في رحلة محفوفة بالمخاطر.. نازحو السودان بين حلم الأمان وقسوة الظروف الإنسانية

في رحلة محفوفة بالمخاطر.. نازحو السودان بين حلم الأمان وقسوة الظروف الإنسانية

المنظمات الإنسانية تواجه صعوبات كبيرة في توفير وتوصيل المساعدات اللازمة 

الكُفرة منطقة نائية تواجه تحديات أمنية ممثلة في الجماعات المسلحة وعصابات التهريب

عميد بلدية الكُفرة: نقدم ما نستطيع من مساعدات لكن وضع النازحين سيئ جداً 

إدارة شؤون الإصحاح البيئي: أماكن تجمع النازحين بيئة خصبة لانتشار الأمراض

رئيس غرفة الطوارئ بوزارة الصحة: نطالب بوقفة جادة قبل الانفجار الوبائي وانهيار الخدمات

مدير فرع جهاز الإسعاف الطارئ: نطالب بتوفير الإمكانات والتجهيزات لخدمة السكان والنازحين

 

ليبيا- إيمان بن عامر 

مدينة الكُفرة واحدة من أكثر المناطق النائية التي تقع في جنوب شرق ليبيا، على الحدود مع تشاد والسودان، مما يجعلها بوابة رئيسية للمهاجرين الأفارقة الفارين من النزاعات، ولكنها أصبحت اليوم نقطة تجمع للنازحين السودانيين الهاربين من مناطق النزاع والحرب الأهلية التي تعصف ببلادهم منذ أبريل 2023.

حيث يجد النازحون أنفسهم عالقين وسط الصحراء بين حلم الأمان وواقع الظروف الإنسانية القاسية، ونتيجةً لتفاقم الأزمة في السودان، بدأ عدد متزايد من النازحين بالفرار إلى هذه المدينة التي تعتبر الأقرب لهم حدوديا وملاذهم الأول في هذه الظروف.

البنية التحتية للكفرة ضعيفة للغاية، فهي تعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل المياه، والكهرباء، والرعاية الصحية، كل هذه الظروف تجعل الحياة فيها صعبة حتى بالنسبة للسكان المحليين، فما بالك بالمهاجرين الذين يصلون إليها بعد رحلة شاقة عبر الصحراء الكبرى.

النازحون ورحلة محفوفة بالمخاطر    

الفارون من السودان وأغلبهم من المناطق التي تعاني من النزاع مثل دارفور، وجنوب كردفان والنيل الأزرق، يواجهون رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر للوصول إلى الكفرة، فهم غالباً ما يعبرون الصحاري القاحلة دون إمدادات كافية من الماء والطعام، مع تعرضهم لخطر الهجمات من قبل الجماعات المسلحة وعصابات تهريب البشر، وهذه الرحلة تشكل تحدياً جسدياً ونفسياً كبيراً، فبعضهم يقضي نحبه بسبب الجفاف أو الإنهاك أو الحوادث، بينما يصل الآخرون إلى مدينة الكفرة في حالة من الإرهاق الشديد، ومع ذلك فإن الوصول لها ليس نهاية المعاناة كما يعتقد الكثير من النازحين.

وقال عميد بلدية الكفرة عبدالرحمن عقوب لـ"جسور بوست"، إن المدينة تعيش وضعاً صعب جداً منذ استقبالها للنازحين من دولة السودان التي تشهد نزاعات مسلحة جعلت مواطنيها يفرون منها، فقد قمنا بتشكيل غرفة طوارئ وهذه كانت خطوة مهمة لأنه في حالة طال أمد الحرب فسنكون نحن أول المتضررين، وفعلاً كان توقعنا في محله، وبدأ تدفق النازحين من دولة السودان وقمنا بتسهيل الإجراءات لدخولهم، واستقبلناهم وقدمنا لهم المساعدة بما هو متوفر من إمكانيات متاحة بالبلدية ومن قبل سكان المدينة، حيث لم تهتم أي جهة بهؤلاء النازحين في بداية الأزمة، وقام الأهالي بتقديم الأغطية والفرش والطعام والشراب وما يعينهم على مقاومة الشتاء في السنة الماضية.

وتابع عقوب: في بداية 2024 سيرت القيادة العام للقوات المسلحة أكثر من مرة قرابة 50 شاحنة محملة بالمساعدات، كما قدمت وزارة الحكم المحلي دعما بسيطا ممثلا في عدد من “البطانيات” ومواد غذائية، كما تكفلت وزارة الصحة وجهاز الإمداد الطبي ببرنامج صحي متكامل للنازحين، ولكن الأعداد كانت في تزايد كبير، وخاصة عندما تعرضت الكفرة للسيول في أغسطس المنصرم وغرق المستشفى العام، وكان به (16) حالة إيواء بينهم حالة واحدة لمواطن ليبي والبقية من النازحين السودانيين.

وأردف: ويبلغ عدد سكان المدينة (60) ألف نسمة، ولكن الآن بعد عملية النزوح للسودانيين وصل العدد إلى قرابة (70) ألفاً بحسب آخر إحصائية قدمت من الجهات المختصة، ودخول النازحين للمدينة أصبح شبه يومي، والخروج لمناطق الشمال يومياً (150) شخصاً تقريبا، ولكن أغلب العائلات التي تتكون من اثنين إلى ثمانية أشخاص بينهم أطفال وتعاني من سوء الظروف والإمكانيات تجعلهم يمكثون بالكفرة، مشيراً إلى ثاني حالة انتحار تسجل بينهم، نتيجة الظروف النفسية وما يعيشونه في ظل نزوحهم من بلدهم، واصفاً الأحداث بأنها أزمة إنسانية كبيرة، مضيفاً أن وزارة الصحة مؤخراً قامت بصيانة المستشفى وتعمل على تجهيزه بسعة جيدة لإيواء المرضى من النازحين، وتقديم الخدمات الصحية التي يحتاجون إليها.

وأضاف أن وضع النازحين سيئ جداً فهم حالياً موجودين في العراء نظرا لعدم توفر أماكن لإيوائهم أو مخصصة لهم، حيث يقيمون تحت أشجار المزارع المحيطة بالمدينة والتي تم حصر عددها البالغ أكثر من (50) مزرعة، وازداد وضعهم سوءاً بعد اجتياح مياه السيول للمدينة، موضحا أن “دور المنظمات المدنية لم يكن في المستوى المأمول حيث لم يتواصلوا معنا إلا مؤخراً في شهر يوليو الماضي، وقامت منسقة الشؤون الإنسانية السيدة جورجيت بزيارة للمدينة والاطلاع على الوضع واستمعت لاحتياجاتنا، كما قدمت المنظمات المدنية بعض الاحتياجات البسيطة، وما زالت في طور تقييم الاحتياجات المطلوبة".

مردفاً: لم يُقدم للبلدية أي دعم، والأزمة كبيرة والموجودون بالمدينة تجاوز (60) ألف نسمة، حيث بلغ معدل القمامة يومياً (150) طناً وحالياً وصل إلى (280) طناً، لتقف شركتا الخدمات والمياه عاجزتين أمام هذا الوضع.

واستطرد: مؤخراً في أزمة السيول قدمت الشركة العامة للكهرباء دعماً، أيضا قدم مركز الطب والطوارئ المساعدة بافتتاح تمركز لنقطة صحية، ولكن الأزمة التي نعاني منها هي الاستهلاك الكبير للكهرباء نظراً لعدم توفر أسطوانات الغاز، كذلك عدم وجود أماكن للصرف الصحي، نظراً لوجودهم بالمزارع، فهم يستخدمون مكان تجمع واحداً فقط مثل البرك وهذا يسبب انتشار الأمراض، وقد تم رصد مجموعة منها الجرب والأمراض الجلدية الصيفية، والتي تتفاقم مع عدم توفر المياه، منوها إلى أنه تم استهداف قرابة (15) ألف شخص بالتطعيم من عمر سنة حتى خمسة عشر شهرا بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، داعياً لتضافر جميع جهود المجتمع الدولي لأن الدولة الليبية عاجزة عن تحمل هذا العبء وحدها في ظل الظروف التي تعيشها.

تقييم الوضع البيئي لأماكن وجود النازحين 

قيّمت إدارة شؤون الإصحاح البيئي وإدارة النظافة بالبلدية وفرع جهاز الحرس البلدي الوضع في بلدية الكفرة، باستخدام أجهزة التفتيش الصحي المتمثلة في جهاز قياس النظافة وقياس الهواء الخارجي والجهاز الحراري pcr1، والتي وصفت الوضع بالكارثي، حيث تبين أن النظافة العامة سيئة جداً وسوء التهوية وأماكن إعداد الطعام وتم رصد تكدس القمامة والمخلفات البشرية، ما يشكل بيئة خصبة لانتشار الأمراض، في ظل عدم وجود مواد خاصة بالتعقيم والمطهرات لمنع انتشار الجراثيم.

ترتيبات غرفة الطوارئ

الوضع الصحي في الكفرة كارثي بالنسبة للسكان المحليين والنازحين على السواء، حيث تفتقر المدينة إلى المستشفيات المجهزة والكوادر الطبية المدربة، فالمرافق الصحية الموجودة تعاني نقصاً حاداً في الأدوية والمعدات الأساسية، كما يعاني الكثير من النازحين أمراضاً مثل الملاريا، والتهابات الجهاز التنفسي، والأمراض الجلدية.

ويبين رئيس غرفة الطوارئ بوزارة الصحة إسماعيل العيضة، لـ"جسور بوست"، أن مدينة الكفرة عانت لأكثر من عام من موجات النزوح حيث استقبلت آلاف النازحين من دولة السودان حيث دخل قرابة 500 ألف شخص منذ بداية الحرب حتى الآن، مشدداً على رفض سكان المدينة والسلطات الليبية توطين هؤلاء النازحين، إلا أن التعامل معهم يأخذ الشكل الإنساني والأخلاقي، مشيرا للمساعدات التي أرسلتها القوات المسلحة والمتمثلة في الأغذية والأغطية.

ووصف العيضة وضع النازحين بالصعب جداً من حيث الظروف المعيشية والصحية المتردية، مؤكدا أن كل الخدمات التي تقدم لهم بالمجان من خلال المستشفى الوحيد الموجود بالمدينة، وقد أجريت الكشوفات على قرابة 55 ألف نازح منهم واتضحت إصابتهم بالأمراض المعدية، من ضمنها مرض (الإيدز) حيث وصل عددهم إلى أكثر من 130 مصاباً، وأزيد من 28 مصاباً بالدرن، كذلك التهاب الكبد الوبائي بنوعيه "بي" وسي" والذي وصل عدد المصابين به إلى 1100 إضافة إلى وجود بعض الأمراض الأخرى مثل الملاريا وأمراض أخرى كانت مندثرة في ليبيا بدأت بالظهور من جديد.

ونوه العيضة لغياب دور مؤسسات المجتمع المدني بسبب الظروف التي تعاني منها بعدم توفر إمكانيات لديها، عدا جمعية الهلال الأحمر التي قدمت بعض المساعدات التي منحت لهم من الإدارة العامة أو من القيادة العامة، كذلك الهيئة الليبية للإغاثة الدولية، مبديا أسفه لأن ما تم تقديمه للمدينة لا يكفي احتياجاتها خاصة بعد أن تضاعف عددها إلى 120 ألف شخص، مناشدا الجميع ضرورة الوقوف وقفة جادة ودعم الإصحاح البيئي قبل حدوث انفجار وبائي داخل المدينة وانهيار كامل للخدمات ومن ثم حدوث هجرة عكسية للمواطنين.

وفي السياق، أوضح مدير فرع جهاز الإسعاف الطارئ بالكفرة إبراهيم بالحسن، أنه نتيجة للتقلبات الجوية والسيول التي شهدها الجنوب الشرقي وظهرت تبعاتها على المدينة، أقام الجهاز تمركزات لاستقبال البلاغات الطارئة، كما تم إخلاء مستشفى الشهيد عطية الكاسح ونقل (36) حالة إلى مستشفى الهواري القروي، إضافة إلى إخراج عائلة مكونة من (19) شخصاً من منزلهم.

وواصل "بالحسن"، نحن منذ أكثر من ثلاثة أسابيع في حالة طوارئ نتيجة السيول والأمطار القوية التي اجتاحت المدينة، بالتنسيق مع الغرف الأمنية المشكلة داخل البلدية، محصياً حوادث السير التي حدثت للنازحين خلال الأشهر الثلاثة الماضية في الصحراء والتي بلغ عددها (160) حادث سير، كما تم نقل عدد (62) حالة مرضية من المزارع، أما في ما يتعلق بالاحتياجات فإننا بحاجة لسيارات إسعاف أكثر لأن العدد الموجود حالياً بالكاد يغطي أجزاء معينة، وأيضاً زيادة عدد السائقين والمسعفين وتوفير كل الإمكانيات.

دور المنظمات الإنسانية 

تواجه المنظمات الإنسانية صعوبات كبيرة في وصول المساعدات اللازمة للكفرة، ولكن على الرغم من ذلك هناك جهود تبذل، ويظل ما يقدم غير كافٍ لتلبية احتياجات النازحين المتزايدة، فالعديد منهم يعتمد على ما يقدمه السكان المحليون من إعانات لهم سواء كان طعاماً أو مأوى، ولكن في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية في ليبيا بشكل عام تصبح هذه المساعدات غير كافية.       

وتظل الهيئة الليبية للإغاثة- فرع الكفرة تعمل على توفير احتياجات النازحين، حيث قام الفريق الميداني بتوزيع المساعدات الإيوائية المدعمة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR على الأسر النازحة من السودان الموجودين بمزرعة (الابعج) ومزرعة (كريك) بمدينة الكفرة، وقد صرح مدير مشروع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أحمد العبيدي عبر صفحة الهيئة الليبية للإغاثة، بأن عدد المستفيدين من هذه المساعدات بلغ 289 أسرة والأفراد 1588 فردا.

وفي مقابلة مع “جسور بوست” عبرت إحدى النازحات السودانيات عن شكرها وتقديرها لليبيين على استقبالهم للنازحين ومد يد العون لهم ومساعدتهم على جميع المستويات سواء بتقديم الاحتياجات الضرورية من مأكل ومشرب وأغطية وفرش، وكذلك العناية الصحية والطبية، على الرغم من سوء الظروف التي تعيشها ليبيا عامة ومدينة الكفرة بشكل خاص.

التحديات الأمنية 

الكفرة ليست فقط منطقة نائية، بل هي أيضاً منطقة غير مستقرة من الناحية الأمنية، حيث تنتشر بها جماعات مسلحة وعصابات تهريب تعمل بحرية تقريباً في ظل ضعف سيطرة الدولة، وهذا الوضع قد يعرض النازحين لمزيد من الخطر، فقد يتعرضون للخطف أو الابتزاز أو حتى القتل، كما أن الاضطرابات الأمنية تعيق أيضاً جهود المنظمات الإنسانية وتزيد من صعوبة تقديم المساعدات الطبية والغذائية للنازحين.

المعاناة التي يواجهها النازحون السودانيون في الكفرة تتطلب تدخلاً عاجلاً وشاملاً من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية، أيضاً هناك حاجة ملحة لتعزيز البنية التحتية في المدينة وتوفير المساعدات الغذائية والطبية بشكل مستدام، كما يجب أن تكون هناك جهود منسقة لتحسين الظروف المعيشية وتوفير المأوى والرعاية الصحية للنازحين، وتعزيز الحماية القانونية وهذا يتطلب تعاوناً بين السلطات الليبية والمنظمات الدولية لفرض سيادة الدولة وضمان معاملة إنسانية للنازحين.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية