نسجت اليابان عبقريتها بخيوط الأخلاق

نسجت اليابان عبقريتها بخيوط الأخلاق


مسئول ياباني بارز توبخه أمه، بسبب وضع يديه في جيوبه أثناء رحلة رسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واعتذر "سيغي كيهار" عن فعلته، ويشغل نائب رئيس الوزراء الياباني، وصرح بتوبيخ والدته له، التي أخبرته عن خجلها من فعلته.

الاعتذار بين أهل اليابان علنًا ليس أمرًا مستغربًا، فإذا أنتويت الأقامة في ديارها عليك أن تتقن فن الاعتذار، وتحفظ عبارة "سومي ماسين" وترجمتها معذرة، وأنت خلال تجوالك في شوارعها ستتردد كثيرًا على أذنيك.

عشرون وسيلة اعتذار يعبر بها اليابانيون، مما يعني أنها ثقافة لها أدبياتها في الحضارة اليابانية، قد تظن خطأ أنه امتهان وإنكار لذواتهم مبالغ فيه، ويعود ذلك بفضل ترسيخهم لمبادئ الأخلاق في مناهجهم التعليمية كمادة دراسية إلزامية، ولا يقتصر الأمر على تدريسها، وإنما يجري ترجمتها عمليًا عبر السنوات الدراسية الإلزامية.

هذا لا ينفي وجود جرائم يرتكبها البعض منهم، فهم بشر، وطبقًا لإحصائيات الأمم المتحدة معدلات جرائمها ضئيلة مقارنة بدول أوروبا وأمريكا، ولذا تستحق وصف بلد الأمن والأمان، ويرصد التاريخ ولادة عبقرية نهضتها من رحم منظومتها الأخلاقية التربوية، فقد نسجت هذه المنظومة خيوطًا بين طيات ثوبها العلمي التجريبي، وشكلت مثلثًا قيميًا رفعها خلال بضع عقود مكانًا عليًا.

والشاهد في سيرة اليابان أن سياستها التعليمية ترتكز إلى غرس مفاهيم التربية السليمة وارتباطها ببناء الشخصية اليابانية منذ الصغر، فالتعليم في الصغر كالنقش على الحجر، ولا يلزم الإنسان التعامل بالأمانة في موقعه سوى ضميره الأخلاقي، ويعتاد على فعل هذا لا ينتظر جزاءً ولا شكورًا.

حين يتجنب أي مجتمع تأصيل الأخلاق في ثقافة تعاملاته، خاصة مع بدء السنوات الأولى لأبنائه، فلابد من ظهور تصدعات وشروخ في لحمته، ويتغلب المنهج العلمي على فكره وسلوكه، مما يفقده الكثير من مكانته وتقدمه، ويصيبه بزعزعة استقراره الأمني، وتكرار قتل الطلبة والأطفال في مدارس الولايات المتحدة صورة كربونية لغلبة المنهج العلمي على زراعة ثقافة الأخلاق في نفوس الأجيال.

شهد العقد الماضي فقط في الولايات المتحدة 948 حادث إطلاق نار داخل المدارس، وسجلت الجهات الأمنية الأمريكية في الشهور الأخيرة وقوع 690 جريمة إطلاق نار جماعي، ويموت 12 طفلًا يوميًا من جراء هذا الإطلاق الجنوني للنار، فالمجتمع الأمريكي منكفئ على جني الاستثمارات والأرباح، ويعمل ليلاً ونهارًا ويطور برامجه التقنية سعيًا لهذا الغرض لا غير.

وبناء عليه لا يهم صُنّاع وتجار السلاح من انتشاره بين أيدي أبناء وطنهم، ويفرضون منطقهم البرجماتي على مشرعي القانون، وهذا أثر واحد من إفرازات إصابته بالانحلال الأخلاقي، حسب ما ذكره "باتريك بوكانان"، الذي عمل مستشارًا لثلاثة رؤساء أمريكيين، وقال في كتابه موت الغرب: إن الجواب يكمن في النتائج المميتة لهذه الثقافة الغربية والمتمثلة في الموت الأخلاقي.


نقلا عن بوابة الأهرام


كاتب المقال: حسين خيري


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية