الأم تريزا.. أم الفقراء وراهبة الإنسانية

الأم تريزا.. أم الفقراء وراهبة الإنسانية

في اليوم الدولي للعمل الخيري الذي يوافق الخامس من شهر سبتمبر في كل عام، يتذكر العالم شخصية أيقونية في العمل الخيري والإنساني ومد يد العون للمحتاجين والفقراء في مختلف البلدان، صاغت فلسفتها الخاصة "لا تفكر أبداً بالأعداد، بل ساعد كل مرة شخصاً واحداً وابدأ من الأقرب لك".. واليوم نتذكرها في وقت تشتد فيها النزاعات والأزمات والصراعات التي يدفع في النهاية ثمنها الصعب البسطاء والأبرياء والفقراء الذين تتعاظم محنتهم في ظل كل تلك الظروف.
 
يستذكر العالم في هذا واحدة من أكثر الشخصيات التي أسهمت في تغيير واقع الكثيرين من المحتاجين والفقراء إلى الأفضل، يتذكرها الذين عاشت من أجلهم وسخّرت حياتها من أجل مساندتهم، حتى رحلت في الخامس من سبتمبر عام 1997.. إنها الأم تريزا، السيدة التي عاشت للمحبة ولها "في كل مرة نبتسم فيها لشخص آخر نقدم له هدية، هدية جميلة جدّاً".
 
ما أكثر الذي قدمته وبذلته من عطاء في حياتها حتى أصبحت أماً للفقراء، وأصبحت نموذجاً ملهماً وفريداً في كل التفاصيل، من بدايات الرحلة وحتى النهاية.

لماذا 5 سبتمبر؟
 
في السابع عشر من ديسمبر عام 2012 قدمت دولة المجر مشروع قرار حظيا بترحيب كبير إلى الجمعية العام للأمم المتحدة، لاختيار يوم الخامس من سبتمبر يوماً دولياً للعمل الخيري، متضمناً دعوة إلى الاحتفال باليوم الدولي للعمل الخيري بطريقة مناسبة، من خلال تشجيع الأعمال الخيرية، بما في ذلك من خلال أنشطة التعليم والتوعية العامة.
 
بالدم أنا ألبانية.. وبالجنسية أنا هندية
 
"بالدم أنا ألبانية، وبالجنسية أنا هندية، وبالإيمان أنا راهبة كاثوليكية، أما عن دعوتي فأنا أنتمي إلى العالم، أما عن قلبي فأنا أنتمي كلياً إلى قلب اليسوع" هكذا قدمت الأم تريزا نفسها.
 
ولدت الأم تريزا في 26 أغسطس 1910 باسم أغنيس جونكسا بوجاكسيو في سكوبيه التي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية (مقدونيا الشمالية حالياً)، ونشأت في عائلة كاثوليكية متدينة، وتوفي والدها وهي في الثامنة من العمر، ووفقاً للسير الذاتية التي كتبت عنها فقد تأثرت بقصص حياة المبشرين وهي على مشارف عامها الثامن عشر اقتنعت بضرورة التزامها الديني، لتغادر منزلها وتقرر الانضمام إلى راهبات لوريتو في دير لوريتو بأيرلندا، ومنها إلى الهند.
 
وهناك كانت الرحلة؛ فمن عام 1931 إلى عام 1948 قامت الأم تريزا بالتدريس في مدرسة سانت ماري الثانوية في كلكتا، ولكن المعاناة والفقر اللذين لمحتهما خارج أسوار الدير تركا انطباعاً عميقاً عليها لدرجة أنها حصلت في عام 1948 على إذن من رؤسائها بمغادرة مدرسة الدير وتكريس نفسها للعمل بين أفقر الفقراء في الأحياء الفقيرة في كلكتا.
 
في السابع من أكتوبر 1950، حصلت الأم تريزا على إذن لتأسيس رهبنة خاصة بها تحت مسمى "مبشرات المحبة" ولخصت الأم تريزا مهمتهن في مساعدة "الجوعى والعراة والمشردين والمقعدين والمكفوفين والمصابين بالجذام، وكل هؤلاء الأشخاص الذين يشعرون بأنهم غير مرغوب فيهم وغير محبوبين في جميع أنحاء المجتمع، الأشخاص الذين أصبحوا عبئاً على المجتمع وينبذهم الجميع".
 
في عام 1965، وافق البابا بولس السادس على طلب الأم تريزا بتوسيع جماعتها إلى بلدان أخرى، وبدأت بالتوسع مع افتتاح مقار لها في جميع أنحاء العالم، وكان أول مقر لها خارج الهند في فنزويلا، وبعدها في روما وتنزانيا، وانتشرت في الاتحاد السوفييتي السابق ودول أوروبا الشرقية.
 
ومن كلكتا كانت المساهمة الأولى، حوّلت معبداً هندوسياً مهجوراً إلى دار للأشخاص الذين يقتربون من الموت، وأطلقت عليه اسم "القلب النقي"، وبحلول ستينيات القرن العشرين، كانت قد افتتحت دور رعاية للمسنين وملاجئ للأيتام ومنازل للمصابين بالجذام في جميع أنحاء الهند.
 
لم تكن منطقة الشرق الأوسط حتى بعيدة عن إسهاماتها، ففي ذروة حصار بيروت عام 1982، أنقذت الأم تريزا 37 طفلاً محاصراً في مستشفى على الخطوط الأمامية من خلال التوسط في وقف إطلاق نار مؤقت بين الجيش الإسرائيلي والمقاتلين الفلسطينيين، وبصحبة عمال الصليب الأحمر سافرت عبر منطقة الحرب إلى المستشفى لإجلاء المرضى الصغار.
 
وقدمت الأم تريزا كل ما لديها لمساعدة المحتاجين في إثيوبيا، وضحايا الإشعاع في تشيرنوبيل، وضحايا الزلزال في أرمينيا على الرغم من أن معاناتها الصحية لم تتوقف أبداً، حيث أصيبت الأم تريزا بنوبة قلبية في روما عام 1983 أثناء زيارتها للبابا يوحنا بولس الثاني، وبنوبة ثانية في عام 1986.. وكان الأمر مؤشراً على بداية في تدهور حالتها الصحية التي انتهت بالإصابة بالملاريا وقصور القلب.
 
ولكن ومع حلول عام 1996 كانت الأم تريزا قد تمكنت من إدارة 517 بعثة في أكثر من 100 دولة.
 
في عام 1979، حصلت الأم تيريزا على جائزة نوبل للسلام "عن العمل الذي قامت به في النضال من أجل التغلب على الفقر والبؤس الذي يشكل أيضاً تهديداً للسلام" ورفضت المأدبة الاحتفالية التقليدية للحائزين الجائزة، وطالبت بإعطاء تكلفتها البالغة 192000 دولار للفقراء في الهند.
 
توفيت الأم تريزا في الخامس من سبتمبر 1996 وأقامت لها الحكومة الهندية جنازة رسمية اعترافاً بجهودها الإنسانية، وفي سنة 2016 رفع البابا فرنسيس الأم تريزا إلى مرتبة القديسين في احتفال أقيم بالفاتيكان تقديراً لمساعداتها الإنسانية وتضحياتها.
 
وفي ذاكرة الإنسانية تبقى الأم تريزا خالدة، فليس من الغريب أن يتقدم أوباما للحصول على نوبل وهو يؤكد أنه لا يقارن مع هذه السيدة، ولا أن يخاطبها الرئيس ريغان وهو يمنحها وسام الحرية قائلا "هذه هي المرة الأولى التي أمنح فيها قلادة الحرية ويخامرني شعور بأن التي تتلقاها قد تذيبها كي تبيع ذهبها لصالح الفقراء".

عمل الأم تيريزا بين المظلومين والمحتاجين والمرضى سوف يظل حاضراً في ذاكرتنا لسنوات عديدة قادمة، وسوف يتذكرها الناس دوماً لأعمالها الخيرية العظيمة التي لم تقتصر على إفادة أفقر الفقراء في كلكتا فحسب، بل ساهم أيضاً في تخفيف حدة التشرد والفقر.. كانت تلك الكلمات التي استخدمها مانديلا في نعي الأم تريزا التي رأى في رحيلها خسارة للإنسانية بأكملها.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية