وسط احتجاجات شعبية وأزمة اقتصادية وسياسية مؤلمة

تونس.. المعارضون على موعد مع مواجهة "ساخنة" أمام قيس سعيد

تونس.. المعارضون على موعد مع مواجهة "ساخنة" أمام قيس سعيد

بصيف ساخن ورياح غابرة، استقبل المعارضون والصحفيون والمحامون بتونس، فصلا جديدا مع السلطة السياسية، على وقع المرسوم بقانون رقم 54، والذي يقضي بمكافحة المعلومات والشائعات الكاذبة على الإنترنت.

وعلى مدى الأشهر الماضية، لاحق النظام التونسي أكثر من 60 معارضًا على مدى 20 شهرا، وسط تقديرات بألا يتم تحرك تشريع نيابي بتعديل المرسوم بقانون سوى بعد إجراء الرئاسيات الخريف المقبل.

والرئيس التونسي قيس سعيد، لا يعلن حتى الآن الترشح في الرئاسيات المقبلة، إذ وصل إلى السلطة بعد انتخابات حرة في عام 2019 ثم حل البرلمان المنتخب في 2021 بعد 10 أعوام من الثورة التونسية.

وقبل أيام، التقى سعيد مع ليلى جفّال وزيرة العدل، الشهيرة بتقديم بلاغات ضد أصحاب الرأي، حيث وجه انتقادات لـ"كل من يتحدثون يوميا عن المرسوم 54"، ووصفهم بأنهم "امتداد للدوائر الاستعمارية". 

ومنذ مطلع مايو الجاري، تشهد تونس أجواءً ملتهبة ضد الحريات والتعبير، بلغت ذروتها بإصدار المحكمة الابتدائية بتونس، عقوبة السجن لمدة عام بحق الصحفي مراد الزغيدي، والمذيع برهان بسيس.

والزغيدي وبسيس موقوفان احتياطيا، منذ 12 مايو الجاري، بسبب تصريحات ومنشورات على شبكات التواصل الاجتماعي انتقدا فيها نظام قيس سعيد. 

وقد أعرب الاتّحاد الأوروبي والولايات المتحدة وفرنسا عن "القلق" حيال تلك الاعتقالات، وهو ما أثار غضب سعيد الذي ندد بـ"تدخل أجنبي غير مقبول" في بلاده.

المرسوم القاتل

وتحت عنوان "أوقفوا سجن الصحفيين أوقفوا التنكيل بهم/ن"، حذرت نقابة الصحفيين بتونس في بيان، من "مواصلة سياسة التنكيل بحرية التعبير وتجريم العمل الصحفي وخرق القوانين الوطنية والتعهدات الدولية بعدم سجن الصحفيين/ات".

وفي سبتمبر 2022، وقع الرئيس التونسي مرسوما بقانون يقضي بمكافحة المعلومات والشائعات الكاذبة على الإنترنت، وسط انتقادات محلية ودولية واسعة.

وينص الفصل الـ24 من المرسوم رقم 54 على "عقوبة السجن 5 سنوات وغرامة مالية تصل إلى 50 ألف دينار (حوالي 16 ألف دولار)، لكل من يتعمد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذباً للغير، بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني".

وعلى وقع هذا المرسوم، حوكم أكثر من 60 شخصاً بينهم صحفيون ومحامون ومعارضون للرئيس قيس سعيد، وفق تقديرات النقابة الوطنية للصحفيين بتونس.

ومنذ بداية مايو الجاري، اعتقلت السلطات التونسية 10 أشخاص، بينهم محامون وصحفيون وناشطون ومسؤولون في منظمات المجتمع الدولي، إذ وصفت منظمات حقوقية دولية هذه الاعتقالات بـ"حملة قمع شديدة"، ودعت السلطات إلى وقف الانتهاكات. 

وعلى مدى عام أحيل 41 صحفيا إلى القضاء، فيما أودع 4 صحفيين في السجن، الأمر الذي دفع زياد الدبار نقيب الصحفيين التونسيين إلى القول بإن "كل كلمة تُنطق تفتح الآن أبواب السجون في تونس".

وليس الصحفيون وحدهم الملاحقين في تونس، إذ قدرت منظمة العفو الدولية (غير حكومية، مقرها لندن) في تقرير صدر في مارس الماضي، استهداف السلطات التونسية لأكثر من 20 محاميًا يدافعون عن أعضاء جماعات معارضة سياسية ونشطاء وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. 

ووفق التقرير ذاته، فتحت النيابة العامة تحقيقًا مع 14 عضوًا بفريق الدفاع القانوني عن نور الدين البحيري، العضو البارز في حزب النهضة المعارض، وذلك بعد شكوى قدمها أحد ضباط الحرس الوطني ضد الفريق القانوني على خلفية مشادة كلامية بين المحامين وأفراد من الحرس الوطني. 

وفي أربع حالات، فُتحت التحقيقات بعد وقت قصير من انتقاد المحامين علنًا إجراءات وزيرة العدل أو بعدما أدلوا بمزاعم فساد ضد الوزيرة، وفق التقرير ذاته.

تحت التهديد

وطالت الحملة الشرسة في تونس المدافعين عن حقوق الإنسان، إذ شنت الحكومة خلال الأسبوعين الماضيين، حملة قمعية غير مسبوقة ضد المهاجرين واللاجئين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، وذلك عقب أقل من أسبوعين من اجتماع تنسيقي رفيع المستوى مع وزارة الداخلية الإيطالية حول إدارة الهجرة بتونس.

وفي 3 مايو الجاري، قامت السلطات التونسية باعتقال واستدعاء والتحقيق مع رؤساء أو موظفين سابقين أو أعضاء في ما لا يقل عن 12 منظمة غير حكومية، إثر اتهامات بـ"جرائم مالية لتقديم المساعدة للمهاجرين".

بالتوازي صعّدت قوات الأمن عمليات الترحيل الجماعي غير القانوني للاجئين والمهاجرين، فضلًا عن عمليات الإخلاء القسري المتعددة، واعتقلت وأدانت أصحاب عقارات قاموا بتأجير شقق للمهاجرين دون تصاريح.

ووفق منظمة العفو الدولية، تأتي تلك الحملات بالتوازي مع التصريحات التحريضية التي أدلى بها الرئيس قيس سعيّد خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي في 6 مايو الجاري، والتي هاجم فيها بشكل خاص منظمات المجتمع المدني، واصفًا إياها بـ"الخونة والأبواق المسعورة ومدفوعة الأجر من الخارج".

ومعظم تلك الهجمات جاءت بعد انتقادات لاذعة وجهها معارضون إلى قيس سعيد، لا سيما أن الإجراءات الاستثنائية التي فرضها الأخير منذ يوليو 2021، تسمح للسلطات بالتنكيل بالمعارضين.

ومنذ إجراء الانتخابات النيابية والتي عقدت أواخر عام 2022 وامتدت بجولاتها مطلع عام 2023، حوصرت السلطة الحاكمة بوابل من الانتقادات والاتهامات، إذ شهدت انخفاضًا قياسيًا في نسبة المشاركة التي بلغت 11 بالمئة بعد حل قيس سعيد المجلس التشريعي في يوليو 2021.

وفي خطوة أثارت غضب المنظمات الحقوقية، منع البرلمان التونسي مرارا وسائل الإعلام الخاصة والأجنبية من حضور الجلسات البرلمانية، كما منع الصحفيين من المتابعة الإعلامية لاجتماعات اللجان البرلمانية.

وأفادت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين خلال 2023، بعشرات من حوادث مضايقة الصحفيين والمصورين وعرقلة عملهم أثناء تغطية الانتخابات البرلمانية وجلسات البرلمان.

وبحسب منظمات دولية، كثفت السلطات التونسية خلال عام 2023 حملة الاعتقالات والمحاكمات المسيسة بحق شخصيات معارضة من مختلف التوجهات السياسية، ومحامين، ونشطاء، وصحفيين، إذ جرى حبس 40 معارضا على الأقل بعدة اتهامات أبرزها "التآمر على أمن الدولة" و"ارتكاب الإرهاب".

ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية في تونس خلال شهري سبتمبر وأكتوبر المقبلين، وهي الانتخابات الرئاسية الثانية عشرة في تونس والثالثة بعد ثورة "الياسمين"، والتي من المرتقب أن ينتخب فيها رئيس الجمهورية الثامن في تاريخ البلاد لولاية مدتها 5 سنوات، بحسب الدستور التونسي.

محاولة للاحتواء

وتشهد تونس مظاهرات شعبية حاشدة في شوارع العاصمة، احتجاجا على أحكام بالسجن وموجة توقيفات طالت إعلاميين ومحامين ومعارضين، يردد المتظاهرون هتافات أبرزها "تسقط الديكتاتورية"، و"يسقط المرسوم (54)"، و"فاسدة المنظومة من قيس إلى الحكومة"، و"جاك الدور جاك الدور يا قيس الديكتاتور".

وحمل المحتجون ومن بينهم صحفيون وناشطون في منظمات المجتمع المدني، لافتات كُتب عليها الشعار الرئيسي في ثورة 2011 وهو "شغل، حرية، كرامة وطنية"، و"تسقط الثورة المضادة".

وقبل أيام، أعلنت الرئاسة التونسية، إجراء تغيير حكومي مفاجئ شمل وزيري الداخلية والشؤون الاجتماعية، كما استُحدث منصب كاتب دولة لدى وزارة الداخليّة مكلّف للأمن القومي.

وتعقيبا على ذلك قال المحامي والسياسي التونسي البارز عبدالرؤوف العيادي: "التعديل الوزاري الأخير لا نعلم أسبابه، لكنه كشف أن سياسة الاتكال على الأجهزة فاشلة وإن صفّت الخصوم فإنها لا تقدر على بلوغ أهداف سياسية إذ يحتاج الأمر إلى أدوات سياسية ومشروع واضح البرامج وتنظيم تجمعه عقيدة".

وبدورها، اعتذرت المحامية والناشطة التونسية الموالية للحكومة، وفاء الشاذلي، عن مساندتها ودعمها لنظام قيس سعيد، معتبرة أنها "ساهمت في إنشاء سجن ضخم".

وقالت الشاذلي في تصريح لإحدى الإذاعة المحلية الخاصة: "المنظومة السابقة كان فيها متّسع من الحريات… الحقوق والحريات في تونس باتت في حالة موت سريري".

أضافت: "فقدنا الحرية التي سمحت لنا بالتعبير عن أنفسنا دون ملاحقة، لقد تم اختطاف العملية، أريد فقط أن أعتذر لأني اعتقدت في مرحلة ما أن هناك إصلاحات، ولكني الآن نادمة على ذلك".

يطالب آلاف المتظاهرين في تونس بتحديد موعد إجراء انتخابات رئاسية نزيهة في مناخ سياسي مواتٍ يتضمن وضع حد للقيود المفروضة على الحريات الصحفية والسياسية.

وتأتي الاحتجاجات التونسية العارمة وسط أزمة اقتصادية وسياسية مؤلمة، وموجة من الاعتقالات شملت صحفيين ونشطاء ومعارضين في البلد العربي.


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية