تجفيف قنوات الإغاثة.. تحذيرات دولية من قيود إسرائيلية تُفاقم انهيار الحقوق في غزة
تجفيف قنوات الإغاثة.. تحذيرات دولية من قيود إسرائيلية تُفاقم انهيار الحقوق في غزة
حذّرت عشر دول غربية من تداعيات إنسانية خطيرة عقب إعلان السلطات الإسرائيلية تعليق عمل عشرات المنظمات الإنسانية الدولية في قطاع غزة، في خطوة اعتبرتها هذه الدول تهديدًا مباشرًا لحقوق المدنيين في الحصول على المساعدة والحماية، وفق ما نقلته صحيفة "الغارديان".
وقد أعرب وزراء خارجية كل من بريطانيا وكندا والدنمارك وفنلندا وفرنسا وأيسلندا واليابان والنرويج والسويد وسويسرا، في بيان مشترك صدر عبر وزارة الخارجية البريطانية، عن "قلق بالغ" إزاء ما وصفوه بـ"التدهور المتجدد" للوضع الإنساني في القطاع، محذرين من أن المدنيين يواجهون ظروفًا "كارثية" خلال فصل الشتاء.
يشير البيان إلى أن الأمطار الغزيرة وانخفاض درجات الحرارة يفاقمان معاناة سكان غزة، في وقت ما زال فيه 1.3 مليون شخص بحاجة ماسة إلى دعم إيوائي، في حين يعمل أكثر من نصف المرافق الصحية جزئيًا فقط بسبب نقص حاد في المعدات والمستلزمات الطبية الأساسية.
الانهيار الصحي والبيئي
حذّر وزراء الخارجية من أن الانهيار شبه الكامل للبنية التحتية للصرف الصحي جعل مئات الآلاف عرضة للخطر، في مؤشر على تآكل الحقوق الأساسية للسكان، وعلى رأسها الحق في الصحة والمياه الآمنة والعيش بكرامة.
يدعو البيان الأمم المتحدة وشركاءها إلى مواصلة العمل داخل غزة، ويطالب برفع "القيود الإسرائيلية غير المبررة" على الواردات التي تُصنّف على أنها ذات استخدام مزدوج، مشيرًا إلى أن هذه القيود تشمل معدات طبية ومستلزمات إيواء ضرورية للغاية.
وينتقد الوزراء استمرار إغلاق المعابر أو فرض قيود مشددة على حركة المساعدات الإنسانية، ومنها معبر رفح، أكبر معبر حدودي يؤدي مباشرة إلى مصر، مؤكدين أن الإجراءات الجمركية البيرقراطية وعمليات التفتيش المكثفة تتسبب في تأخيرات خطيرة.
يحدد البيان هدفًا أدنى لدخول 4200 شاحنة أسبوعيًا، ومنها 250 شاحنة تابعة للأمم المتحدة يوميًا، معتبرًا أن هذه الأرقام يجب أن تكون حدًا أدنى لا سقفًا أقصى، لضمان وصول الإمدادات الحيوية بالكميات المطلوبة.
إعلان إسرائيل
أعلنت وزارة شؤون المغتربين الإسرائيلية، بحسب ما نقلته "الغارديان"، أنها ستوقف عمل عشرات المنظمات الإنسانية العاملة في غزة خلال مهلة لا تتجاوز 36 ساعة، بحجة عدم استيفائها الشروط الجديدة الصارمة المتعلقة بتقديم البيانات الشخصية للموظفين الفلسطينيين والدوليين.
تشمل قائمة المنظمات المشمولة بالقرار منظمات إنسانية دولية بارزة، منها منظمة أطباء بلا حدود ومنظمة أكشن إيد ولجنة الإنقاذ الدولية، وهي مؤسسات تلعب دورًا محوريًا في تقديم خدمات الإغاثة والرعاية الصحية والدعم الاجتماعي في القطاع المدمر.
يأتي هذا الإعلان، في وقت ضربت فيه عواصف عاتية قطاع غزة، مدمّرة آلاف الخيام خلال أيام قليلة، ما فاقم أزمة إنسانية توصف أصلًا بأنها حادة، خاصة بين النازحين الذين يعيشون في مساكن مؤقتة تفتقر إلى الحماية.
تقول السلطات الإسرائيلية إنها وجّهت تحذيرات كافية للمنظمات بشأن متطلبات التسجيل الجديدة، مشيرة إلى أن نحو 15% من المنظمات غير الحكومية العاملة في غزة لم تُجدّد تراخيصها.
كما أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنه سيتم تعليق تراخيص المنظمات التي لا تستوفي متطلبات "الأمن والشفافية"، موضحة أن المنظمات التي رفضت تقديم قوائم بأسماء موظفيها الفلسطينيين تلقت إشعارات رسمية بإلغاء تراخيصها اعتبارًا من 1 يناير.
مزاعم إسرائيلية
وتزعم الوزارة أن تحقيقًا كشف أن منظمة أطباء بلا حدود توظف شخصين على صلة بجماعات فلسطينية مسلحة، أحدهما قناص مزعوم في حركة حماس، والآخر عضو في حركة الجهاد الإسلامي، دون أن توضح ما إذا كان ترخيص المنظمة قد أُلغي فعليًا.
من جانبها نفت منظمة أطباء بلا حدود هذه الاتهامات، مؤكدة أنها "لن توظف أبدًا عن علم أشخاصًا يشاركون في أنشطة عسكرية"، وتوضح أنها تواصل الحوار مع السلطات الإسرائيلية بشأن التسجيل دون تلقي قرار نهائي حتى الآن.
وتُشير "الغارديان" إلى أن الاتهامات الموجهة إلى أطباء بلا حدود تُشبه تلك التي سبق أن وجهتها إسرائيل إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، الوكالة الأممية الرئيسية العاملة مع الفلسطينيين.
وتوضح الصحيفة أن قانونًا إسرائيليًا صدر مؤخرًا يُجبر شركات الكهرباء والمياه والاتصالات والبنوك على قطع جميع الخدمات عن الأونروا، بعد قوانين سابقة منعتها من العمل داخل إسرائيل وأنهت كل أشكال الاتصال الحكومي معها.
وتُبرز الصحيفة أن محكمة العدل الدولية برأت الأونروا من تهمة عدم الحياد، في حين تواصل إسرائيل إجراءاتها لتقويض عمل الوكالة.
وتقول وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق (COGAT)، إن المنظمات التي سيتم تعليق عملياتها لم تُقدم أي مساعدات لغزة منذ بدء وقف إطلاق النار في أكتوبر، ولم تُسهم سابقًا إلا بنحو 1% من إجمالي حجم المساعدات.
تؤكد الوحدة أن تنفيذ قرار الحكومة "لن يؤدي إلى أي ضرر مستقبلي بحجم المساعدات الإنسانية" التي تدخل القطاع، مشيرة إلى أن أكثر من 20 منظمة أخرى لا تزال مرخصة للعمل.
التضييق المنهجي
من جانبها تنقل وكالة "أسوشيتد برس" أن إسرائيل ستعلق عمل أكثر من 20 منظمة إنسانية في غزة ابتداءً من عام 2026، بزعم عدم امتثالها لقواعد التسجيل الجديدة التي أُعلنت مطلع العام.
توضح الوكالة أن اللوائح الجديدة تشترط تسجيل أسماء العاملين وتقديم تفاصيل عن التمويل والعمليات، وتفرض متطلبات أيديولوجية تستبعد المنظمات التي دعت إلى مقاطعة إسرائيل أو دعمت قضايا أمام المحاكم الدولية.
يقول وزير شؤون الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي، بحسب الوكالة، إن "المساعدة الإنسانية مرحب بها، أما استغلال الأطر الإنسانية لأغراض إرهابية فهو مرفوض".
انهيار الاستجابة الإنسانية
من جانبها، حذرت منظمة أطباء بلا حدود، وفق "أسوشيتد برس"، من أن القرار سيكون له أثر كارثي في عملها في غزة، حيث تدعم نحو 20% من أسرّة المستشفيات وثلث الولادات، وتؤكد مجددًا نفيها للاتهامات الإسرائيلية.
وتوضح مستشارة الاتصالات في المجلس النرويجي للاجئين شاينا لو أن منع المنظمات من إرسال موظفين دوليين سيُلقي العبء الكامل على الموظفين المحليين المنهكين، في وقت لا تزال فيه الاحتياجات الإنسانية هائلة.
وتشير المديرة التنفيذية لمنظمة "عايدا"، أثينا رايبورن، إلى أن إسرائيل لم تؤكد عدم استخدام البيانات المقدمة لأغراض عسكرية أو استخباراتية، لافتة إلى مقتل أكثر من 500 عامل إغاثة في غزة خلال الحرب.
كما تنقل الوكالة إعلان وزارة الصحة في غزة مقتل 71266 فلسطينيًا منذ اندلاع الحرب، دون التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وهي أرقام تعدها الأمم المتحدة وخبراء مستقلون الأكثر موثوقية.
تُجسد هذه المعطيات حجم الاعتماد الحيوي لسكان غزة على المنظمات الإنسانية، في ظل دمار واسع للبنية التحتية الصحية والخدمية، واستمرار القيود المفروضة على العمل الإنساني.











