التطبيع الإيراني- الإسرائيلي

التطبيع الإيراني- الإسرائيلي
محمد الحمادي

شنّت إيران أكبر هجوم بالمسيرات في التاريخ على إسرائيل.. ليس لأن إسرائيل قتلت وجرحت أكثر من مئة ألف فلسطيني على مدار ستة أشهر، وإنما انتقاماً من إسرائيل لأنها قتلت سبعة من قيادات الحرس الثوري الإيراني في هجوم بطائرة بدون طيار على القنصلية الإيرانية في دمشق.

لم يكن الهدف الإيراني تدمير إسرائيل -كما يدعي قادتها في خطاباتهم طوال أربعة عقود- وإنما استعراض قوتها وحفظ ماء وجهها، كما أن النظام الإيراني لم يتوقف لحظة عن التبرير والتأكيد أنه لا يريد الإضرار بمصالح الولايات المتحدة أو استهداف قواعدها العسكرية أو مصالحها الاقتصادية، ثم أعلنت أنها حققت أهدافها من خلال وابل الصواريخ والمسيرات التي وجهتها نحو الأراضي الإسرائيلية والتي لم تؤدِ إلى أية أضرار أو ضحايا غير طفلة عربية أصيبت بشظايا أحد الصواريخ.. مؤكدة أنها ملتزمة في ردها بالقوانين الدولية.

هذه أول مواجهة مباشرة بين الطرفين، وما حدث في الرابع عشر من أبريل يمكن اعتباره "تطبيعاً" إيرانياً إسرائيلياً وأول علاقة علنية بين الصديقين اللدودين والعدوين الودودين، البلدين اللذين تجمعهما علاقات قديمة سرية وتعاملات على مختلف المستويات في الخفاء، لكنها طفت على السطح هذه الأيام لتبدأ مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين وإن كانت تبدو أنها علاقة حرب ومواجهة وصراع لكنها قد لا تستمر كذلك والعبرة في النهايات فيبدو أن النظام الإيراني لم يعد قادراً على تجاهل العلاقات العربية الإسرائيلية ويرى أنه أحق بهذه العلاقات من العرب وخصوصاً أن هناك جالية يهودية إيرانية كبيرة ومتنفذة في إسرائيل، واستثمارات إيرانية مليارية، فهل أثارت خطوة المملكة العربية السعودية للتقارب مع إسرائيل حفيظة وغيرة طهران فلم ترغب أن تكون خارج السرب فقامت بكل ذلك من أجل أن تكون جزءاً من المعادلة الإقليمية!

ما يحدث على أرض الواقع وطريقة الهجوم الإيراني على إسرائيل والخطوات الإسرائيلية للرد على طهران تجعلنا نفكر خارج الصندوق، بل تجعلنا ننظر إلى الأمر بطريقة قد تبدو للوهلة الأولى أنها بعيدة عن المنطق لكنها احتمال يجب استعراضه، فيبدو أن النظام الإيراني الذي يقود ما يسمى بمحور المقاومة يشعر بأنه في طريقه إلى أن يكون مهمشاً وبعيداً عن صنع القرار في المنطقة والتأثير فيه، فقرر أن يتخلى عن "صبره الاستراتيجي" وقرر أن يمارس "التطبيع التكتيكي" والذي يمكن أن يأتي عن طريق الحرب وليس شرطاً أن يأتي عن طريق السلام كما هو المعتاد.. فالنظام الإيراني يدرك أن عملية طوفان الأقصى جمّدت أو أجلت حوار السلام بين السعودية وإسرائيل، وفي ذلك فرصة لإيران بأن تفرض نفسها ويكون لها حضور ليس متأخراً عن خطوات الدول العربية وربما أصبحت تدرك أن مصالحها ليست في الاستمرار في عداء إسرائيل وإنما في التعامل معها، يبقى هذا احتمالاً وسيناريو افتراضي لما يحدث، لكن الأكيد اليوم أن خطوات وقرارات النظام الإيراني الكبيرة لم تكن يوماً من أجل الفلسطينيين أو القضية الفلسطينية وإنما من أجل مصالحه وطموحاته فقط.. وهذا هو التغير المفصلي، فقد سقط القناع الذي يضعه النظام الإيراني كمدافع عن الأقصى وفلسطين، وأصبح اليوم أمام واقع جديد بعد تخاذله عن غزة لأكثر من ستة أشهر، وبعد تورطه في هجوم مباشر على إسرائيل، والذي من الواضح أنه لن يمر دون رد إسرائيلي وعقاب غربي مؤثر.



ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية