تقرير أممي: المملكة العربية السعودية تقدم نموذجاً عالمياً في رعاية كبار السن
تقرير أممي: المملكة العربية السعودية تقدم نموذجاً عالمياً في رعاية كبار السن
في تقرير مفصل يعد مرجعاً دولياً في مجال رعاية كبار السن، قدمت الخبيرة المستقلة المعنية بتمتع كبار السن بجميع حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، كلوديا ماهلر، تقييماً إيجابياً للتقدم الذي أحرزته المملكة العربية السعودية في مجال حماية وتعزيز حقوق كبار السن.
جاء هذا التقرير الذي سيتم عرضه خلال الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، التي تتواصل فعالياتها حتى الثامن من أكتوبر المقبل، بعد زيارة ميدانية شاملة قامت بها الخبيرة الدولية للمملكة خلال الفترة من 20 إلى 30 أبريل 2025.
كشف التقرير الأممي الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، عن تحول جذري في بنية المملكة التحتية، حيث أصبحت المرافق والخدمات العامة أكثر شمولية وتستجيب لاحتياجات كبار السن بشكل غير مسبوق.
وتصدر قطار الحرمين السريع قائمة المشاريع المتميزة، حيث خصصت إدارة القطار مئات الكراسي المتحركة المتطورة، بما في ذلك الكراسي الكهربائية، ومسارات مخصصة، ومناطق انتظار مريحة تم تصميمها وفق أعلى المعايير الدولية.
وأشار التقرير إلى أن هذه التحسينات لم تكن مجرد إضافات ثانوية، بل جاءت نتيجة تخطيط استراتيجي طويل الأمد يضع احتياجات كبار السن في صلب أولويات التصميم الحضري.
ولاحظت الخبيرة الدولية خلال زيارتها أن محطات القطار تضم مناطق انتظار مريحة مجهزة بمقاعد مخصصة لكبار السن، بالإضافة إلى إشارات صوتية وبصرية واضحة تسهل التنقل للأشخاص ذوي القدرات البصرية أو السمعية المحدودة.
ثورة رقمية في خدمة كبار السن
وأبرز التقرير الطفرة التقنية التي قادتها المملكة في مجال الخدمات الرقمية المخصصة لكبار السن، حيث قدم تحليلاً مفصلاً لمنصة "أشر" الحكومية التي وفرت أكثر من 50 خدمة إلكترونية يمكن لكبار السن الوصول إليها من منازلهم دون الحاجة للانتقال إلى المراكز الحكومية.
وأشاد التقرير بمبادرة "تقدير" الفريدة من نوعها، والتي تقدم خدمات ميدانية شاملة للأشخاص فوق 85 عاماً في أماكن إقامتهم، وتشمل هذه الخدمات تجديد الوثائق الرسمية، واستصدار التصاريح، وحتى الخدمات الصحية الأساسية، ما يضمن لكبار السن الحصول على ما يحتاجون دون التنقل.
ولم يغفل التقرير الإشادة بمبادرتي "تأتي إليك" و"موجودين" التابعتين لوكالة الأحوال المدنية، واللتين حققتا نقلة نوعية في تقديم الخدمات للمواطنين في المناطق النائية أو ذوي القدرة المحدودة على الحركة.
نظام للضمان الاجتماعي
كشف التقرير عن التطور الكبير في النظام السعودي للضمان الاجتماعي، حيث أصبح يغطي أكثر من 1.8 مليون مستفيد، مع نسبة استبدال دخل من بين الأعلى عالمياً تصل إلى 76% في المتوسط.
وأشار التقرير إلى أن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تقدم مجموعة واسعة من الخدمات عبر الإنترنت وخارجها، ومنها برنامج الزيارات المنزلية للمشتركين الذين يواجهون تحديات في الوصول إلى مكاتبهم.
وأكد التقرير أن الحكومة السعودية تدرس حالياً توسيع نطاق التغطية ليشمل العمال الوافدين، في خطوة تهدف إلى تعزيز الحماية الاجتماعية لجميع المقيمين على أراضيها، وهذا التوجه يتماشى مع التزامات المملكة الدولية في مجال حقوق الإنسان ويظهر حرصها على ضمان حماية اجتماعية شاملة للجميع.
نظام صحي متطور
أفرد التقرير مساحة كبيرة للإنجازات الصحية التي حققتها المملكة، حيث سلط الضوء على مستشفى صحة الافتراضي بوصفها كبرى منصات الرعاية الصحية عن بُعد في العالم، هذا المستشفى الافتراضي يضم 224 مركزاً صحياً ويقدم خدمات متخصصة في مجالات أمراض القلب والأعصاب والرعاية الحرجة والطب النفسي.
وأشاد التقرير ببرامج الرعاية المنزلية التي توفر خدمات متخصصة مثل غسيل الكلى والعلاج الطبيعي وتأهيل المسنين في منازلهم. هذه الخدمات لا تقتصر على الزيارات المنزلية فقط، بل تشمل أيضاً توفير الأجهزة الطبية المساعدة وتكييفها في منازل كبار السن، ما يمكنهم من العيش باستقلالية وكرامة.
ووثق التقرير التنوع الكبير في المراكز الاجتماعية والنوادي المخصصة لكبار السن التي توفر أنشطة تراوح بين الرياضة والثقافة والتقنية. وأشاد بشكل خاص بالمراكز النسائية المخصصة التي تتيح للمرأة العجوز المشاركة في الحياة المجتمعية في بيئة مريحة وآمنة.
هذه المراكز لا تقتصر على الأنشطة الترفيهية التقليدية، بل تمتد لتشمل دورات تعليمية في المهارات الرقمية، وورش عمل للحرف التقليدية، وأنشطة تهدف إلى تعزيز التواصل بين الأجيال. وقد لاحظت الخبيرة الدولية خلال زيارتها أن هذه المراكز تجتذب عدداً كبيراً من النساء العجائز من خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة.
التزام دولي راسخ
أكد التقرير الدور الريادي للمملكة على الصعيد الدولي في مجال دعم حقوق كبار السن، حيث أشاد بدورها البارز في رعاية القرار الأممي 13/58 الذي يهدف إلى تطوير اتفاقية دولية ملزمة لحماية حقوق المسنين.
وأشاد التقرير بالتعديلات التشريعية الأخيرة التي قامت بها المملكة، ومن أبرزها تعديل المادة 61 من قانون العمل في عام 2024، والذي حظر التمييز على أساس السن في سوق العمل، معتبراً أن هذا التعديل يشكل خطوة مهمة نحو ضمان تكافؤ الفرص للعمال من جميع الفئات العمرية.
وكشف التقرير عن الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة في مجال تدريب الكوادر الصحية المتخصصة في رعاية كبار السن. حيث أشار إلى أن المملكة أطلقت في عام 2021 أول برنامج تدريبي متخصص في طب الشيخوخة، مع توفير 50 مقعداً تدريبياً للتخصصات الصحية.
ويعد هذا الاستثمار في الكوادر البشرية دليلاً على النظرة الاستراتيجية طويلة المدى التي تتبناها المملكة في مجال رعاية كبار السن. فمع توقع زيادة عدد كبار السن في المملكة بشكل كبير خلال العقود القادمة، فإن هذه الاستثمارات ستمكن النظام الصحي من مواجهة التحديات المستقبلية بشكل فعال، بحسب التقرير.
تطوير شامل
واختتمت ماهلر، تقريرها بتأكيد أن المملكة العربية السعودية تمضي قدماً في مسيرة التطوير الشامل لخدمات كبار السن، معربة عن ثقتها في استمرار هذه المسيرة التطويرية التي تهدف إلى ضمان حياة كريمة وآمنة لكل مسن وعجوز على أراضي المملكة.
وشدد التقرير على أن النموذج السعودي في رعاية كبار السن يقدم دروساً قيمة للدول الأخرى، خاصة تلك التي تواجه تحولات ديموغرافية مماثلة، فالجمع بين الاستثمار في البنية التحتية، والتطوير التقني، والتشريعات الداعمة، والخدمات الاجتماعية الشاملة، يظهر كيف يمكن للدول أن تتحول بشكل ناجح لتلبية احتياجات مجتمعاتها المسنة.