركية التي فرضها "بايدن" هي أداة "فظة" للتعامل معها، وسوف تجلب أضرارا اقتصادية لا تحظى بالتقدير الكافي لأمريكا والعالم.

وأوضح الاقتصادي ديفيد ريكاردو قبل أكثر من قرنين من الزمان وأظهرت التجربة صحة ذلك، إنه من المنطقي أن تفتح الحكومات حدودها أمام الواردات حتى عندما يقيم الآخرون الحواجز، حيث يتمتع المقيمون في الدولة المحررة بأسعار أقل وتنوع أكبر، في حين تركز الشركات على ما هي الأفضل في إنتاجه، وعلى النقيض من ذلك، فإن التعريفات الجمركية تدلل الشركات غير الفعالة وتلحق الضرر بالمستهلكين.

وقد تعلمت أمريكا هذه الحقيقة في ثمانينيات القرن العشرين، عندما وافقت شركات صناعة السيارات اليابانية -الواقعة في مرمى واشنطن- على نظام الحصص، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها في أمريكا، وواصلت شركات صناعة السيارات "الثلاثة الكبار" إنتاج السيارات القديمة.

وتخشى الشركات الأمريكية اليوم المنافسة من شركة Seagull التي تنتجها شركة "بي واى دي"، والتي تكلف بعض إصداراتها أقل من 10 آلاف دولار في الصين، والآن أصبح بوسعهم أن يبيعوا سيارات أقل جودة بثلاثة أضعاف سعرها، الأمر الذي لا يمنح سائقي السيارات الأمريكيين حافزاً يُذكَر لتنفيذ سياسة الحكومة من خلال التحول إلى عجلات أكثر مراعاة للبيئة.

وقد يزعم المرء أن التعريفات الجمركية كانت حتمية، لأن إعانات الدعم الخضراء التي تقدمها أمريكا كانت لتتدفق لولا ذلك إلى الشركات الصينية، وهذا صحيح، ولكنه يوضح كيف تؤدي سياسة غير فعّالة إلى سياسة أخرى.

والأمر الأقل عذرًا هو الطريقة التي اتبعتها إدارة "بايدن" في فرض تعريفاتها الجمركية، والحكومات حريصة على إدارة التكاليف السياسية للتجارة، ولهذا السبب فإن النظام التجاري القائم على القواعد لديه آليات ضد المنافسة غير العادلة.

ووفقا لـ"الإيكونوميست" رغم أن الاقتصاديين يرحبون بالواردات الرخيصة، إلا أن الساسة قادرون على الرد إذا شعروا بالقلق من أن يؤدي تدفق المهاجرين إلى الإضرار بصناعات وبلدات معينة، منذ الحرب العالمية الثانية، استخدمت أمريكا عموماً قوة القدوة لإقامة المقايضة بين الكفاءة الاقتصادية والواقع السياسي.

وترفض التعريفات الأخيرة مثل هذه الآليات، وكان بوسع الإدارة أن تحدد كيف استفادت السيارات الصينية من الإعانات الضخمة، ثم فرضت عليها رسوما تعويضية محسوبة.

وكان بإمكانها توثيق التهديد الأمني الذي تدعي أنها تشكله، بدلاً من تقديم تخمينات مخيفة، وبدلا من ذلك، غطت أهدافها الحمائية بورقة توت؛ فقد وُضعت التعريفات الجديدة فوق تعريفات ترامب، والتي كانت في الأصل مبررة بسرقة الصين للتكنولوجيا الأمريكية.

وفي الداخل تدعو المزيد من الشركات إلى طلب الحماية، ويتنافس الجمهوريون والديمقراطيون بالفعل على تقديم أشد الحواجز حدة: فقد حذر ترامب من أنه سيفرض تعريفات جمركية بنسبة 200% على السيارات التي تصنعها المصانع المملوكة للصين في المكسيك.

وفي الخارج سوف يحذو أنصار تدابير الحماية حذو الصين، حيث تصدر الصين فائضها إلى مختلف أنحاء العالم، وهو ما من شأنه أن يوجه ضربة أخرى للنظام التجاري الذي دافعت عنه أمريكا ذات يوم.

تعمل البرازيل على زيادة التعريفات الجمركية على المركبات الكهربائية، وقد يفعل الاتحاد الأوروبي ذلك قريبًا أيضًا.. ولا تزال أمريكا تقود سياسة التجارة العالمية، ولكنها اليوم تسير في الاتجاه الخاطئ.

 


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية