أفغانستان.. جرح حقوقي غائر يكشف أزمات واحتياجات إنسانية تحت سطوة طالبان

أفغانستان.. جرح حقوقي غائر يكشف أزمات واحتياجات إنسانية تحت سطوة طالبان

تُغلف سماء أفغانستان غيمة قاتمة من الظلم والقهر منذ استيلاء طالبان على الحكم في أغسطس 2021.

فبعد انسحاب القوات الأمريكية، تحولت البلاد التي كانت تناضل من أجل بناء مستقبل ديمقراطي، إلى ساحة معركة تُسحق فيها حقوق الإنسان تحت وطأة القوانين المتشددة والقمع الوحشي. 

ومنذ سيطرة طالبان، شهدت أفغانستان تدهورًا كبيرًا في وضع حقوق الإنسان، ما ألقى بظلاله القاتمة على جميع جوانب الحياة في البلاد، خاصة بالنسبة للنساء والأطفال، وفرضت طالبان قيودًا صارمة على حرية التعبير والتجمع السلمي، وحرمت النساء من حقهن في التعليم والعمل، وألزمتهم بقواعد لباس مُقيدة.

وتُمارس طالبان عمليات قمعٍ وحشية ضدّ كلّ من يُعارض حكمها، ما أدى إلى مقتل واعتقال المئات. 

فوفقًا للأرقام، هناك أكثر من 10 آلاف امرأة أفغانية فقدن وظائفهن، كذلك تم إغلاق أكثر من 200 مدرسة للفتيات في جميع أنحاء البلاد، كما تعرضّ أكثر من 500 صحفي وناشط لعمليات اعتقال ومضايقات من قبل طالبان، أيضًا تزايد حالات العنف الأسري ضدّ النساء بشكلٍ ملحوظ. 

ويُعاني الشعب الأفغاني أزمة إنسانية متفاقمة، حيث يواجه ملايين الأشخاص خطر المجاعة ونقص الغذاء والدواء، وتعاني البلاد من أزمة اقتصادية خانقة، ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر بشكل كبير، وتوقفت المساعدات الدولية التي كانت تمثل 75% من الميزانية الأفغانية، ما أدى إلى انهيار الاقتصاد وزيادة معاناة السكان. 

كذلك ضربت الفيضانات مناطق شمالية وشرقية من أفغانستان خلال الأسبوعين الماضيين، ما أثّر على أكثر من 80 ألف شخص، ومن المرجح أن تزداد شدتها في الأشهر المقبلة، ما قد يُؤثر بشكل كبير على الأمن الغذائي.

وأشار برنامج الأغذية العالمي إلى أن المناطق المتضررة، ومعظمها "بؤر جوع ساخنة"، تعاني بالفعل من مستويات أزمة انعدام الأمن الغذائي. 

ويطلق الشعب الأفغاني نداءات مُلحة إلى المجتمع الدولي للتدخل لإنقاذه من براثن طالبان وحماية حقوقه الأساسية.

وتطالب المنظمات الحقوقية بفرض عقوبات صارمة على طالبان لدفعها إلى احترام حقوق الإنسان والالتزام بالقانون الدولي، وتعمل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى على التخفيف من حدة الأزمة في أفغانستان.  

وقامت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، روزماري ديكارلو، بزيارة إلى أفغانستان في الفترة من 18 إلى 21 مايو، وناقشت خلالها حالة حقوق الإنسان وقيود تعليم المرأة مع سلطات الأمر الواقع والمجتمع المدني.  

على الرغم من الأوضاع المظلمة في أفغانستان، فإن هناك بعض الأمل في الأفق. فقد أعلنت الأمم المتحدة عن استثمارها في مشاريع التكيف المناخي لحماية المجتمعات من تأثيرات أزمة المناخ، بما في ذلك بناء الجدران الواقية والسدود وتحسين أنظمة الري، ويبذل المجتمع الدولي جهودًا لزيادة الانخراط مع أفغانستان بطريقة أكثر تماسكًا وتنسيقًا وتنظيمًا. 

ويرى حقوقيون أن أفغانستان، تمثّل اليوم جرحًا حقوقيا غائرًا ما زال ينزف ويكشف عن أزمات إنسانية تحت سطوة طالبان، ويتطلب الوضع الراهن جهودًا دولية منسقة ومستدامة للتخفيف من معاناة الشعب الأفغاني، والدفع نحو احترام حقوق الإنسان واستعادة كرامة الأفراد. 

أفغانستان تحت حكم «طالبان».. عودة للوراء - شبكة رؤية الإخبارية

التأثيرات على الدول العربية.. تداعيات استيلاء طالبان على الحكم

بدورها، علقت الحقوقية والبرلمانية الأردنية السابقة نسرين زريقات قائلة: لم يكن استيلاء طالبان على الحكم في أفغانستان في أغسطس 2021 مجرد تحول محلي داخل هذا البلد الذي يعاني من الصراعات، بل ألقى بظلاله القاتمة على الدول المجاورة، ما يثير مخاوف عدة من تداعياته الإقليمية، منها زيادة تدفق اللاجئين، فمع تزايد الاضطرابات السياسية والاقتصادية في أفغانستان تحت حكم طالبان، قد نشهد موجة جديدة من تدفق اللاجئين الفارين من العنف والاضطهاد، هذه الحركة البشرية يمكن أن تؤدي إلى ضغط على الموارد.

وأضافت في تصريحات لـ"جسور بوست": يمكن أن يُثقل تدفق اللاجئين كاهل الدول المستضيفة وخاصة الدول العربية، التي تعاني بالفعل من تحديات اقتصادية واجتماعية، فسيزداد الطلب على السكن، والغذاء، والخدمات الصحية، ما قد يؤدي إلى تدهور الظروف المعيشية لكل من اللاجئين والمجتمعات المضيفة، أيضًا قد يؤدي التنافس على الموارد المحدودة إلى توترات بين اللاجئين والمجتمعات المحلية، ما يعزز الشعور بالاستياء ويخلق بيئة خصبة للنزاعات الاجتماعية، ويمكن أن يؤدي صعود طالبان إلى تعزيز وانتشار الأفكار المتشددة في المنطقة.

واستطردت: قد يؤدي نجاح طالبان إلى تشجيع الجماعات المتشددة في الدول العربية، ما يزيد من احتمالية حدوث أعمال إرهابية وزعزعة الاستقرار السياسي، ويمكن أن تستغل الجماعات المتطرفة الوضع لتجنيد الشباب المحبطين، مستخدمة النموذج الأفغاني كدليل على نجاح أجندتها المتشددة. 

وأكدت نسرين زريقات تراجع مكانة المرأة، فبحسب قولها: سيطرة طالبان تعني فرض قيود صارمة على حقوق المرأة، وهذا قد يمتد تأثيره إلى الدول العربية بطرق مختلفة، وقد يُشكل حكم طالبان نموذجاً سلبياً لبعض الفئات المحافظة في الدول العربية، ما قد يدفعها إلى محاولة تقليد السياسات التمييزية ضد المرأة، ما يعيق مسيرة التقدم والتنمية. 

وأتمت: قد يشجع الوضع في أفغانستان بعض الحكومات أو الجماعات السياسية في الدول العربية على تبني تشريعات تقييدية بحقوق المرأة، مستغلة الوضع لتعزيز سياسات محافظة.

نسرين زريقات

مواجهة التردي الحقوقي والإنساني في أفغانستان

وقالت القانونية والحقوقية المصرية عزة سليمان: تأكيدًا على التزامها بمواجهة التحديات الصعبة التي تواجهها، تقوم المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني في أفغانستان بجهود كبيرة للتصدي للتردي الحقوقي والإنساني الذي تشهده البلاد، من خلال توفير المساعدة الإنسانية وحقوق الإنسان، تسعى هذه المنظمات إلى تلبية الاحتياجات الضرورية للسكان المتضررين وتعزيز الوعي بحقوقهم وكيفية الوقاية من الانتهاكات، بالإضافة إلى ذلك تقوم المؤسسات التعليمية والثقافية في أفغانستان بجهود مثمرة للحفاظ على التعليم والثقافة رغم الصعوبات، بفتح أبوابها وتوفير الفرص التعليمية والثقافية للشباب والنساء، وتسعى هذه المؤسسات إلى تمكين الفرد والمجتمع والمساهمة في بناء مستقبل أفضل. 

وتابعت في تصريحات لـ"جسور بوست": من جهة أخرى، تلعب القيادات الدينية والاجتماعية دورًا مهمًا في دعم المجتمع وتعزيز التلاحم والسلام خلال هذه الفترة الصعبة، وذلك بتعزيز القيم الإنسانية وتحفيز المساهمة الإيجابية في إعادة بناء المجتمع، تسعى هذه القيادات إلى تقديم الدعم اللازم للمتضررين وتعزيز الوحدة والاستقرار، مع هذه الجهود المبذولة، هناك بعض الحلول الممكنة التي يمكن اتخاذها لتعزيز هذه الجهود وتحقيق تقدم أكبر في مواجهة التحديات الراهنة.

وأكدت عزة ضرورة تعزيز الدعم للمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني من خلال زيادة التمويل الدولي، وتشجيع الحوار والتفاهم الوطني بين جميع الأطراف الأفغانية، ودعم القدرات المحلية من خلال تقديم الدعم الفني والتقني، كما ينبغي تعزيز الوعي والتثقيف بحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية من خلال التثقيف والتوعية في المدارس والمؤسسات الثقافية. 

عزة سليمان

وأتمت: مواجهة التردي الحقوقي والإنساني في أفغانستان تتطلب جهودًا مشتركة ومستمرة من الجميع، ومن خلال التعاون والتضامن يمكننا تحقيق تقدم حقيقي وبناء مستقبل مشرق لأفغانستان وشعبها.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية