"فورين بوليسي": الحرب الإسرائيلية الإيرانية شريان الحياة لنتنياهو

"فورين بوليسي": الحرب الإسرائيلية الإيرانية شريان الحياة لنتنياهو

قبل بضعة أيام كان التركيز الأكبر بالعالم منصباً على المجاعة الوشيكة في غزة، وعلى فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها المتمثلة في الإطاحة بحماس وإعادة الرهائن بعد مرور أكثر من 6 أشهر على بداية الحرب، وتعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لضغوط من الرئيس الأمريكي جو بايدن للسماح بدخول مساعدات إنسانية كافية والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، فضلاً عن نداءات المتظاهرين الإسرائيليين لإبرام صفقة الرهائن وإجراء انتخابات جديدة.

ووفقا لتحليل أجرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، في ليلة السبت 13 أبريل، تلاشى كل ذلك على الفور عندما أطلقت إيران مئات الطائرات بدون طيار والصواريخ على إسرائيل رداً على الغارة الإسرائيلية التي أسفرت عن مقتل ضباط عسكريين إيرانيين كبار في سوريا، مطلع أبريل الجاري، حيث أدى الرد المباشر من جانب دمشق وإيران إلى إخراج الصراع طويل الأمد بين البلدين -والذي غالباً ما يتميز بضربات سرية واستخدام الوكلاء- إلى خارج الظل، مما أدى إلى تقليص الاهتمام عن فشل إسرائيل في غزة، وتوسيع المجهود الحربي الإسرائيلي ليشمل إيران، وإجبار نتنياهو على التحرك، ودفع المنتقدين في الخارج لأن يقفوا خلفه.

وبحسب المجلة، بذل بايدن جهودًا كبيرة لتجنب المزيد من التصعيد الإقليمي، ومنذ ذلك الحين، حذت إسرائيل حذوه إلى حد كبير، فقد التزمت بقواعد اللعبة الضمنية في هجماتها المتبادلة مع حزب الله في لبنان وأهداف في سوريا، وتركت للولايات المتحدة مهمة التعامل مع العراق واليمن.

واتخذت إسرائيل قراراً في وقت مبكر من الحرب بالتركيز على غزة والإبقاء على لبنان جبهة ثانوية، وحقيقة أن هذه الجبهة لم تخرج عن نطاق السيطرة أو تنحدر إلى حرب شاملة ليس بالأمر الهين في حد ذاته، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر العالية المتمثلة في سوء التقدير على أساس يومي تقريبًا من جانب كلا الجانبين، على مدار عدة أشهر.

لكن يبدو أن هذا النهج الحذر قد ذهب أدراج الرياح بعد أن قررت إسرائيل قتل قائد كبير في فيلق القدس داخل مجمع قنصلي إيراني في سوريا، صحيح أن إسرائيل استهدفت ضباط الحرس الثوري الإسلامي الإيراني في سوريا من قبل، وكان آخرها عندما قتلت ضربة صاروخية المسؤول الإيراني السيد راضي موسوي في دمشق يوم عيد الميلاد من العام الماضي، لكن حقيقة أن ضربة الأول من أبريل على القنصلية الإيرانية -التي تعتبرها إيران وآخرون انتهاكاً للمعاهدات الدولية- كانت بمثابة تصعيد كبير.

ويبدو أن هناك إجماعاً بين الخبراء والمحللين العسكريين الإسرائيليين وبعض المسؤولين الأمنيين السابقين على أن هذا كان خطأً في التقدير من جانب إسرائيل، أنها رأت فرصة عملية واستغلتها دون النظر إلى كل التداعيات، وهذا أمر معقول بالتأكيد، لقد اعتادت إسرائيل مهاجمة ضباط الجيش الإيراني دون مواجهة انتقام مباشر من طهران.

وفي الوقت نفسه، كان للضربة الإيرانية جانب إيجابي واضح بالنسبة لإسرائيل، حيث قلل من عزلتها الدبلوماسية المتزايدة -على الأقل عن العواصم الغربية- ووفر شريان حياة لنتنياهو على وجه التحديد.

وقد هبّت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وحتى بعض الدول العربية للدفاع عن إسرائيل أثناء الرد الإيراني، سواء من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية، أو القيام بدوريات في المجال الجوي، أو اعتراض الطائرات بدون طيار والصواريخ، وكان معدل نجاح إسرائيل الذي بلغ 99% في منع وصول الذخائر الإيرانية، كما تدعي.

ويرجع ذلك إلى قيام إيران بصياغة الهجوم بطريقة من شأنها أن توفر وقتاً كافياً للتحضير وتضمن فعلياً دعم الحكومات الصديقة التي ظل نتنياهو ينفرها من خلال أفعالها في غزة.

وأصدر العديد من زعماء العالم بيانات تدين إيران وتظهر الدعم لإسرائيل، تمكنت إسرائيل من الاعتماد على الدعم فيما يقول أعضاء مجلس الوزراء الحربي إنه يخلق إمكانية قيام "تحالف استراتيجي" و"تحالف إقليمي" ضد إيران (بشكل معتدل)، فبدلاً من أن يناقش مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وقف إطلاق النار في غزة، فإنه يناقش إدانة إيران.

ويأتي هذا التحول بعد أيام فقط من مشاهدة العالم غارة إسرائيلية على قافلة تابعة للمطبخ المركزي العالمي في غزة أدت إلى مقتل سبعة من عمال الإغاثة، وهو الأمر الذي لم تقدم إسرائيل حتى الآن أي تفسير جيد له، وقبل الهجوم الإيراني، بدا أن دعم الولايات المتحدة غير المشروط لإسرائيل قد يبدأ في التصدع.

وبلغ الرفض العلني لنتنياهو أعلى مستوياته منذ بداية الحرب، في الداخل والخارج، اتهمت بعض عائلات الرهائن الإسرائيليين في غزة نتنياهو بالفشل في التوصل إلى اتفاق، وهو ما رددته التصريحات التي أدلى بها أعضاء فريق التفاوض الإسرائيلي دون الكشف عن هويتهم، معتبرين نتنياهو عقبة.

قبل بضعة أسابيع فقط، دعا زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي، تشاك شومر، نتنياهو إلى التنحي، وبدأ أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون في مطالبة بايدن بوضع شروط على المساعدات لإسرائيل، ودعت هيئة تحرير صحيفة نيويورك تايمز للتو إلى حدوث ذلك.

وفي تناقض حاد، ينتظر العالم اليوم ليرى ما إذا كانت إسرائيل ستشن هجومًا مضادًا -ولكن على الأرجح كيف- وإلى أي مدى سيذهب بايدن لاحتواء مثل هذه الضربة.

وحتى مع أن سكان غزة أفادوا بأنهم قضوا أهدأ ليلة منذ 6 أشهر خلال الهجوم الإيراني، فإن الحاجة الملحة لوقف المجاعة، ووقف النزيف في غزة، وإعادة الرهائن، وإيجاد طريقة للمضي قدمًا، قد يتم تهميشها بسبب خطر حدوث كارثة أكبر، الحرب الإقليمية الأكثر دموية.

سيكون هذا اختبارًا حقيقيًا لالتزام بايدن بمنع التصعيد الإقليمي، نظرًا لأن الولايات المتحدة ربطت نفسها بالدفاع عن إسرائيل في المنطقة منذ 7 أكتوبر، ومن المرجح أن تنزلق إلى تصعيد أوسع نطاقًا، لا تستطيع إسرائيل مهاجمة إيران بشكل فعال دون تنسيق ودعم الولايات المتحدة.

والواقع أن التبادل بين إسرائيل وإيران من شأنه أن يؤدي بشكل مثالي إلى تسريع الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في غزة، نظراً لمدى الوضوح الذي أصبح عليه أن استمرارها يضع المنطقة على حد السكين.

الصراع المباشر بين إسرائيل وإيران يمكن أن يعزز نتنياهو في وقت فقد فيه ثقة بايدن وزملائه في الحكومة والكثير من الجمهور الإسرائيلي، إن حكومة الولايات المتحدة لن تفكر جدياً في فرض شروط على المساعدات المقدمة لإسرائيل في خضم هذه الكارثة، وبدلاً من عزل نتنياهو وإبعاده، وهو ما بدا أنه الاتجاه السائد، يتعين على واشنطن الآن أن تنخرط في التعاون معه.

ومع دعم المزيد من زعماء العالم علناً له ضد إيران، قد يكون نتنياهو قادراً على إطالة أمد عملية غزة، والاستمرار في التهديد بغزو رفح والحفاظ على مظهر المفاوضات لوقف إطلاق النار، عندما أصبح الأمر واضحاً للكثيرين.

ومن ناحية أخرى، يستطيع أن يعرقل أي مسعى لإجراء انتخابات قد تحل محله، وكل ذلك في حين يتحول انتباه العالم إلى منطقة مجهولة في الشرق الأوسط وخطر نشوب حرب إقليمية أوسع نطاقا.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية