أزمة إنسانية متفاقمة.. الشعب السوداني "عالق في جحيم" العنف والمجاعة

أزمة إنسانية متفاقمة.. الشعب السوداني "عالق في جحيم" العنف والمجاعة

في ظل استمرار الحرب في السودان لأكثر من عام، يعاني الشعب السوداني من أزمة إنسانية حادة تصفها الأمم المتحدة بأنها "جحيم" من العنف الوحشي والمجاعة المتفاقمة. 

تتزامن هذه الكارثة مع عقبات هائلة تعيق وصول المساعدات الإنسانية، مما يزيد من معاناة الملايين من السودانيين الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين الموت جوعًا والخطر الدائم للمرض والقتال.

جحيم لا ينتهي منذ بداية الصراع المسلح في السودان. شهدت البلاد تصاعدًا مروعًا في أعمال العنف. 

ووفقًا لتقارير منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فإن عدد القتلى تجاوز 3,000 شخص، بينما شُرد أكثر من 2.5 مليون شخص من منازلهم، وأُجبروا على العيش في ظروف قاسية داخل مخيمات النزوح أو الفرار إلى البلدان المجاورة، يتجسد هذا العنف في الاشتباكات المسلحة، والهجمات على المدنيين، والاعتداءات العشوائية التي تزرع الرعب في قلوب المواطنين يوميًا. 

وأوضحت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في السودان، كلمنتين نكويتا سلامي، خلال مؤتمر صحفي، أن السودان على شفا مجاعة كبرى. 

وتشير تقديرات برنامج الغذاء العالمي إلى أن أكثر من 4 ملايين شخص على حافة المجاعة، مع توقعات بأن يصبح الغذاء أقل توفرًا وأكثر تكلفة خلال الأسابيع الستة المقبلة، مع اقتراب موسم الجفاف.

يزيد موسم الأمطار من تعقيد الوضع الإنساني في السودان، حيث تصبح الطرق غير سالكة، مما يعيق جهود إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق النائية. 

وأشارت نكويتا سلامي إلى أن هذا الموسم يتزامن مع نهاية موسم الزراعة، الذي قد يفشل في حال لم يتمكن المزارعون من الحصول على البذور اللازمة، بدونه، سيواجه السودان كارثة زراعية تؤدي إلى تفاقم أزمة الغذاء في البلاد.

وتواجه المنظمات الإنسانية تحديات كبيرة في إيصال المساعدات الضرورية إلى المحتاجين، تحدثت نكويتا سلامي عن قافلة مكونة من 12 شاحنة تابعة للأمم المتحدة محملة بمعدات طبية ومساعدات غذائية، والتي غادرت بورتسودان في 3 أبريل الماضي، ولم تصل بعد إلى وجهتها في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بسبب انعدام الأمن وتأخير الحصول على تصاريح المرور عبر نقاط التفتيش.

وفي ظل هذه الأوضاع المزرية، دعا برنامج الغذاء العالمي إلى ممارسة ضغط دولي على جميع أطراف الصراع في السودان لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بشكل أفضل، ويشدد البرنامج على أن التعاون الدولي والدعم المتواصل ضروريان لتقديم المساعدات الغذائية والطبية للمحتاجين، ومنع وقوع كارثة إنسانية كبرى. 

وتشير البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن 15 مليون شخص في السودان يحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة، بينما يعاني حوالي 9.6 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الشديد. 

بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى حوالي 1.9 مليار دولار لمواجهة الأزمة الإنسانية في البلاد، ولكن حتى الآن تم تأمين 30% فقط من هذا المبلغ.

السودان/ عشرات الآلاف من النازحين يحتلون المرافق الحكومية كمأوي آمنة لهم

تأثير العنف على النساء والأطفال 

قالت الحقوقية والأكاديمية السورية، تريتيل دروش، إن الحرب في السودان يجد صداها النساء والأطفال وهم الأكثر تضررًا من هذه الأزمة، وتفيد منظمة "اليونيسف" بأن الأطفال يشكلون نسبة كبيرة من النازحين، ويعانون من سوء التغذية والأمراض بسبب نقص الغذاء والمياه النظيفة، في أبحاثنا الميدانية نقابل الأمهات وقابلت ليلى وهي أم لخمسة أطفال أخبرتني: "أطفالي يعانون من سوء التغذية ولا يوجد لدينا أي وسيلة للحصول على الرعاية الصحية نحن بحاجة إلى المساعدة بشكل عاجل"، وهي حالة ضمن آلاف، الوضع صعب.

وأضافت دروش، في تصريحات لـ"جسور بوست"، رغم الصعوبات، تستمر الجهود الإنسانية في محاولة لتقديم المساعدة للسودانيين، وتعمل منظمات مثل "أطباء بلا حدود" و"برنامج الغذاء العالمي" و"اليونيسف" على إيصال المساعدات الغذائية والمياه النظيفة والرعاية الصحية إلى أكبر عدد ممكن من المحتاجين ومع ذلك، فإن العقبات على الأرض تجعل هذه المهمة بالغة الصعوبة.

وتابعت، يتطلب الوضع في السودان استجابة دولية عاجلة ومنسقة، فيجب على المجتمع الدولي تقديم المزيد من الدعم المالي واللوجستي لتلبية الاحتياجات الملحة للسكان المتضررين، نحن بحاجة إلى تضامن العالم الآن أكثر من أي وقت مضى، ولإنقاذ الأرواح وتخفيف معاناة الشعب السوداني.

وأتمت، الشعب السوداني يعيش اليوم في جحيم من العنف والجوع والفيضانات، والأمل في تخفيف معاناته يعتمد على استجابة دولية فعالة وسريعة، على المجتمع الدولي أن يتحرك بشكل عاجل لتقديم الدعم اللازم، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين، والعمل على إيجاد حلول دائمة للصراع المستمر، الإنسانية لا يمكن أن تقف متفرجة أمام هذه الكارثة المتفاقمة، والسودان يحتاج إلى تضامن العالم الآن أكثر من أي وقت مضى. 

Tarteel Darwish - Associate Professor in Penal Law - Beirut Arab University  | LinkedIn

أزمة الحرب تدمر الاقتصاد  

وبدوره، قال الخبير الاقتصادي الدولي والأكاديمي، رشاد عبده: تُلقي الحرب بظلالها القاتمة على كافة جوانب الحياة، وتُهدد بتدمير ما تبقى من اقتصاد ضعيف أصلاً في السودان، أدت الحرب إلى انهيار النشاط الاقتصادي، حيث توقفت العديد من الأنشطة الاقتصادية، مما أدى إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 18.3% في عام 2024، تأثرت بشكل خاص قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة. 

وأضاف “عبده”، في تصريحات لـ"جسور بوست"، ومع توقف الأعمال، فقد ملايين السودانيين وظائفهم، وارتفع معدل البطالة إلى أكثر من 50%، ويُشكل الشباب الفئة الأكثر تضررًا من هذه الأزمة، حيث يجدون أنفسهم في مواجهة مستقبلٍ مظلمٍ بدون عمل أو أمل، الحرب أيضًا تسببت في تفاقم أزمة الغذاء في البلاد، أدى انقطاع الإمدادات الغذائية إلى معاناة أكثر من 4 ملايين سودانيٍ من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويُهدد هذا الوضع بحدوث مجاعةٍ واسعة النطاق، مما يزيد من بؤس الشعب السوداني الذي يكافح من أجل البقاء. 

وتابع، بالإضافة إلى ذلك، شهدت العملة الوطنية انهيارًا كارثيًا، ففقد الجنيه السوداني أكثر من 90% من قيمته منذ بدء الحرب، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكلٍ جنوني، وتُعاني الأسر السودانية من صعوبات كبيرة في تلبية احتياجاتها الأساسية بسبب هذا التدهور الاقتصادي.

واستطرد، هرب المستثمرون من السودان نتيجة للحرب، مما أدى إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية بشكلٍ كبير، وانخفضت الاستثمارات الأجنبية بنسبة 80%، ويُشكل ذلك تحديًا كبيرًا لإعادة إعمار الاقتصاد السوداني في المستقبل، ومع تراجع الاستثمارات، ازداد الفقر بشكلٍ كبير، ويعيش الآن أكثر من 80% من السودانيين تحت خط الفقر، وتُوضح الأرقام والنسب حجم الكارثة التي يعيشها السودان، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 18.3% في عام 2024، وارتفع معدل البطالة إلى أكثر من 50%، ويعاني أكثر من 4 ملايين سوداني من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

رشاد عبده: التنسيق بين الداخلية و المالية والبنك المركزي لعب دورًا كبيرًا  في ضبط مخطط الإخوان لضرب الاقتصاد - بوابة الأهرام

التأثيرات الاجتماعية والحقوقية للحرب في السودان

وقال الحقوقي التونسي، مصطفى عبدالكبير: تُعاني السودان من أزمة إنسانية واجتماعية وحقوقية مروعة بسبب الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2023، حيث أدت هذه الحرب إلى انتشار الفوضى وانعدام الأمن، مما أسفر عن ازدياد معدلات الجريمة والعنف بشكلٍ كبير، وخاصة ضد النساء والأطفال، من جهة أخرى، أدى انهيار النظام الصحي إلى انتشار الأمراض المعدية مثل الكوليرا والتيفوئيد، ويعاني السودانيون من نقص الأدوية والخدمات الصحية الأساسية، كما أن نقص الغذاء والمياه النظيفة ساهم في تدهور الأوضاع الصحية بشكلٍ كبير، حيث يعاني العديد من السودانيين من سوء التغذية والأمراض المزمنة. الأوضاع التعليمية لم تكن أفضل حالًا، حيث أدت الحرب إلى تدمير العديد من المدارس وارتفاع معدلات التسرب منها بشكلٍ كبير.

وأضاف عبدالكبير في تصريحات لـ"جسور بوست"، يفتقر الأطفال إلى التعليم، مما يُهدد مستقبلهم بشكلٍ خطير، وفي الوقت نفسه، تسببت الحرب في نزوح ملايين السودانيين من منازلهم، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل كبير، ويعيش النازحون في ظروفٍ مأساوية، ويفتقرون إلى الغذاء والمياه والمأوى.

وعن التأثيرات الحقوقية قال، إن الحرب في السودان لم تؤثر فقط على الأوضاع الإنسانية، بل أسفرت أيضًا عن وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان مثل القتل خارج القانون والتعذيب والاغتصاب والاعتقال التعسفي، وتُمارس جماعات مسلحة انتهاكات ضد المدنيين دون رادع، فيما أدى انهيار سيادة القانون إلى انتشار الفوضى والفلتان من العقاب، وتعاني الأجهزة الأمنية من ضعفٍ كبيرٍ في قدرتها على حماية المدنيين. 

السبق - مدير المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير: الاتفاق بين  #تونس و #ليبيا بشأن المهاجرين غير الشرعيين خطوة غير كافية. ــ ليبيا وتونس  تفتقران إلى الإمكانيات التي تسمح بإيواء هؤلاء

وأتم، كما أدت الحرب إلى تقييد حرية التعبير والتجمع، حيث تُمارس السلطات السودانية رقابةً صارمة على وسائل الإعلام، ويُواجه النشطاء والمدافعون عن حقوق الإنسان مضايقاتٍ واعتقالات، بالإضافة إلى تفاقم التمييز ضد الأقليات، حيث تُمارس بعض الجماعات المسلحة تمييزًا عنصريًا ودينيًا ضد المدنيين، أيضا التهجير القسري لملايين السودانيين من منازلهم يُشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية