صلاحيات الرقابة والمنع.. غضب يتصاعد في إسرائيل بسبب قوانين تهدد الصحافة
صلاحيات الرقابة والمنع.. غضب يتصاعد في إسرائيل بسبب قوانين تهدد الصحافة
تعيش إسرائيل أجواء توتر متزايدة بعد طرح حزمة من مشاريع القوانين التي تهدد مستقبل الإعلام وحرية الصحافة، ما أثار حالة من القلق داخل الأوساط الإعلامية والقضائية والسياسية، خاصة أن هذه المقترحات تطل في لحظة دقيقة يتهيأ فيها البلد لسباق انتخابي حاد قبل حلول نوفمبر 2026، وفي ظل هشاشة داخلية خلفتها الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023 يبدو الجدل حول الإعلام جزءا من معركة أوسع تتعلق بشكل النظام السياسي ومستقبل التعددية وحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات.
مشاريع قوانين تمس جوهر البث العام
المقترحات التي أعدها الائتلاف الحاكم تتضمن تعديلا موسعا لقانون البث العام بهدف تعزيز قبضة الدولة على هيئة البث الرسمية المعروفة باسم “كان”، ويقترح وزير الاتصالات شلومو كرعي إنشاء هيئة جديدة تزعم الحكومة أنها ستشجع المنافسة وتحد من البيروقراطية، فيما يقول معارضون إن جوهر المشروع هو إخضاع البث العام لسيطرة سياسية مباشرة، وفق فرانس برس.
المستشارة القانونية للحكومة غالي بهاراف ميارا، التي تخوض صراعا مفتوحا مع الحكومة منذ أشهر، وصفت المشروع بأنه تهديد صريح لمبدأ حرية الصحافة، وأكدت أن القانون المقترح قد يسمح بتغيير بنية المؤسسة الإعلامية العامة بما يضعف استقلاليتها التي تعد إحدى المساحات القليلة المتبقية للرقابة الصحفية.
ولم يقتصر الأمر على البث العام، إذ يناقش البرلمان تعديلا آخر على القانون الذي استُخدم في أبريل 2024 لإغلاق قناة الجزيرة ومنعها من العمل داخل إسرائيل. ويمنح التعديل الجديد وزير الاتصالات سلطة إغلاق أي قناة أجنبية يعتبرها معادية، دون الحاجة إلى حالة حرب أو مراجعة قضائية مسبقة، وهو ما أثار تحفظات واسعة داخل المؤسسات القانونية والأكاديمية.
محاولة تكميم الأفواه
نقابة الصحفيين الإسرائيليين سارعت إلى الطعن في مشروع التعديل أمام المحكمة العليا، معتبرة أن الحكومة الإسرائيلية تسعى لفرض رقابة صارمة تلتف على استقلالية التحرير وتحد من قدرة الصحفيين على العمل بحرية.
منظمة “مراسلون بلا حدود” اعتبرت أن مشروع تعديل البث العام يشكل ضربة قاسية لاستقلال غرف الأخبار، بينما ذهب زعيم المعارضة يائير لابيد إلى وصف ما يحدث بأنه حملة منظمة لإثارة الكراهية وتكميم الصحافة، وقال إن ما تقدمه الحكومة لا يعد إصلاحا، بل يمثل محاولة للاستيلاء العدائي على وسائل الإعلام وحرفها عن دورها الرقابي.
النائب أرييل كيلنر من حزب الليكود، وهو صاحب تعديل إغلاق القنوات الأجنبية، برر المشروع بالقول إن الإعلام قد يكون منصة لنشر معلومات سرية ودعاية تحض على الكراهية والعداء للسامية، وأن من واجب الدولة التحرك لمنع ذلك. تصريحات كهذه أثارت مزيدا من المخاوف بشأن توظيف مفاهيم الأمن القومي لتبرير التضييق على وسائل الإعلام.
الإذاعة العسكرية في مرمى الحكومة
بالتوازي مع هذه المشاريع، أعلن وزير الدفاع يسرائيل كاتس عزمه إغلاق إذاعة غالي تساحال، وهي محطة عسكرية بدأت بثها عام 1950 وتحظى بانتشار واسع بين الجمهور، وتقدم الإذاعة مزيجا من البرامج الإخبارية والثقافية، وتأتي في المرتبة الثالثة من حيث نسبة الاستماع التي تبلغ 17.7 في المئة بحسب آخر الاستطلاعات، بينما تتصدر محطة غال غالاتس بنسبة 23.6 في المئة وتليها كان بنسبة 18.8 في المئة.
معهد الديمقراطية الإسرائيلي انتقد القرار بشدة، معتبرا أنه يتعارض مع المبادئ الأساسية لسيادة القانون ويضرب واحدا من أهم مكونات المشهد الإعلامي في إسرائيل، وذكر المعهد أن الإذاعة العسكرية لعبت دورا مهما في تشكيل الوعي العام، وأن إغلاقها دون مبررات مهنية واضحة يشكل خطوة تهدد التعددية الإعلامية.
وقال كاتس إن الإذاعة ستتوقف عن البث في أوائل مارس 2026، موضحا أنه عرض خطته على مجلس الوزراء وأن الهدف هو إعادة تنظيم المشهد الإعلامي العسكري. لكن هذه التبريرات لم تقنع معارضي القرار الذين يرون فيه محاولة جديدة لتقليص مساحات التعبير المستقلة.
دخول وسائل الإعلام إلى غزة
في سياق متصل، تواصل الحكومة الإسرائيلية منذ أكثر من عامين منع الصحفيين الدوليين من دخول قطاع غزة، ما يمنع تغطية مباشرة للأوضاع الإنسانية في ظل حرب خلفت دمارا هائلا وخسائر بشرية واسعة.
رابطة الصحافة الأجنبية قدمت طعنا أمام المحكمة العليا تطالب فيه برفع الحظر، ونددت في 9 ديسمبر بما وصفته تأجيلات متكررة تتجاوز كل منطق، وأكدت الرابطة أن العالم محروم من رؤية ما يحدث على الأرض، وأن غياب الصحافة الميدانية يسهم في حجب الحقائق ويترك المجال للحكومة للتحكم في الرواية الرسمية دون رقابة مستقلة.
أجواء سياسية معقدة
تأتي هذه التطورات في ظل وضع سياسي شديد الحساسية. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعتزم الترشح لولاية جديدة في انتخابات برلمانية يجب إجراؤها قبل نهاية نوفمبر 2026، وتظهر استطلاعات الرأي أن غالبية كبيرة من الإسرائيليين يطالبون بمحاسبته على إدارة الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023 عقب هجوم حركة حماس من غزة.
قبل الحرب، كانت حكومة نتنياهو، وهي الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، قد أدخلت البلاد في أزمة سياسية عميقة بسبب خطة إصلاح قضائي أثارت أكبر موجة احتجاجات شهدتها إسرائيل، ويرى معارضون أن ما يجري اليوم من تضييق على الإعلام هو امتداد لمحاولات السيطرة على المؤسسات الأساسية وإضعاف توازن السلطات.
تاريخيا، لعب الإعلام دورا محوريا في الحياة السياسية الإسرائيلية باعتباره منصة للنقاش العام ومجالاً لممارسة الرقابة على الحكومة، ورغم التوترات المتكررة بين السلطات ووسائل الإعلام، ظلت إسرائيل تحافظ على مستوى من حرية الصحافة يتفوق على العديد من دول المنطقة، غير أن السنوات الأخيرة شهدت تغيرات واضحة في العلاقة بين الحكومة والمؤسسات الإعلامية، وخاصة منذ عودة نتنياهو إلى السلطة.
خلال فترات الحكم المتعاقبة، أدت الضغوط السياسية والاقتصادية إلى تراجع استقلال الصَحف والفضائيات، فيما زادت الاتهامات الموجهة للإعلام بأنه منحاز لفئات معينة. ومع صعود الخطاب اليميني، تعززت محاولات إعادة صياغة البيئة الإعلامية عبر آليات تشريعية وتنظيمية جديدة، ويشير خبراء في مراكز أبحاث إسرائيلية إلى أن تقييد الإعلام في ظل أجواء الحرب يفتح الباب أمام إعادة تشكيل المشهد بالكامل، خاصة إذا مرّت التشريعات الجديدة، ويمثل هذا تحديا كبيرا لحرية الرأي والتعبير، في وقت تواجه فيه إسرائيل واحدة من أعقد مراحلها السياسية والأمنية منذ عقود.











