خبراء: الإقصاء الأممي لإيران من مؤسساتها ورقة ضغط جديدة لوقف انتهاكات حقوق الإنسان

خبراء: الإقصاء الأممي لإيران من مؤسساتها ورقة ضغط جديدة لوقف انتهاكات حقوق الإنسان

 منذ عقود والمجتمع الإيراني يشهد تطورات كبيرة على ساحته الاجتماعية والفكرية، وأدت القبضة الحديدية وهوية متعصبة فرضتها السلطة، إلى وجود صراعات بين أفكار الشباب وبين الكبار، وكذلك صراعات بين مختلف التيارات التي تتنافس من أجل السيطرة، والتمكين داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وفي خطوة غير مسبوقة، صوتت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، الأربعاء، على إزالة إيران من هيئة حقوق المرأة التابعة للأمم المتحدة بسبب التزامها بسياسات تتعارض مع حقوق النساء والفتيات، التي تم تسليط الضوء عليها وسط الاحتجاجات المستمرة في إيران بعد وفاة مهسا أميني.

ويرى محللون أن الاحتجاجات الحالية التي تشهدها إيران مختلفة، شكلاً ومضموناً، عن تلك التي سبقتها في الأعوام السابقة، وذلك لاعتبارات عديدة، أبرزها، نجاح هذه الاحتجاجات في كسر حواجز القطيعة التي كرّسها النظام الإيراني بين مكونات الشعب الإيراني؛ فللمرة الأولى في إيران، منذ عام 2009، يشترك في الاحتجاجات الشعبية عدة أعراق أو قوميات إيرانية، لكن لا يزال من المبكر -وفق الخبراء- تقدير نتائج هذه الموجة من الاحتجاجات، واتجاهاتها المستقبلية.

في ظل ضغوط داخلية وخارجية، ترصد "جسور بوست"، تبعات القرار على الشؤون الإيرانية وموقفها منه.


5647899963325698.jpg

إقصاء بالأغلبية

في إجراء حاسم ورادع، صوت تسعة وعشرون عضوًا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة لصالح قرار اقترحته الولايات المتحدة "بإزالة جمهورية إيران الإسلامية فورًا من لجنة وضع المرأة للفترة المتبقية من عام 2022- 2026".  

وصوتت ثماني دول أعضاء ضد القرار، مع امتناع 16 عضوًا عن التصويت، وقالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، في بيان أمام المجلس: "لقد ناشدت النساء والناشطات، الأمم المتحدة، لتقديم الدعم، لقد قدمن طلبهن إلينا بصوت عالٍ وواضح: إخراج إيران من المفوضية بسبب وضع المرأة". 

وأضافت توماس غرينفيلد: "السبب واضح: اللجنة هي الهيئة الرئيسية للأمم المتحدة لتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، ولا يمكنها القيام بعملها المهم إذا تم تقويضها من الداخل، عضوية إيران في هذه اللحظة هي وصمة عار بشعة على مصداقية اللجنة".

 وكانت إيران قد بدأت للتو ولاية مدتها أربع سنوات في لجنة الأمم المتحدة المكونة من 45 عضوًا حول وضع المرأة، والتي تهدف إلى النضال من أجل المساواة بين الجنسين في جميع أنحاء العالم.


364649787974131313145645645.jpg

تنديد إيراني

كمعظم ردودها على مثل هذه العقوبات، نددت إيران بالقرار الأمريكي الذي اقترحته، ووصفته بأنه "طلب غير قانوني"، وقالت إنه يضعف سيادة القانون في الأمم المتحدة. 

وقال سفير إيران والمندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إرفاني، إن قرار إبعاد إيران جاء على أساس "مزاعم لا أساس لها وحجج ملفقة باستخدام روايات مزيفة"، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، الأربعاء. 

وقالت ممثلة للوفد الإيراني بعد التصويت: "رحلة الألف كذبة تبدأ بخطوة واحدة"، مضيفة ردًا على الولايات المتحدة أنه "هذه الرحلة التي بدأتها الولايات المتحدة يمكن أن تستمر من خلال استهداف أي دول أعضاء أخرى ليس فقط بشأن حقوق المرأة ولكن أي مسائل أخرى". 

ذكرت الممثلة أن "جهود إيران لتعزيز وحماية حقوق المرأة" مدفوعة "بالثقافة الغنية والدستور الراسخ في البلاد"، وعلى هذا النحو يُظهر أن إيران "مجتمع تقدمي يأخذ في الاعتبار الاحتياجات ويستمع إلى أصوات نسائها وفتياتها بشغف"، مشيرة إلى أنها تسعى جاهدة نحو مستقبل أفضل لنساء إيران وفتياتها.

وأضافت أن "وفدي يدين أي تسييس لحقوق المرأة ويرفض جميع الاتهامات الموجهة على وجه الخصوص من قبل الولايات المتحدة وبعض أعضاء الاتحاد الأوروبي". 

خطوة مرحب بها

رداً على أنباء إبعاد إيران عن الهيئة، قال مدير قسم الأمم المتحدة في منظمة (هيومن رايتس ووتش)، لويس شاربونو، إنها "خطوة مرحب بها"، لكنه قال إن "الإجراءات المبررة اليوم من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بعيدة كل البعد عن المساءلة الحقيقية لأولئك المسؤولين عن العنف المميت الذي مارسته قوات الأمن ضد المتظاهرين بعد مقتل مهسا أميني، بينهم العديد من النساء والفتيات، وإعدام المتظاهرين بعد محاكمات متسرعة غير عادلة". 

وقال شاربونو في تصريحات إعلامية، إن "المطلوب هو ضغط منسق عاجل على إيران لإنهاء حملتها العنيفة، والمحاكمات ذات المصداقية للأفراد المسؤولين مباشرة عن هذه الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان، ووضع حد للتمييز الشديد ضد المرأة". 

32132164598789788989877897898.jpg

ضغوط لإضعاف إيران

بدوره، قال رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسيات الإيرانية الدكتور محمد محسن أبوالنور، إن هذه الخطوة تأتي في سبيل الضغط على إيران في الملف النووي، وحاولت الولايات المتحدة الأمريكية الضغط على إيران من خلال ملفات مختلفة، على اعتبار أن الأخيرة لم تستجب لمطالب الأولى بالعودة إلى الجولة التاسعة (الأخيرة) من مفاوضات فيينا الخاصة بمحاولة إعادة إحياء الاتفاق النووي، ولذا استخدمت أمريكا نفوذها وقامت بإقصاء إيران من بعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة، وقد نددت إيران بذلك أكثر من مرة.

وعن تبعات القرار، أضاف الخبير في الشأن الإيراني في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست": يستهدف إقصاء إيران كذلك تقوية الأصوات المتظاهرة الداخلية المنتفضة ضد النظام الإيراني منذ 16 سبتمبر احتجاجًا على مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني وآخرين.

وأشار إلى أن هذا القرار رمزي ولا يمكن تجاهل آثاره السياسية على وضع إيران، كذلك فإن قوة إيران الدبلوماسية في المحافل الدولية ضعيفة، فهي لم تُنتخب عضوًا في الأمم المتحدة أو في مجلس الأمن إلا مرة واحدة في تاريخها عام 65، على عكس مصر مثلا التي انتخبت 6 مرات، ولذا تحاول إيران تعويض هذا الضعف بلعبها أدواراً إقليمية عظمى في سوريا والعراق واليمن.

وأشار إلى أن الدول الأعضاء في هذه المنظمة، تصادق بعضها بعضا بناء على العضويات الكثيرة في مثل هذه المنظمات، وضرب أبوالنور مثالًا ببريطانيا التي يمثل لها إقصاء إيران نقطة قوة في مواجهتها للصراع الدائر مع إيران، لا سيما أن إيران مؤخرًا أقرت حزمة عقوبات واسعة على بريطانيا وجمدت أصولا بريطانية كثيرة في إيران، كما منعت بعض الشخصيات البريطانية من دخول إيران مدى الحياة، وعليه هذا قرار يخدم بريطانيا، كذلك هناك تبعات أخرى متعلقة بمراقبة النشاط النووي الإيراني، فهناك ما يُعرف بـ"مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية" وهذا المجلس مكون من 35 دولة، هذه الدول على النقيض من إيران، ووقعت عقوبات عليها لسببين، الأول ضحايا الطائرة الأوكرانية في يناير 2022 التي ضربتها إيران بالصواريخ، والثاني عقوبات بسبب مقتل مهسا ونحو 400 شخص في إيران وإعدام آخرين.

321236544797979788789845.jpg

واستطرد في حديثه: العقوبات الواقعة على إيران تبدأ من إقصائها من المنظمات الدولية إلى تجميد أصول إيرانية في دول أخرى منها أصولها الثمانية المجمدة في بنوك كبرى في الدول المتعاملة معها نفطيًا ككوريا الجنوبية، والصين، والهند، والعراق، وتركيا وغيرها، فمثل هذه الدول قد تنجح في تجميد المزيد من أرصدة إيران، وعليه تمنعها من الحصول على عوائد وفوائد الأموال، وضرب أبوالنور مثالًا بأموال إيران داخل كوريا الجنوبية البالغة 8 مليارات دولار تقريبًا، والتي تدعي إيران استخدام عوائد تلك الأموال في ملفات مهمة كالصحة والتعليم، وهذا غير صحيح حيث تستخدمها في الإنفاق على المشاريع الخارجية كتمويل الميليشيات الموجودة في ماليزيا والصين والجماعات المسلحة الموجودة في سوريا والعراق واليمن، مثل هذا الإقصاء يضعف من الوجود الإيراني داخل المحافل الدولية على المدى البعيد.

واستبعد أبوالنور لجوء إيران إلى رد فعل عنيف تجاه المصالح الغربية على أي مستوى لانشغالها بالمظاهرات الحالية، متوقعًا العكس من حيث لجوئها إلى مفاوضات سرية مع الأطراف الدولية من أجل الحصول على مكاسب دولية، في مقابل الإفراج عن معتقلين في سجون إيران، أو تقليل هامش الوجود في بعض الملفات مثل الملف اليمني الأقل أهمية بالنسبة لإيران.

لا بديل عن التراجع وتعديل سلوكها

من جانبه، أوضح الخبير في الشؤون الإيرانية، محمد شعت، أن هذا القرار جاء ردًا على الانتهاكات التي تمارسها إيران تجاه حقوق الإنسان، خاصة حقوق المرأة، وليس أمام إيران سوى التراجع وتعديل سلوكها، فما حدث من تضامن المجتمع الدولي والزخم الذي حظيت به قضية مهسا أميني كان بمثابة حراك قوي حرّك المياه الراكدة في ظل ما يعيشه الشعب الإيراني من معاناة واضطهاد.

أضاف الخبير في الشؤون الإيرانية، في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، ما حدث ما هو إلا تضييق من المجتمع الدولي على إيران في ظل التجاوزات المرتكبة في كل المجالات وليس فقط حقوق المرأة فقط، المجتمع الدولي لديه تحفظات قوية على السلوك الإيراني داخليًا وخارجيًا، وهناك توترات كبيرة بين إيران والعديد من الدول، خاصة دول الاتحاد الأوروبي التي حاولت كثيرًا تقريب وجهات النظر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن السلوك الإيراني كان محرجًا للاتحاد الأوروبي.ردف، اضطر المجتمع الدولي على إجبار إيران على الاستجابة إلى المطالب الداخلية لديها وتحسين أوضاع المرأة، خاصة أن الجيل الجديد يرفض العقلية الحاكمة والممارسات الإيرانية، وليس لدى إيران سوى تحقيق مطالب شعبها.

وأتم: ربما كان لإيران كروت ضغط على المجتمع الدولي من خلال مشاريعها في بعض الدول كمحاولة لتخفيف ما عليها من ضغوط.

مظاهرات وصراعات إيران

كان مقتل الشابة مهسا أميني، في السادس عشر من سبتمبر الماضي أثناء وجودها قيد الاعتقال، كالقشة التي قسمت ظهر البعير.

فالمعروف عن إيران ارتكابها تجاوزات كثيرة بحق مواطنيها، إلّا أن مقتل الشابة بتهمة مخالفة قوانين الحجاب، أشعل في إيران مظاهرة ضد الحكومة الإيرانية وما لبثت أن اتسعت المظاهرات لتشمل مختلف المدن الكردية لتمتد إلى الكثير من المدن الإيرانية مطالبة بالحرية وإنهاء حكم رجال الدين. 

ورغم مقتل مئات المتظاهرين واعتقال الآلاف منهم وممارسة كل أشكال العنف والقمع ضد المتظاهرين والمعتقلين، لم تتوقف المظاهرات وخاصة في المناطق الكردية التي قتل فيها العشرات من المتظاهرين وبينهم العديد من الأطفال. 

ولجأت الحكومة الإيرانية مؤخراً إلى نشر عدد كبير من الحرس الثوري الإيراني في المدن الكردية، معززين بأسلحة ثقيلة في محاولة لإخماد التظاهرات والاحتجاجات المستمرة منذ مقتل مهسا أميني. 

كما قام الرئيس الإيراني بزيارة مدينة سنندج في محافظة كردستان إيران في محاولة لتهدئة الأوضاع وتعهد بحل المشكلات التي تواجه المنطقة.

واتهمت الحكومة الإيرانية الأحزاب الكردية بإثارة القلاقل والاضطرابات وإضعاف الحكومة الإيرانية.

وشنت إيران عدداً من الهجمات الصاروخية بواسطة طائرات مسيرة ضد قواعد ومقرات الأحزاب الكردية الإيرانية في إقليم كردستان العراق، وهي: الحزب الديمقراطي الكردستاني- إيران، وحزب كادحي كردستان- كوملة، وحزب الحياة الحرة الكردستاني- بجاك.

وأدت الهجمات إلى مقتل عدد من المدنيين وإلحاق دمار واسع بمقرات وقواعد هذا الأحزاب.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية