مجلة أمريكية: سياسة المصالحة الداخلية في إثيوبيا والعدالة الانتقالية "مهزلة حقوقية"

مجلة أمريكية: سياسة المصالحة الداخلية في إثيوبيا والعدالة الانتقالية "مهزلة حقوقية"

 

وصفت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، سياسة المصالحة الداخلية التي تشرع الحكومة الإثيوبية في تنفيذها، في أعقاب الحرب الأهلية المدمرة بإقليم تيجراي بـ"المهزلة"، معتبرة أن توقع المساءلة الجنائية من دولة ارتكبت فظائع تمس حقوق الإنسان هو أمر "أحمق".

وكانت إثيوبيا قد وضعت اللمسات الأخيرة على مبادرة حظيت بترحيب كبير في أعقاب الحرب الأهلية، حيث كشفت هيئة تابعة لوزارة العدل الإثيوبية مكلفة بتطوير سياسة المصالحة، وفقا لاتفاقية السلام التي وقعتها الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراي في نوفمبر 2022، عن الإجماع على ضرورة محاكمة المسؤولين عن أبشع جرائم الحرب.

جاء ذلك في أعقاب إصدار لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية التابعة للدولة توصياتها الخاصة، والتي أدرجت المساءلة الجنائية بين مجموعة من مكونات ما أطلقت عليه "العدالة الانتقالية".

انتهاك حقوق الإنسان

ووفقا للمجلة، فإن توقع المساءلة الجنائية من الدولة التي ارتكبت معظم الفظائع التي وثقتها جماعات حقوق الإنسان هو أمر "أحمق"، حيث وثق محققون دوليون عمليات قتل جماعي تعرض لها سكان إقليم تيجراي على يد القوات الإثيوبية والإريترية في نمط يشبه "القتل الذكوري"، وهو القتل المنهجي للرجال والفتيان.

علاوة على ذلك، صنفت وزارة الخارجية الأمريكية الطرد الجماعي لأبناء تيجراي على يد ميليشيات الأمهرة -التي كانت في ذلك الوقت متحالفة مع الجيش الإثيوبي- باعتباره تطهيرا عرقيا.

وفي الوقت نفسه، قامت منظمة حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية والأمم المتحدة بتوثيق استخدام الاغتصاب كسلاح حرب، وكذلك الاستعباد الجنسي لنساء تيجراي على يد الجنود الإثيوبيين والإريتريين.

من ناحية أخرى، توصلت منظمة العفو الدولية وغيرها إلى أن المقاتلين المنتسبين إلى جبهة تحرير تيجراي ارتكبوا جرائم حرب، بما في ذلك الاغتصاب والإعدام، في منطقتي أمهرة وعفار المجاورتين.

وترى المجلة الأمريكية، أن حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد أتقنت فن الخداع، حيث إنها مستمرة في إظهار براعتها في توفير ما يكفي لتخفيف الضغوط الدولية، ثم تعكس مسارها بمجرد أن تحقق هدفها.

واعتبرت "فورين بوليسي" أن "العدالة الانتقالية" هي أحدث أدوات الحكومة الإثيوبية، التي صُممت بشكل متقن لضمان الإفلات من العقاب.

الهروب من المساءلة

قبل نحو 3 سنوات، تعاونت هيئة الرقابة الحكومية الإثيوبية مع مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لإطلاق تحقيق مشترك، تعهد آنذاك رئيس مفوضي اللجنة الإثيوبية بتغطية كل انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان والإنسانية واللاجئين.

لكن التحقيق انتهى به الأمر بعيوب خطيرة، حيث إن قيادة لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية كانت تميل إلى التقليل من أهمية جرائم القوات الحكومية الإثيوبية وتتمتع بمهارة في التعتيم عليها بشكل منهجي، وفقا للمجلة.

وعلى الرغم من وفرة الأدلة، فشل المحققون في نهاية المطاف في زيارة مواقع المذابح المدنية واسعة النطاق في تيجراي. وفي تحدٍ للانزعاج الذي أعربت عنه الوكالات الإنسانية باستمرار، لم يكترث التحقيق بالادعاءات القائمة على أسس متينة بأن سكان تيجراي البالغ عددهم 6 ملايين نسمة يتعرضون للتجويع عمداً.

وشكل هذا التحقيق الناقص بشكل مؤسف الأساس لقواعد اللعبة التي اتبعتها إثيوبيا لدرء المطالبات بإجراء تحقيقات إضافية.

وفي الوقت نفسه، لعبت لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية وقيادتها دورا مركزيا في صياغة سياسة ما أسموه "العدالة الانتقالية".

إثيوبيا تقوض تحقيقاً دولياً

وأقر هذا التحقيق بإمكانية إنشاء آلية تحقيق دولية. ولكن بعد أن استجاب المجتمع الدولي على النحو وشكل اللجنة الدولية لخبراء حقوق الإنسان المعنية بإثيوبيا، شنت الحكومة الإثيوبية حملة شرسة لعرقلة عملها.

وأسفر التحقيق الذي أجرته اللجنة الدولية المعنية بالتنمية المستدامة والطفولة، بقيادة فريق من 3 مفوضين من تنزانيا والولايات المتحدة وسريلانكا -قبل حلها في سبتمبر الماضي- عن انعكاسات واسعة النطاق وأكثر دقة بكثير لانتهاكات النزاع من التحقيق المشترك، لكن عملها توقف بسبب حملة إثيوبيا، حيث لم تقبل أديس أبابا ذلك وسعت إلى تقويض اللجنة الدولية لحقوق الإنسان والطفولة بمجرد بدء عملها.

ووفقا للمجلة، تواصل الحكومة الإثيوبية، التي شجعها نجاحها في إحباط الضغوط، تجاهل المخاوف من المجاعة في تيجراي وارتكاب الفظائع في أمهرة وأوروميا، حيث إن إحجام الغرب عن التغافل عن أبي أحمد بسبب الاعتبارات الجيوسياسية يعني أنه أصبح من المؤكد الآن أن حكومته ستنجح في التستر على فظائعها في تيجراي.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية