في ظل تواتر تقارير حقوقية تطالب بتعهدات ملزمة

بسبب تعويضات العمال.. "الفيفا" في مرمى نيران الحقوقيين خلال بطولتي 2030 و2034

بسبب تعويضات العمال.. "الفيفا" في مرمى نيران الحقوقيين خلال بطولتي 2030 و2034

عاد الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" ليواجه نيران الحقوقيين، مع تزايد المطالب بدعم وحماية العاملين المشاركين في تنظيم كأس العالم نسختي كأس العالم 2030 و2034.

ودعت منظمات حقوقية دولية، الاتحاد الدولي لكرة القدم إلى الالتزام بالتعهدات والإصلاحات الحقوقية لفئات عديدة أولها العمال، خلال تنظيم تلك الفعاليات الرياضية العالمية الكبرى.

وطالبت المنظمات بشكل صريح بحماية العمال من براثن أرباب العمل، لعدم تكرار أي ظروف خطيرة تهدد حياتهم أو الحصول على أجورهم.

وفي عام 2023، كلفت الفيفا لجنة مستقلة بمراجعة تعويضات العمال، لكنها لم تنشر تقريرها ولم يحصل العمال الذين قاموا ببناء وخدمة مباريات كأس العالم 2022 على مستحقاتهم المالية حتى الآن.

وخلال مونديال 2024، واجهت "الفيفا" انتقادات واتهامات عدة بالتغاضي عن حقوق العمال الوافدين والمهاجرين، وعدم التخفيف من الظروف القاسية التي واجهوها خلال عملهم.

ومؤخرا، أعلنت "الفيفا" عن عرضين أحدها مشترك من إسبانيا، والبرتغال، والمغرب، مع مباريات إضافية ستقام في الأرجنتين، وأورغواي، وبارغواي لنهائيات بطولة كأس العالم لعام 2030، والأخر هو عرض من السعودية لاستضافة بطولة عام 2034. 

ومن المتوقع تقديم العروض التفصيلية والتي تتضمن استراتيجيات حقوق الإنسان إلى "الفيفا" للمراجعة والتقييم في غضون أسبوعين، حيث من المقرر أن تؤكد الهيئة الحاكمة عالميًا لمجتمع كرة القدم البلدان المضيفة في ديسمبر المقبل، وفق اللوائح.

وتتعاظم الشواغل الحقوقية المتعلقة بالعمال مع اقتراب سباق دول نسخة كأس العالم 2030 في بناء وتحديث الملاعب الرياضية والطرق ووسائل المواصلات والفنادق وغيرها.

وفي أكتوبر 2023، قالت الحكومة المغربية، إن بلادها تعتزم بناء استاد رياضي كبير قرب الدار البيضاء، إضافة إلى تحديث 6 استادات أخرى، استعدادا للمشاركة في استضافة كأس العالم لكرة القدم 2030.

وأشارت إلى أن الاستاد الجديد سيكون جاهزا بحلول 2028 بتكلفة إجمالية قدرها 5 مليارات درهم (500 مليون دولار)، دون أن توضح عدد أو جنسية العمالة.

وقالت تلك المنظمات، إنه "يتعين على الفيفا أن تحرص بصورة صارمة وشفافة على أن توفر عروض استضافة بطولتي كأس العالم لعامي 2030 و2034 في ظل حماية تامة لحقوق الإنسان". 

وتثار تساؤلات عدة، بشأن استعداد الفيفا للالتزام بالتعهدات والإصلاحات التي أشارت إليها في السنوات الأخيرة، لا سيما في ظل عدم إبرام اتفاقيات ملزمة بشأن حقوق الإنسان وحماية أرواح العمال، إضافة إلى عدم الالتزام باشتراط تشاور مقدمي العروض مع منظمات المجتمع المدني.

عمالة في مهب الريح

وتشير التقديرات إلى مخاطر عديدة، أبرزها العرض المشترك لعام 2030 الذي قدمه المغرب، والبرتغال، وإسبانيا مع إقامة 3 مباريات في الأرجنتين والأورغواي والبارغواي، لما يحمل في طياته من مخاطر على حقوق الإنسان تتعلق أساسًا بحقوق عديدة تمس العمال.

وبحسب هذا العرض المشترك، ستكون هناك حاجة لأعمال بناء وتطوير وتحديث ضخمة في دولة المغرب، ومن ضمنها إقامة ملعب جديد يتسع لـ115 ألف متفرج ومشجع، وذلك دون التطرق إلى آليات تعزيز الصحة والسلامة في أماكن العمل.

وفي البلدان المضيفة الثلاثة المقترحة، وهي الأرجنتين، والأورغواي، والبارغواي، يتعرض العمال الأجانب لخطر الاستغلال وغيره من أشكال الأذى النفسي والبدني، من بينها الاتجار بهم، وفق تقارير حقوقية.

وتعد الإصابات في مكان العمل في إسبانيا والبرتغال هي الأعلى حدوثا داخل الاتحاد الأوروبي، إذ يتعرض العمال الأجانب للانتهاكات ولسرقة أجورهم وغيرها.

ودعت العديد من النقابات العمالية في العالم، "الفيفا" إلى اتخاذ تدابير لتعزيز حقوق العمال والحصول على تعهدات ملزمة للدول المضيفة.

ووفق المراقبين لم تنشر "الفيفا" أي خطط علنية لتقييم المخاطر أو مراقبة أو تنفيذ معايير حماية العمال في كأس العالم خلال بطولتي 2030 و2034.

وأفادت تقارير دولية بأن "الفيفا" لم تفِ بمسؤولياتها الحقوقية، وترفض الالتزام بتعويض العمال الأجانب وعائلاتهم الذين تعرضوا لمعاناة خلال نسخة كأس العالم 2022. 

وتقول التقارير إن "الفيفا" تجني أرباحا بمليارات الدولارات من العائدات، لكنها لم تف بتعويض عائلات العمال الأجانب المتضررين سواء جراء وفاة بمكان العمل أو الحصول على أجور منخفضة.

وطالبت بضرورة تخصيص ما لا يقل عن 440 مليون دولار للتعويضات عن أضرار العمل، واصفة إياها بـ"الحد الأدنى الضروري" لتعويض العمال وحمايتهم من انتهاكات مستقبلية.

الفيفا تبرئ ساحتها

وفي مارس 2022، قالت كبيرة مسؤولي قسم المسؤولية الاجتماعية والتعليم في الفيفا جويس كوك: "مستعدون بشكل دائم للتطرق بشكل شفاف وبناء إلى أي نوع من المخاوف التي قد تثيرها الجهات المعنية المنخرطة معنا".

ودافعت عن الاتهامات المكررة ضد الفيفا، بقولها إن "الفيفا ملتزمة أشد الالتزام بضمان الحماية اللازمة للعمال المشاركين في تنظيم كأس العالم وتحسين ظروف العمل في المنطقة".

وأضافت: "كما هو معروف على نطاق واسع من قبل منظمة العمل الدولية والاتحاد الدولي للنقابات والاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب وغيرها من المنظمات الدولية المتخصصة، فقد ساهمت بطولة كأس العالم بالفعل في تحسين ظروف العمل في العديد من الدول إلى حد كبير، حيث يتم تشديد المعايير التي وضعها المنظمون المحليون، كما يتم إدخال تغييرات تشريعية على نطاق أوسع في مجال حقوق العمال.

وحتى الآن لم تقدم "الفيفا" توضيحات بشأن مسار الحقوق العمالية في نسختي كأس العالم 2030 و2034، غير أن الملف السعودي الذي يستعد لتحقيق رقم قياسي عالمي خلال نسخة 2034 أكد مبادئ حقوقية منضبطة في هذا الصدد.

وفي مارس 2024، أعلن الاتحاد السعودي لكرة القدم، إطلاق الحملة والهوية الرسمية الخاصة بملف المملكة لاستضافة كأس العالم 2034، باعتبارها أول نسخة من بطولة كأس العالم ستشهد مشاركة 48 منتخبًا، ويتم تنظيمها في دولة واحدة.

ويشمل ملف ترشيح المملكة التي يحمل شعار "معا ننمو" 3 ركائز رئيسية، وهي: تنمية القدرات البشرية، وتنمية كرة القدم، وتنمية جسور التواصل.

وقال رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم، ياسر المسحل: "اختيار الشعار يمثل انعكاسًا مثاليًا للنهج الذي تعتمده المملكة من أجل تحقيق حلم استضافة البطولة بعد 10 أعوام، كما أنه يجسد هدف البلاد في إحداث تغيير إيجابي ملموس.

سوابق تاريخية

ويحمل السجل الحقوقي للعمال مع ملاعب بطولات كأس العالم، أزمات وسوابق تاريخية مؤسفة بلغت ذروتها في كأس العالم بروسيا عام 2018. 

وقالت منظمات حقوقية دولية آنذاك، إن عمال بناء الملاعب التي استضافت كأس العالم في عام 2018 بروسيا "تعرضوا لانتهاكات واستغلال في أماكن العمل"، وإن "الاتحاد الدولي لكرة القدم لم يفِ بعد بالتزامه بمراقبة ظروف العمل بفعالية قبل كأس العالم". 

ووثّقت التقارير مقتل 17 عاملا على الأقل واستغلال عمال البناء في مواقع كأس العالم في روسيا، أبرزها حرمان العمال من أجورهم كليا أو جزئيا، أو تأخير أجورهم عدة أشهر.

ووثقت أيضا إجبار العمال على العمل في طقس يصل إلى 25 درجة مئوية تحت الصفر بدون الحماية اللازمة، والعمل بدون العقود القانونية الضرورية. 

ومنذ عام 2015، أعلنت "الفيفا" التزامها بتحسين وحماية حقوق الإنسان أثناء تنظيم مباريات كأس العالم، إلا أنها بحسب المراقبين "لم تظهر قدرتها على مراقبة وتجنّب ومعالجة تعرض عمال بناء ملاعب كأس العالم لانتهاكات واستغلال.

في مونديال عام 2014 بالبرازيل، لقي 8 عمال حتفهم أثناء القيام بأعمال البناء بالملاعب التي ستستضيف مباريات المونديال، بحسب تقارير إعلامية وقتها.

وفي يناير 2023، تقدمت نقابات عمالية بشكوى ضد الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" إلى المحكمة التجارية في مدينة زيورخ بسويسرا، لكن المحكمة ردت الشكوى، ما أثار أريحية الفيفا آنذاك.

وفي ظل تكرار تلك الخسائر في الأرواح والتحديات العمالية، تقف "الفيفا" في مرمى نيران تلك المخاوف الحقوقية التي تسعى لإجبار الاتحاد الدولي لكرة القدم على انتهاج مسار جديد لتفادي أي كارثة إنسانية محتملة.

وكانت نسخة كأس العالم 2022 التي نظمتها قطر هي الأعلى من حيث التكلفة، إذ بلغت نحو 220 مليار دولار، مقابل 11.6 مليار دولار لنسخة روسيا عام 2018، و15 مليار دولار في بطولة عام 2014 التي أقيمت في البرازيل.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية