خبراء: خارطة جديدة للطاقة العالمية ترسمها تجاذبات الحرب الروسية الأوكرانية

خبراء: خارطة جديدة للطاقة العالمية ترسمها تجاذبات الحرب الروسية الأوكرانية

أصبحت الوجهة الأبرز للنفط الروسي بعد الحظر الأمريكي الكامل وحظر أوروبا الجزئي، الأسواق الآسيوية، لا سيما السوقين الصيني والهندي، وذلك مع إقرار قمة الاتحاد الأوروبي الاستثنائية في بروكسل، حظرًا تدرجيًا على النفط الروسي ضمن الحزمة السادسة من العقوبات الأوروبية على موسكو، على خلفية حربها في أوكرانيا المتواصلة منذ 100 يوم.

ففي خطوة استباقية، عملت موسكو في المقابل، على تحويل بوصلتها النفطية من القارة الأوروبية التي كانت تستحوذ على أكثر من 50% من صادرات النفط الروسية، نحو قارة آسيا، عبر رفع وتيرة مبيعاتها من الذهب الأسود لبلدانها، وبأسعار تفضيلية مشجعة خاصة إلى العملاقين الهند والصين، اللذين باتا من أهم المستوردين للنفط الروسي. 

وحسب تقارير صحفية، يرى مراقبون أن بكين ونيودلهي ستكونان ربما أكبر مستفيدين من العقوبات الأوروبية على موسكو، عبر حصولهما على احتياجاتهما النفطية المتزايدة من روسيا وبأسعار مخفضة، في ظل التصاعد المتواصل في أسعار الطاقة عالميا على وقع الحرب والعقوبات الغربية. 

وفي المقابل، يشير آخرون إلى أن حظر نفط روسيا ولو جزئيا من قبل الأوروبيين، سينجم عنه بداهة ارتفاع أكبر في أسعار النفط ومشتقاته من المحروقات في أوروبا وحول العالم. 

"جسور بوست" حاورت خبراء للتعليق على انعكاسات هذا التحول على أسواق الطاقة العالمية وعلى توازناتها واستقرارها، وملامح خريطة الطاقة العالمية الجديدة، التي ترسم الآن على وقع تجاذبات الأزمة الأوكرانية.

الحرب ممتدة

قال الخبير الاقتصادي، ورئيس المنتدى الاقتصادي المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، رشاد عبده: "إن ما ترتب على تلك العقوبات أن وجدت توزيعات جديدة لموارد الدول، ولدى روسيا ما لا يتوافر عند الغرب، واضطرت أوروبا إلى هذا الإجراء إرضاء لأمريكا، وهذا أمر غير منطقي، كيف ستعيش ألمانيا على سبيل المثال دون نفط، وما الذي ستفعله أمريكا بهذا الشأن، هي الآن تعاني رفع أسعار البنزين، حتمًا سيتسبب هذا في خسارة الحزب الديمقراطي الانتخابات القادمة، نعم أمريكا تعد أكبر دولة منتجة، لكن تكاليف النقل منها إلى أوروبا مكلفة جدًا، وهذا سيتسبب في رفع الأسعار على الأخيرة المضطرة مؤقتًا لفرض العقوبات تحت ضغط أمريكا، ولكن إلى متى".

وتابع:" الحرب ممتدة، ولدى روسيا سلاح  الغاز تستطيع به محاربة العقوبات لم تستخدمه في بداية الأمر، ولكنها كانت تكون احتياطات مرتفعة من العملات الأجنبية، ثم تأخذ إجراء ضد من يعاديها من الدول، وعليه صنفت الدول إلى صديقة وغير صديقة، وبالفعل فرضت رغبتها وجعلت كل التعاملات معها بالروبل.

ما فعلته روسيا حق بل وتميز، الدولة الجيدة تبحث عن أسواق جديدة، ولن تخسر روسيا حتى إذا قامت بعمل تخفيضات، الصين والهند الحصانان الرابحان في المعركة لشرائهما الغاز بأسعار أقل، وكذلك انتفعت روسيا هي أيضًا، ولم تفلح العقوبات في ردع وتحجيم الاقتصاد الروسي ولكن ثبت عمليًا أن الرابح هو روسيا، كما أنها تتحكم في المواد الغذائية عالميًا".

وتوقع خبير الاقتصاد عدم رفع العقوبات الأمريكية عن روسيا مؤكدًا: "كل ما فعلته أمريكا من وراء كل هذا هو وضع عقوبات، كي يخضع الاقتصاد الروسي ومعه روسيا وتضعفها ثم تتجه إلى الصين من خلال تايوان، لتكون القطب العالمي الوحيد المتحكم في العالم، ربما يكون هناك توافق سلمي أو صفقات ما غير ذلك لا أتوقع".

واستطرد: "الخوف الأوروبي الآن من استمرار تلك الحرب إلى فصل الشتاء، فمن الممكن غلق روسيا تصدير الغاز تمامًا فماذا سيفعلون، هم الآن يفكرون في بدائل كالطاقة الشمسية ومحطات نووية، وستكون النتيجة ارتفاع كبير لأسعار الغاز والنفط ومن معه سيحصل عليه، ولكن الدول الفقيرة لن تستطيع الدفع خاصة في ظل عدم وجود موارد، فستضطر إلى أخذ مزيد من القروض كي توفر احتياجات شعبها، وتدخل في دوامة الدين وخراب على المدى الطويل".

حرب عالمية ثالثة

قال الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات الإستراتيجية، خالد الشافعي: "إن العالم قبل الأزمة الأوكرانية يختلف عما بعدها، فقبل الحرب سار العالم بشكل طبيعي متفق عليه عبر عقود مضت، لكنه الآن يتغير وبخطى سريعة، بالطبع هناك خارطة اقتصادية جديدة ترسم، التكتلات الدولية كذلك اختلفت، فعلى عكس ما توقعت أمريكا وأوروبا من فرض عقوبات على روسيا، لقد أتت ثمار تلك العقوبات على روسيا بينما حصد الغرب تأثيرها السلبي، روسيا ليس لديها مشكلة في توزيع الغاز ولو بأسعار مخفضة، وهو ما استغلته الصين والهند وهما أكبر دولتين في استيراد الغاز، ما حقق تكاملا بين الجهتين، إذن فروسيا لديها المشتري الأجهز والأوفر حظًا بالنسبة للنفط والغاز".

 

وتابع الشافعي: "كانت روسيا تورد غازا بمقدار 40%، تم إيقاف تلك النسبة عن أوروبا، وبالتالي المتأزم هنا أوروبا التي تعد الآن في طور البحث عن بدائل كمصر أو إسرائيل أو الجزائر، وهل مصر لديها القدرة الكافية لتوفير احتياجاتها رغم أنها تعد مصدرًا إقليميًا للطاقة الآن، وهل لدى الجزائر القدرة على تزويدها، أو إحدى الدول الإفريقية المنتجة للغاز قادرة على فعل ذلك، وهل هناك دولة تستطيع تزويد الاتحاد الأوروبي بما يحتاجه من نفط؟".

تسببت تلك العقوبات في ارتفاع سعر البترول والغاز، وضعف أداء بعض محطات الغاز، بينما بدأ البعض في العودة إلى الفحم، فلا خيارات أمام أوروبا سوى إيجاد بدائل، بالإضافة إلى أننا لم نتطرق إلى تداعيات الحرب حال استمرارها أو حال دخول أطراف أخرى في الصراع، هل ستتدخل أمريكا وبولندا وغيرها من الدول، نحن على باب لحرب عالمية ثالثة، الصين تعتبر تايوان جزءا منها، بينما تمد أمريكا تايوان بالأسلحة، العالم على صفيح ساخن، إذا حدث أن فعلت الصين ما فعلته روسيا في أوكرانيا، سنشهد تدخلا أمريكيا مباشرا على الصين".

وعن الدول النامية قال الخبير الاقتصادي: "الدول النامية عليها أن تدرك خطورة هذه الأزمة وتحدث تنمية، العالم الثالث والدول الفقيرة ستظل تعاني، فلا عدالة وليس هناك مؤسسة عالمية قادرة على تحقيق توازن، ولذا ما يفعله الرئيس السيسي في دول إفريقيا من تنمية عظيم وغير مسبوق، فإفريقيا ما زالت كنزا لم يُستغل بعد، وهناك مصادر وموارد ولديها 67% من أراضيها صالحة للزراعة بل أجود الأراضي، هذه الأراضي نستطيع من خلالها إنتاج ما يفي العالم من غذاء، ومع ذلك فإن إفريقيا أول الدول تأثرًا بالأزمة الأوكرانية بدليل أن رئيس الاتحاد الإفريقي ذهب إلى الرئيس الروسي بشأن القمح، لماذا لم يذهب إلى البنك الدولي وبقرض يحدث تنمية حقيقية بل طفرة".

   


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية