"قوارب الموت".. تونس تتجرع أوجاع الهجرة غير الشرعية

"قوارب الموت".. تونس تتجرع أوجاع الهجرة غير الشرعية
الهجرة غير الشرعية

بوتيرة سريعة لا تهدأ يقصد مئات التونسيين شواطئها بحثا عن قوارب تقلهم نحو حلم العيش الرغد في دول الرفاه الاجتماعي بأوروبا، لكن سرعان ما يتحول الحلم إلى كابوس مخيف.

والسبت، أعلن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي) في تقرير، أن 1917 تونسياً تمكنوا من الوصول إلى السواحل الإيطالية منذ مطلع العام الجاري.

وأوضح التقرير أنه بخلاف هذا العدد هناك أعداد كبيرة لمهاجرين غير شرعيين من جنسيات أخرى ينطلقون من سواحل تونس إلى شواطئ أوروبا، وأن هذه الرحلات خلفت نحو 297 ضحية ومفقوداً خلال العام الجاري.

وتعاني مستشفيات صفاقس (جنوب) وغيرها من المدن الساحلية التونسية من تكدس جثامين المهاجرين غير الشرعيين، التي يتم انتشالها من عرض البحر، وفق رصد المنتدى التونسي للحقوق.

سياسات تقليدية

وأطلق المنتدى نداءً إنسانيًا للسلطات التونسية بالإسراع في إنهاء الإجراءات القانونية والطبية التي تتيح للعائلات التعرّف على هوية جثامين أبنائهم، والتكفل بدفن الجثث في أماكن لائقة بما يحفظ كرامة الضحايا.

وأكد المنتدى أنه على عكس المتوقع فقد ساهمت سياسات الهجرة الأوروبية والقبضة الأمنية التونسية، في تفاقم رحلات الهجرة غير الشرعية والموت على الشواطئ التونسية.

وفي بيانات شبه يومية، تعلن الداخلية التونسية، عن توقيف مهاجرين غير شرعيين من المواطنين التونسيين وجنسيات إفريقية مختلفة.

وفي ديسمبر الماضي، قال الرئيس التونسي قيس سعيد، في لقاء مع وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، إن السياسات التقليدية لمواجهة الهجرة غير الشرعية أثبتت محدوديتها. 

وطالب سعيد آنذاك "الدول الأوروبية بإقرار سياسة مشتركة تمكن من التشجيع على الهجرة الشرعية وفق آليات تضمن حقوق المهاجرين".

بدوره أوضح الوزير الإيطالي، أن استقرار تونس، أمر أساسي لمكافحة تدفقات الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط. 

ووفق بيانات رسمية، فإن أكثر من 70 بالمئة من المهاجرين غير الشرعيين، الذين يغادرون البلد العربي، من المواطنين التونسيين. 

من جهته، قال رمضان بن عمر، المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية: "رصدنا من خلال الإحصاءات الرسمية التونسية والإيطالي وفاة وفقدان 297 شخصا خلال العام الجاري".

وأضاف بن عمر لـ"جسور بوست" أن هؤلاء الضحايا كانوا على متن قوارب هجرة متهالكة تعرضت للغرق في عرض البحر المتوسط. 

 وأشار إلى أن عدد التونسيين الذين وصلوا إلى إيطاليا بشكل غير شرعي في عام 2021 بلغ 15 ألفا و671، بينهم 2700 قاصر أي بنسبة 28 بالمئة. 

وقال بن عمر إن أعداد المهاجرين غير الشرعيين التونسيين تعتبر مرتفعة جدا، وأيضًا عدد الضحايا في حالة ارتفاع مستمرة، رغم تصاعد إحكام القبضة الأمنية على السواحل البحرية.

ودلل على ذلك بأن السلطات التونسية منعت منذ يناير الماضي نحو 6 آلاف و485 مهاجرًا غير شرعي من الوصول إلى سواحل الدول الأوروبية. 

اقتصاد غير منظم

ويرى بن عمر أن تونس أصبحت هي حارس الحدود بالنسبة لأوروبا، وأن المقاربات الأمنية البحتة التي تتعامل بها السلطات التونسية خفضت عدد المهاجرين إلى إيطاليا وتسببت في ارتفاع معدلات الوفاة لأنها اعتمدت على المنع وليس البحث والإنقاذ.

وقال إن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ساهم في تعميق الرغبة في الهجرة غير الشرعية، موضحًا أن الأزمة السياسية أشاعت حالة من فقدان الأمل في الخروج سريعا من المشكلة الاقتصادية.

وتوقع بن عمر تدفقات أكثر من المهاجرين غير الشرعيين إلى إيطاليا هذا العام، مع تحسن الأحوال المناخية، لا سيما أن إيطاليا ليست المقصد الوحيد للتوانسة، بل يشاركها في ذلك إسبانيا وتركيا وصربيا. 

وأضاف أن شبكات تهريب المهاجرين أصبحت تدير اقتصاداً غير منظم للهجرة غير الشرعية، يشمل صناعة أو شراء المراكب المتهالكة والمحركات، وبه شبكات دعم لوجستي واستقطاب تعتمد على مجموعات صغيرة تعمل بشكل عنقودي.

وأشار إلى أن هذه الشبكات تستفيد من سياسات الإفلات من العقاب، ومن شراء ذمم أفراد في الأجهزة الرسمية كالشرطة أو الحرس البحري، وتستعمل تقنيات متطورة للتخفي والإفلات من الرقابة. 

وأوضح أن هناك شبكات عائلية تستفيد من تغطية المجتمعات المحلية عليها، كما أن هناك عمليات هجرة تنظم بشكل ذاتي من المهاجرين أنفسهم. 

وطرح بن عمر حلولا للأزمة قائلاً: "بشكل عاجل لا بد من فتح مسارات للهجرة المنظمة عبر اتفاقيات مع الدولة الأوروبية للحصول على عقود عمل موسمية خاصة لذوي المهارات اليدوية والتقنية".

ومضى قائلًا: "لا بد من اعتماد سياسات أكثر إنسانية في البحر تعطي الأولوية للبحث والإنقاذ، والعمل على حل الأزمة السياسية والاقتصادية في تونس".

وأوضح أنه على المديين المتوسط والبعيد لا بد من صياغة سياسات اقتصادية واجتماعية أكثر عدالة تعيد الأمل للتونسيين، مع مراجعة التعاون مع الاتحاد الأوروبي بما يكرس فعليا حرية التنقل. 

وتعتبر إيطاليا إحدى نقاط الدخول الرئيسية إلى أوروبا بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين من شمال إفريقيا، خاصة من دولتي تونس وليبيا. 

وبحسب البيانات الرسمية الإيطالية، وصل إلى البلد الأوروبي نحو 55 ألف مهاجرًا خلال العام الماضي 2021.

وخلال عام 2021، ضبطت وزارة الداخلية 20 ألفا و616 مهاجرا غير شرعي، بينهم 10 آلاف و371 أجنبيا معظمهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وفق بيانات سابقة.

وتشهد تونس تصاعدا لافتا في وتيرة الهجرة إلى أوروبا، إذ يتم بشكل شبه يومي إحباط محاولات هجرة غير شرعية وضبط مئات الأشخاص من قبل قوات الأمن والجيش في البلاد.

ومنذ 25 يوليو الماضي، تعاني تونس أزمة سياسية حادة حين بدأ رئيسها قيس سعيد فرض إجراءات استثنائية أبرزها حل البرلمان ومجلس القضاء وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وتبكير الانتخابات البرلمانية إلى 17 ديسمبر المقبل.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية