"محاصرة الرحمة".. كيف تمنع إسرائيل وصول الأضاحي إلى النازحين في غزة؟

"محاصرة الرحمة".. كيف تمنع إسرائيل وصول الأضاحي إلى النازحين في غزة؟

"العام الماضي وصلت إلينا لحوم الأضاحي فزارنا العيد حينها، لكن هذا العام لا ندري سيزورنا العيد محملًا بلحوم الأضاحي أم سيسفك دمه على أبواب المعابر"؟

هكذا وصفت أميرة شتا من غزة التي نزحت مؤخرًا إلى رفح ومنها إلى دير البلح ما يحدث مع الفلسطينيين، مضيفة وهي تبتسم بدفء تحمله أملًا ثابتًا في قلبها “نحن نعيش في ظروف صعبة وهذه اللحوم كانت نعمة من الله، هذه اللحوم تحمل لنا البركة والحياة، نشعر بأننا جزء من هذا العالم الكبير الذي لم ينسَنا رغم كل شيء”.

رغم هذه البهجة التي تأتي مع كل عيد أضحى، تعترض إسرائيل طريق هذه النعمة الإنسانية. بعد أن كانت تُشكل شعيرة إسلامية مؤكدة ورمزًا للتضحية والتعاون الإنساني، أصبحت الأضاحي محاصرة بين سياسات الحصار الإسرائيلي، الذي يُعتبر جزءًا من سياسات التجويع والموت جوعًا التي تستهدف سكان غزة. 

وتُمثل عراقيل وصول الأضاحي إلى غزة تحديًا حقيقيًا، حيث يُمنع دخول الأنعام المخصصة للأضاحي، ما يجعل من تلك العملية تحديا إنسانيًا متجددًا في كل موسم، فالاحتلال الإسرائيلي يُحاصر هذه اللحوم بحجج أمنية، مما يجعل الأسر الفلسطينية تنتظر بفارغ الصبر وصول هذه النعمة المؤجلة التي تعني الكثير لهم. 

بينما تستمر الأضاحي في توزيعها عبر العالم الإسلامي، يظل أهل غزة ينتظرون الفرج، ويتمسكون بأملهم بالعودة للحياة الكريمة التي يستحقونها. 

بهذا، يبقى التساؤل معلقاً: هل ستتمكن الأضاحي من تجاوز حاجز الحصار لتصل إلى أهل غزة هذا العام؟ 

وهل ستظل تلك النعمة تعترضها عراقيل السياسة، أم ستجد الإرادة الإنسانية طريقاً لتجاوز العوائق وإيصال البركة إلى كل بيت في غزة؟

في خطوة تحمل في طياتها الأمل والرحمة، أعلن بيت الزكاة والصدقات تحت إشراف فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، عن إطلاق حملة "صك الأضحية" لعام 2024 تحت شعار "أرضِ ربَّكَ وأطعمْ مستحقاً". 

تهدف الحملة إلى التيسير على المضحين من داخل مصر وخارجها، وتكليف بيت الزكاة والصدقات بأداء شعيرة الأضحية نيابةً عنهم، لضمان وصول لحومها إلى مستحقيها من الأُسَر الأولى بالرعاية في القرى والنجوع الأشد احتياجًا في أنحاء الجمهورية، وأيضًا إلى الأشقاء الفلسطينيين في غزة. 

تتناغم هذه المبادرة مع مشاريع توزيع لحوم الأضاحي الخاصة بالحجاج، حيث تُجمع اللحوم وتُجهز تحت إشراف لجان شرعية وأطباء بيطريين، لضمان جودتها وصلاحيتها للتوزيع، تمامًا كما تتفجر ينابيع المياه لتروي عطش الأرض القاحلة، تتدفق لحوم الأضاحي لتُشبع جوع المحتاجين، وتنشر الفرح في قلوبهم. 

بيان بيت الزكاة والصدقات، الصادر يوم الأربعاء، أوضح أن قيمة صك اللحوم البلدية من الأبقار والجاموس تبلغ 11,000 جنيه مصري، أو 235 دولارًا أمريكيًا، أو 220 يورو للراغبين في أداء شعيرة الأضحية من خارج مصر، بمتوسط وزن يصل إلى 450 كجم.

أما قيمة صك الأغنام (خروف برقي) فتبلغ 12,500 جنيه مصري، أو 265 دولارًا أمريكيًا، أو 245 يورو، بمتوسط وزن يصل إلى 65 كجم. هذه الأضاحي تُختار بعناية وتُذبح وفق الشروط الشرعية بعد صلاة عيد الأضحى المبارك وتستمر حتى غروب شمس اليوم الرابع للعيد. 

عملية التوزيع تتم بدقة متناهية، حيث يتم تحديد المستحقين من خلال قوائم بحث ميدانية شاملة تغطي جميع أنحاء الجمهورية. 

وفي غزة، يُنتظر أن تحمل القوافل الإغاثية ضمن حملة "أغيثوا غزة" هذه اللحوم، لتصل إلى أيدي العائلات اللاجئة التي أنهكتها الظروف القاسية، تمامًا كما يلوح الفجر بنوره بعد ليلٍ طويل، تأتي هذه اللحوم كنسمة أمل في حياتهم. 

ولكن هل تصل قوافل الأضاحي؟

قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الاثنين الماضي، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يمنع إدخال لحوم الأضاحي لقطاع غزة؛ كجزء من تشديد حرب التجويع التي يمارسها ضد الشعب الفلسطيني.

وأضاف المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في بيان له عبر قناته على تليجرام، أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد إغلاق المعابر وتجويع المواطنين، بحرمانهم من الاستفادة من لحوم الأضاحي، وذلك بعدم إدخال الأنعام المخصصة للأضحية من البقر والغنم والإبل، ما يمنع المواطنين من أداء شعيرة وعبادة يتقربون بها لله، وتطبيق سنة سيدنا إبراهيم عليه السلام.

رغم كل الجهود، تواجه عمليات نقل وتوزيع اللحوم تحديات كبيرة، خاصة في مناطق النزاع والحصار مثل غزة، لكن الإرادة القوية والتنسيق بين مختلف الجهات الإنسانية، يجعل من الممكن التغلب على هذه العقبات.

مسؤولة فلسطينية: الموت جوعا أصبح حالة يومية في قطاع غزة -

لجنة الفتوى تبيح

تلقت لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين استفسارًا حول الحكم الشرعي لتجميد لحوم الأضاحي، وتأخير توزيعها، وإرسالها إلى الأماكن المحتاجة مثل غزة. 

عبر السائلون عن قلقهم إزاء الأوضاع المأساوية في غزة ورغبتهم في معرفة الأحكام الشرعية المرتبطة بهذا المشروع الإنساني. 

وبعد المناقشة والمداولة، قررت أنه يجوز نقل الأضحية، ولو مجمدة أو معبئة، من بلد لآخر إذا كان المنقول إليه أكثر حاجة، وفقًا لرأي جمهور الفقهاء. هذا يبرز بشكل خاص في دول تشهد حروبًا أو مجاعات مثل غزة، حيث الحاجة إلى الطعام والشراب ملحة. 

كما يجوز تجميد لحوم الأضاحي وتعبئتها كوسيلة ادخار، لما في ذلك من حفظ اللحوم بطرق علمية وصحية تطيل مدة صلاحيتها، مما يتيح توزيعها على مدى العام عند الحاجة، ويحقق المصلحة الشرعية في وصول اللحوم إلى أكبر عدد من المحتاجين. 

الأضحية هي سنة مؤكدة وفقًا لجمهور الفقهاء، على عكس رأي أبي حنيفة وبعض المذاهب التي تعتبرها واجبة على الأغنياء، وتشكل الأضحية شعيرة إسلامية عظيمة، ويعظم أجرها عند الله، حيث تأتي يوم القيامة على الصفة التي ذبحت عليها ويقع دمها في مكان من القبول قبل أن يصل إلى الأرض. 

ويجوز ادخار لحوم الأضاحي إلى ما بعد أيام العيد والتشريق بدون حد معين للوقت، كما أخرج البخاري: "كلوا وأطعموا وادخروا".

هذا يتيح تأجيل توزيع اللحوم لشهور وفقًا للمصلحة الشرعية للفقراء والمحتاجين. 

توفر هذه الفتوى إطارًا شرعيًا لمبادرات تجميد لحوم الأضاحي وإرسالها إلى المحتاجين، مما يعزز التضامن الإسلامي ويعكس روح الإحسان والتكافل في مواجهة التحديات الإنسانية.

رحلة البحث عن الأضحية

حقوق معرقلة بفعل فاعل

وعلق الحقوقي الفلسطيني، محمود الحنفي، على الوضع بقوله، إن سكان قطاع غزة  يعيشون تحت واقع صعب ومعاناة متواصلة بفعل القصف والحصار الإسرائيلي الذي يفرض عليهم منذ سنوات طويلة، زادت شدته مع الحرب الأخيرة، ما يحدث يمثل انتهاكًا فادحًا لحقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك حق الوصول إلى الموارد الغذائية والضروريات الأساسية، وتعد عرقلة وصول الأضاحي إلى سكان غزة في عيد الأضحى خرقًا للقوانين الإنسانية الدولية، والأضحية في الإسلام ليست مجرد عبادة دينية، بل هي أساسية للكثير من الأسر لتأمين غذاء كافٍ خلال هذا العيد المبارك، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يفرض قيودًا شديدة على دخول الأضاحي إلى غزة، مما يجعل الكثير من الأسر غير قادرة على إحياء هذه الشعيرة بالطريقة التقليدية والمأمولة. 

وتابع الحنفي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، دور المجتمع الدولي والقانون الدولي أصبحا أساسيين في التصدي لتلك العراقيل وحماية حقوق الإنسان لسكان غزة، ينبغي للمجتمع الدولي أن يتخذ إجراءات فورية لضمان حق سكان غزة في إحياء عيدهم الديني بكرامة وحرية، وذلك من خلال ممارسة الضغط الدبلوماسي على إسرائيل لفتح المعابر والسماح بدخول الأضاحي بشكل آمن ومنظم. 

وتابع، القانون الدولي يحظى بأهمية كبرى في هذا السياق، حيث ينص على حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يجب أن تكون محمية لجميع الأفراد بغض النظر عن الظروف السياسية أو الدينية، يجب على المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية التأكيد على التزام إسرائيل بالقوانين الدولية ووقف جميع الإجراءات القمعية التي تؤثر سلبًا على سكان غزة، تجاهل هذه القضية يمثل إقرارًا غير مباشر بالانتهاكات الحقوقية والإنسانية التي يعاني منها سكان غزة، ويجب على المجتمع الدولي أن يعمل جماعيًا لتحقيق العدالة والكرامة لهؤلاء الأشخاص في هذا الوقت الخاص وكل الأوقات. 

وأتم، حقوق الإنسان هي الأساس الذي يجب أن يرتكز عليه كل تصرف دولي وقرار سياسي، وعلى الدول والمنظمات الدولية أن تتخذ خطوات فورية وفعالة لضمان حق سكان غزة في إحياء شعيرتهم الدينية بحرية وكرامة تحت رعاية القانون الدولي.

الحنفي لـ

أهمية وصول الأضاحي إلى المحاصرين في غزة

بدورها، علقت آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر بقولها: في كل عام، يأتي عيد الأضحى المبارك ليذكرنا بالتضحية والإحسان، ولكن في ظل الحصار الإسرائيلي المُفرط، يواجه أهل غزة ورفح تحديات كبيرة في استقبال هذه البركة الدينية، يشكل وصول الأضاحي إلى هؤلاء المحاصرين مصدرًا للأمل والتسامح، وهذا ما يعكس قيم الإنسانية والتعاون التي تعلو فوق القيود السياسية والحصارات الظالمة، في الإسلام، تُعد شعيرة الأضحية تعبيرًا عن التضحية والتعاون، وتجسيدًا للإيمان بقدرة الله عز وجل على تخفيف معاناة الفقراء والمحتاجين. 

وتابعت في تصريحات لـ"جسور بوست"، إدخال الأضاحي إلى غزة ورفح يعزز من الروحانية الإسلامية ويؤكد أهمية العمل الإنساني في وجه الصعوبات الكبيرة، فالتضحية بالأضحية ليست مجرد شعيرة، بل هي فرصة لتوحيد الجهود لنشر الخير وإسعاد الآخرين ومع ذلك، تقف العقبات من الجانب الإسرائيلي كحاجز يحول دون وصول تلك النعمة إلى أهلها في غزة ورفح، ويتمثل هذا في إغلاق المعابر ومنع دخول الأنعام المخصصة للأضاحي، ما يجعل من وصول الأضاحي تحديًا إنسانيًا ودينيًا يحتاج إلى حلول عاجلة وعمل دولي مشترك لإزالة هذه العقبات الظالمة. 

واسترسلت، إن منظورنا الديني يدعو إلى التسامح والإحسان، ولذلك فإن تقديم الأضاحي إلى المحاصرين في غزة ورفح يعد واجبًا إنسانيًا ودينيًا في الوقت نفسه، فالإسلام يعلمنا أن العمل الخيري وتقديم النفع للمحتاجين هو جزء من عبادتنا ومسؤوليتنا الاجتماعية، وهذا يتطلب منا كمسلمين وكأفراد في مجتمع دولي أن نقف متحدين لمواجهة الظلم والحصارات. 

وأتمت، ندعو إلى فتح المعابر وتسهيل دخول الأضاحي إلى غزة ورفح، وذلك ليس فقط لأنها حق مشروع ولكن لأنها تمثل رمزًا للأمل والعزم على الحياة الكريمة والإنسانية، إن تجاوز العقبات السياسية لتحقيق العدالة والتسامح هو ما يحتاج إليه العالم في هذه الأوقات الصعبة.

الدكتورة أمنة نصير فى حوار لـ«المصرى اليوم »: لا صدام بين الأزهر والدولة..  و«ما تتعشموش» فى تجديد الخطاب الدينى

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية