تقرير: تراجع الخصوبة بالدول الغنية يقلب سياسات الهجرة رأساً على عقب

تقرير: تراجع الخصوبة بالدول الغنية يقلب سياسات الهجرة رأساً على عقب

يتطلب الانخفاض المستمر لمعدلات الخصوبة في العالم وبخاصة في الدول الغنية ثورة في سياسات الهجرة العالمية للتعامل مع تداعياته، خاصة مع تزايد الضغوط على موارد صناديق التقاعد في تلك الدول نتيجة ارتفاع متوسط الأعمار وزيادة نسبة المسنين في المجتمعات .

وبحسب تقرير نشرته وكالة بلومبرج للأنباء، قال الأكاديمي الأمريكي تايلور كوين إن بعض الدول تستطيع الإبقاء على القيود المتشددة نسبيا على الهجرة إليها لفترة من الوقت، لكن في تلك الدول سيتراجع عدد سكانها باطّراد، مع استمرار زيادة الأعباء الضريبية على الشباب، بهدف تمويل الإنفاق على التقاعد والرعاية الصحية للمسنين.. وتعني زيادة الضرائب تدهور مستوى المعيشة وربما تؤدي إلى تدهور أكبر لمعدلات الخصوبة فيها.

ويحذر كوين، أستاذ كرسي هولبرت هاريس في قسم الاقتصاد بجامعة جورج ماسون الأمريكية، من أنه بمجرد دخول أي دولة دائرة "سكان أقل وضرائب أعلى" ستصبح أقل جاذبية للمهاجرين الجدد.. فإذا كان الشاب يفكر في مغادرة بلاده فإنه سيختار بالتأكيد السفر إلى دولة غنية ذات ضرائب أقل وليس إلى الدولة الغنية التي تفرض ضرائب عالية، خاصة إذا كانت تلك الدولة ذات الضرائب العالية لديها تاريخ طويل في رفض الأجانب. علاوة على ذلك فإنه مع ارتفاع نسبة المسنين في تلك الدول قد تصبح الحياة فيها أكثر مللا بالنسبة للشباب على الأقل.

ويضيف تايلور الذي يدير بالاشتراك مع أليكس تاباروك مدونة "الثورة الهامشية" المتخصصة في موضوعات الاقتصاد أن الخطر يكمن في أن الدول التي تتبنى سياسات أكثر تشديدا على الهجرة، ستعاني من نتائج الهجرة المنخفضة في المستقبل المنظور سواء أحبت ذلك أم لا.

في الوقت نفسه، من الصعب القول متى ستصل الأمور إلى نقطة اللاعودة، لكن هناك حجة أخرى يمكن الاستناد إليها للسماح بالمزيد من المهاجرين اليوم.. فقبول المزيد منهم اليوم هو استثمار في خلق جيل جديد من الآن، ستحتاج إليه هذه الدول بالفعل.. على سبيل المثال ستكون كندا أو أستراليا وهما من الدول التي تتبنى سياسات هجرة منفتحة نسبيا، في موقف قوي نسبيا لاجتذاب الأجانب الأكثر إنتاجية بعد عشرين عاما من الآن عندما تتنافس الدول الغنية على استقطاب المزيد من المهاجرين الجدد.

ويمكن أن يزداد خطر الخروج من منافسة استقطاب المهاجرين بالنسبة للدول الأصغر مثل الدنمارك ونيوزيلندا.. وستظل الولايات المتحدة بأجورها المرتفعة وسوقها الداخلية الضخمة قادرة على جذب المهاجرين، حتى إذا لم تكن آليات الهجرة فيها لا تعامل المهاجرين بطريقة جيدة.. لكن البرتغال التي تعاني بالفعل من تراجع عدد سكانها لا يمكنها الاعتماد على المزايا التنافسية نفسها.

وبشكل عام ستكون الدول الغنية التي تتحدث لغات منتشرة عالميا أو كانت قوى استعمارية قديمة ولديها سوقا داخلية مفتوحة أكثر قدرة على جذب المهاجرين الجدد.

كل هذه العوامل تعزز التفاؤل بمستقبل بريطانيا والتي رغم مشكلاتها الاقتصادية والإنتاجية الحالية، فإنها أقدر على جذب المهاجرين في المستقبل، ومع تدهور معدلات الخصوبة للمواطنين الأصليين ستصبح هذه الميزة أكثر أهمية، في المقابل فإن المستقبل يبدو أشد قتامة بالنسبة لدول أوروبية أخرى مثل سلوفينيا وكرواتيا واليونان، وأسوأ كثيرا بالنسبة للمجتمعات المنغلقة مثل إيران.

وفي الوقت نفسه فإن الحاجة إلى استقطاب المزيد من المهاجرين قد تؤدي إلى تغييرات اجتماعية واقتصادية؛ فبعض الدول الأصغر قد تضطر لجعل اللغة الإنجليزية لغة رسمية ثانية لديها على سبيل المثال، أو تشجع على استخدام اللغة الإنجليزية في أماكن العمل.

وتعتبر السويد من الدول سيئة التعامل مع سياسة الهجرة× فمهما كانت الأسباب، يعتبر المهاجرون في السويد أقل اندماجا وأكثر إثارة للمشكلات من هؤلاء المهاجرين في سويسرا، التي تضم نسبة كبيرة من المواليد الجدد من غير المواطنين الأصليين، وهذا أمر مؤسف، لكن يمكن أن تصبح سياسات الهجرة السويدية أفضل بعد 20 عاما من الآن، إذا حافظت على نظامها العام شبه المتوازن في معاملة المهاجرين.

الموقف قد يزداد سوءا على المدى الأطول؛ فالدول والمناطق كثيرة السكان حاليا، مثل الهند والدول الإفريقية، يمكن أن تعاني خلال 100 من تراجع عدد سكانها، وفي هذه الحالة قد تفرض قيودا أو ضرائب أو غرامات على مواطنيها الذين يريدون الهجرة منها، فمغادرة مواطني بوركينا فاسو إلى نيجيريا قد يصبح صعبا، حتى إذا كانت نيجيريا ترحب بالمهاجرين.. معنى هذا أن العالم الجديد الذي يشتد فيه التنافس على استقطاب المهاجرين سيغير الكثير من المعايير البديهية، وسيقلب سياسة الهجرة رأسا على عقب.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية