حقوقي مصري لـ«جسور بوست»: غياب العدالة الانتقالية مسؤولية مشتركة بين الحركة السياسية والدولة

حقوقي مصري لـ«جسور بوست»: غياب العدالة الانتقالية مسؤولية مشتركة بين الحركة السياسية والدولة

تحرك إيجابي في الملف الحقوقي لكن ما زالت هناك ملفات تحتاج لإصلاح، أبرزها أوضاع السجناء وإجراءات الحبس الاحتياطي

مفهوم العدالة الانتقالية يأتي في مرتبة متأخرة من أولويات الحركة السياسية   

إطلاق مبادرة بصياغة ميثاق شرف أو إعداد وثيقة مبادئ لتقديمها إلى الرئيس القادم تتضمن تقييم الأوضاع وخارطة طريق للمسار السياسي

الرئيس القادم مطالب بإجراء إصلاحات سياسية تتعلق بالحقوقِ والحريات العامة وإنصاف المهمشين والفئات الهشة

 

على مدى قرابة عام ونصف العام، دبت حالة من الحراك في الحياة السياسية بمصر، عقب الإعلان عن إعادة تشكيل لجنة العفو عن السجناء وانطلاق حوار وطني يجمع التيارات والأيديولوجيات السياسية كافة.

وفي أبريل 2022، دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى إجراء حوار بهدف التأسيس لـ"وطن يتسع الجميع"، فيما أطلق سراح مئات السجناء بقرارات قضائية وعفو رئاسي، أبرزهم المعارضون أحمد دومة وزياد العليمي ويحيى حسين ومجدي قرقر وحسام مؤنس وغيرهم.

وعلى مدى سنوات، واجهت مصر انتقادات دولية جراء تقييد مجال العمل العام وحبس معارضين سياسيين وخفض هامش الحريات الإعلامية، رغم تأكيد السلطات مرارا التزامها بالقانون والدستور.

وخلال الأسابيع المقبلة، تترقب مصر الإعلان عن حزمة الإجراءات والتجهيزات اللازمة استعدادا لإجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات (رسمية) دراسة المواعيد القانونية لإجراء الانتخابات، وتنقيح قاعدة بيانات الناخبين وتحديثها، والسماح لمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المحلية والأجنبية بتغطية الانتخابات، إضافة إلى توفير الاستعدادات اللوجستية.

ووفق الدستور المصري، تتولى الهيئة الوطنية للانتخابات إدارة الاستحقاقات الانتخابية كافة، بدءا من إعداد قاعدة بيانات الناخبين وتحديثها، واقتراح تقسيم الدوائر، وتحديد ضوابط الدعاية والتمويل، والإنفاق الانتخابي، والرقابة عليها، وتيسير إجراءات تصويت المصريين المقيمين في الخارج حتى إعلان النتائج.

وغلب على الولاية الأولى (2014- 2018) للرئيس السيسي شعار "مصر تحارب الإرهاب"، عقب عمليات إرهابية وتخريبية واسعة تزامنت مع التخلص من حكم جماعة الإخوان المسلمين منتصف عام 2013.

فيما انصب الاهتمام الرئاسي في الولاية الثانية (2018- 2024) على المشروعات الاقتصادية الكبرى، وشبكة واسعة من الطرق والكباري، وتأسيس جيل جديد من المدن المتطورة.

وتأتي الانتخابات الرئاسية المقبلة، وسط متغيرات سياسية محلية ودولية معقدة، تتأثر بمعظمها بأوضاع اقتصادية ومعيشية متردية وارتفاع غير مسبوق للأسعار على وقع تفشي فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

وتلك التحديات الصعبة تواجه عدة مرشحين رئاسيين محتملين، أبرزهم على الإطلاق الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي والذي يخوض الانتخابات لولاية ثالثة (2024- 2030) بجانب المعارض اليساري أحمد طنطاوي.

وعن أبرز ضمانات إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة ومطالب الحركة الحقوقية ومجمل الأوضاع المتعلقة بالحقوق والحريات العامة في البلاد، حاورت "جسور بوست"، محمود قنديل، الخبير الحقوقي البارز وعضو مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان بمصر. 

الخبير الحقوقي محمود قنديل

برأيك ما أهم الضمانات الواجب توافرها لإجراء انتخابات رئاسية تتسم بالشفافية والنزاهة في ظل الظروف والأوضاع الحالية؟ 

من الناحية الإجرائية بشكل عام، هناك قواعد وشروط دستورية تنظم عملية الانتخابات الرئاسية، لتوافر ضمانات النزاهة والشفافية وفرص متكافئة لجميع المرشحين، إضافة إلى حزمة إجراءات تضمن عدم التلاعب بأصوات الناخبين، وتحديد مواعيد واضحة لمراحل عملية الاقتراع كافة، وإجراءات الطعون أو التظلم، وكذلك شروط وقواعد السماح لمنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية للمراقبة على الانتخابات، والسماح لوسائل الإعلام المحلية والأجنبية بمتابعة جميع المراحل بشكل منضبط ودقيق.

وتنظم الهيئة الوطنية العليا للانتخابات جميع الإجراءات والقواعد والمعايير، لتمكين كل المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام من مراقبة ومتابعة مراحل الاقتراع كافة، وكذلك الرد على جميع الاستفسارات بشأن ذلك، أما من الناحية العملية فيلزم توافر إرادة سياسية بإجراءات انتخابات حرة ونزيهة، وحظر استغلال دور العبادة الإسلامية والمسيحية في الدعاية الانتخابية، وعدم انحياز المؤسسات الحكومية في التعامل مع جميع المرشحين.

ما تقييمك للشروط التي حددتها الهيئة العليا للانتخابات بشأن مراقبة منظمات المجتمع المدني للعملية الانتخابية؟ 

الشروط والقواعد المجردة ليست أزمة منظمات المجتمع المدني، فجميعها المحلي والدولي منها يلتزم بها التزاما حرفيا، ولكن المشكلة تكمن في توقيت الإعلان عن قائمة المنظمات التي ستراقب الانتخابات، حيث عادة ما تعلن الهيئة العليا للانتخابات عن موعد استلام تصاريح المراقبة للمنظمات عشية إجراء الانتخابات، ما يقطع الطريق نهائيا أمام المنظمات المحلية والدولية المرفوضة أو المستبعدة من التظلم أو استكمال الأوراق التي تنقصها، وهذا يعد إجراءً غير منصف، وكذلك الحال مع وسائل الإعلام حيث يتم منع البعض من الحصول على المعلومات ومتابعة اللجان من الداخل بإجراءات أمنية دون قرارات واضحة.

وحدد قرار 22 لسنة 2019 الشروط التي يجب توافرها في منظمات المجتمع المدني المحلية لقبول متابعتها للانتخابات وهي:

- أن تكون حسنة السمعة مشهودا لها بالحيادية والنزاهة.

- أن تكون من أنشطتها الرئيسية مجالات متابعة الانتخابات أو دعم الديمقراطية أو حقوق الإنسان.

- أن يكون مندوبو تلك المنظمات الراغبون في متابعة الانتخابات والاستفتاءات من المقيدين بقاعدة بيانات الناخبين.

وبالنسبة للمستندات الواجب إرفاقها بطلب متابعة الانتخابات فهي:

- صورة طبق الأصل من المستندات الدالة على قيد المنظمة.

- شهادة حديثة صادرة من الوزارة المختصة (التضامن الاجتماعي) تفيد قيدها في مباشرة نشاطها، وعدم مخالفتها للقوانين واللوائح المعمول بها ومجالات عملها.

- ملخص وافٍ عن المنظمة ووضعها القانوني وأنشطتها وسابق خبراتها في مجال متابعة الانتخابات والاستفتاءات إن وجد.

- بيان بعدد المتابعين الذين ترشحهم المنظمة والراغبين في الحصول على تصاريح لمتابعة الانتخابات أو الاستفتاءات في كل محافظة من محافظات الجمهورية.

- اسم ممثل المنظمة أمام الهيئة الوطنية للانتخابات.

- ويجوز للهيئة طلب أي مستندات أخرى ترى لزومها.

برأيك ما مطالب منظمات المجتمع المدني والحقوقية منها على وجه التحديد من الرئيس القادم؟ 

بالطبع تطلب منظمات المجتمع المدني دائمًا ومن الرئيس القادم خصوصا إجراء إصلاحات سياسية تتعلق بالحقوق والحريات العامة وإنصاف المهمشين والفئات الهشة، ومن الممكن في هذا الإطار أن تعلن عن إطلاق مبادرة بصياغة ميثاق شرف أو إعداد وثيقة مبادئ تتضمن تقييم الأوضاع القائمة، بالتوازي مع خارطة طريق للمسار السياسي والحقوقي خلال السنوات المقبلة، على أن تشمل بوضوح إجراء تعديلات في البنية التشريعية والإجراءات التنفيذية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في جميع المجالات. 

كيف ترى قرارات العفو الرئاسي والإفراج عن السجناء السياسيين مؤخراً في مصر؟ 

قرارات العفو عن سجناء الرأي جيدة للغاية، ولكن ينقصها إعلان المعايير الواضحة التي يتم على أساسها اختيار البعض وتجاهل البعض الآخر، لا بد أن يكون هناك معايير تتسم بالشفافية والدقة وتخضع قرارات الإفراج عن السجناء لإجراءات محددة بعيدا عن عوامل الصدفة، لا سيما وأن عدد المفرج عنهم قليل مقارنة بالأعداد المحبوسة احتياطيا على ذمة قضايا سياسية.

إن إعلان هذه المعايير والضوابط كفيل بخلق حالة حلحلة إيجابية للأوضاع السياسية الحالية، خاصة أن مصر لم تشهد مفهوم العدالة الانتقالية رغم أنها منصوص عليها في المادة "241" من الدستور، التي تتضمن منظومة كاملة لجبر الضرر والإصلاح المؤسسي ودفع التعويضات وتخليد الذكرى وغيرها.

لكن للأسف العدالة الانتقالية تأتي في مرتبة متأخرة من أولويات الحركة السياسية المصرية، خاصة أن مسؤولية وضع هذه القضية على طاولة الحوار مسؤولية مشتركة بين الحركة السياسية والحقوقية من جانب والدولة من جانب آخر.

ما تقييمك لأوضاع حقوق الإنسان في مصر بشكل عام؟

بشكل عام هناك تقدم ملحوظ وتحرك إيجابي في الملف الحقوقي، خاصة حقوق المرأة، لكن ما زالت هناك ملفات تحتاج إلى تحسين وإعادة نظر، خاصة في أوضاع السجناء في السجون وإجراءات الحبس الاحتياطي، التي تحتاج إلى عمل دؤوب من الدولة، كما تحتاج قضية حقوق الإنسان إلى أن توضع بوضوح على أجندة الأحزاب والقوى السياسية في مصر. 
 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية