"الإيكونوميست": الغرب يواجه العواقب الاقتصادية والاجتماعية لتقليص الهجرة
"الإيكونوميست": الغرب يواجه العواقب الاقتصادية والاجتماعية لتقليص الهجرة
سجّلت الدول الغربية تراجعًا غير مسبوق في أعداد الوافدين الجدد خلال عام 2024، بعد فترة قصيرة من الطفرة التي شهدتها الهجرة العالمية بين عامَي 2022 و2023، حيث انخفض صافي الهجرة إلى بريطانيا للنصف خلال العام الماضي، وسجّلت كندا في الربع الأخير من عام 2024 دخول 60 ألف شخص فقط، مقارنةً بـ420 ألفًا في منتصف عام 2023
ووفقاً لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست"، اليوم الثلاثاء، انخفض أيضا صافي الهجرة إلى الولايات المتحدة في أبريل إلى وتيرة سنوية تبلغ 600 ألف شخص فقط، بعد أن كان 4 ملايين في عام 2023، وانخفض صافي الهجرة إلى نيوزيلندا بنسبة 80% في مارس مقارنة بذروته في أواخر عام 2023، ويكشف هذا التراجع الجماعي عن انعكاس مفاجئ للمسار الذي شهدته السياسات السكانية في الغرب عقب الجائحة.
وفرض الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قيودًا مشددة على الهجرة بعد عودته إلى الحكم، وشدّد مراقبة الحدود الجنوبية مع المكسيك، التي كانت سابقًا منفذًا لملايين الأشخاص.
وقلّل ترامب من فرص الحصول على تأشيرات، ورفع من وتيرة عمليات الترحيل بنسبة 25% مقارنة بالعام السابق، وفقًا للبيانات التي جمعها الباحث المستقل توماس كارترايت، كما نظّم إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية مداهمات إعلامية رفيعة المستوى، هدفت لردع المهاجرين المحتملين من التوجه إلى البلاد.
وكثّفت دول أوروبية بدورها جهود الترحيل، ففي الربع الأخير من عام 2024، طردت حكومات الاتحاد الأوروبي نحو 30 ألف شخص من مواطني الدول الثالثة، بزيادة تُقارب 30% عن العام السابق.
تضاعف عمليات الترحيل
وفي المجر، تضاعفت عمليات الترحيل ثلاث مرات، في حين ارتفع عدد المبعدين في أيرلندا من 80 في نهاية عام 2023 إلى 465 في بداية 2025.
وفرض رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني، حداً أقصى للهجرة، في أولى خطواته بعد تولي المنصب، وفي بريطانيا، أدخلت الحكومة متطلبات لغوية أكثر صرامة للمهاجرين المحتملين، وضيّقت شروط الإقامة القانونية.
وبرّر كثير من الساسة، مدعومين ببعض الاقتصاديين، هذه السياسات بادّعاء أن الهجرة تؤدي إلى تراجع مستويات المعيشة، وخفض الأجور، ورفع أسعار المساكن، لكنّ هذه الادعاءات لم تلقَ دعمًا من المؤشرات الاقتصادية الأخيرة، ما أوقع صُنّاع القرار في مأزق سياسي.
غياب التأثير الإيجابي
انخفض نمو الأجور في الاقتصادات المتقدمة خلال عام 2024، خلافًا لتوقعات مناهضي الهجرة، وسجّل معدل البطالة ارتفاعًا تدريجيًا.
في كندا، قفزت الأجور بنقطتين مئويتين فقط عن أدنى مستوياتها، لتسجّل أحد أسوأ أداء في الدول الغنية، رغم انخفاض عدد المهاجرين.
وركّزت دراسة أمريكية على المهن التي تُمثّل العمالة المهاجرة فيها نسبة عالية، مثل تنظيف المباني وتركيب الجدران الجافة، وكشفت النتائج أن نمو الأجور ظل ضعيفًا، حتى مع تراجع المنافسة على هذه الوظائف.
يشير ذلك إلى أن المهاجرين المغادرين لم يكونوا منافسين فقط، بل ربما وظّفوا عمالًا محليين أيضًا، وتدل هذه البيانات على هشاشة فرضية أن المهاجرين "يسرقون الوظائف"، كما تروّج بعض الدوائر السياسية.
ولم تؤدِّ القيود على الهجرة إلى انخفاض في أسعار العقارات كما كان متوقعًا، وواصلت الإيجارات ارتفاعها بنسبة 5% على أساس سنوي في معظم الدول الغنية، متجاوزة وتيرة التضخم العام.
الإيجارات لم تنخفض
أظهر تحليل أجراه الباحثان ويليام كوكرين وجاك بوت من جامعة وايكاتو، أن كل زيادة بنسبة 1% في عدد السكان المهاجرين تؤدي إلى ارتفاع الإيجارات بنسبة تراوح بين 0.5% و1%، ورغم تراجع أعداد المهاجرين، لم تنخفض الإيجارات بل تباطأت زيادتها بشكل طفيف فقط.
وسجّلت أمريكا وبريطانيا -وهما في طليعة الدول التي قيّدت الهجرة- زيادات في أسعار العقارات، وتُظهر هذه المؤشرات أن هناك عوامل أخرى أكثر تأثيرًا من الهجرة في ارتفاع تكاليف السكن، من بينها نقص المعروض العقاري وضعف الاستثمار في مشاريع البناء.
وتُظهر الدراسات أن المهاجرين لا يشكّلون عبئًا اقتصاديًا فقط، بل يدفعون عجلة الاقتصاد، يستهلك المهاجرون السلع والخدمات، ما يُعزز الطلب ويرفع الإنتاجية، كما يقبلون بوظائف متدنية الأجور يرفضها المواطنون، ما يُتيح لهؤلاء فرصة الانتقال إلى مهن أفضل دخلًا.
دور مهم للمهاجرين
يسهم المهاجرون في قطاع البناء بشكل مباشر، ويؤدون دورًا رئيسيًا في تسريع وتيرة إنشاء المساكن، ومع تراجع أعدادهم، تتباطأ مشاريع البناء، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في السوق العقاري.
وفاز عديد من الساسة بوعود انتخابية تقوم على تقليص الهجرة ورفع مستويات المعيشة، لكنّ تنفيذ الشق الأول من الوعد لم يُؤدِّ إلى نتائج ملموسة على الشق الثاني، بل أظهرت المؤشرات أن التحديات الاقتصادية، لا سيما في الأجور والسكن، مستمرة -أو حتى تزداد- رغم التراجع الحاد في تدفقات الهجرة.
قد يضطر صُنّاع القرار في المرحلة المقبلة إلى إعادة تقييم العلاقة بين السياسات السكانية والعدالة الاقتصادية، والتسليم بأن الهجرة المنظمة، لا المقيدة، قد تكون جزءًا من الحلول لا من أسباب الأزمات.