الباحث الروسي ديميتري بريجع لـ«جسور بوست»: العملية العسكرية أكبر من الملف الأوكراني (2-2)
الباحث الروسي ديميتري بريجع لـ«جسور بوست»: العملية العسكرية أكبر من الملف الأوكراني (2-2)
باحث سياسي روسي لـ"جسور بوست":
روسيا لديها توجهات تميل إلى أفكار الفيلسوف ألكسندر دوغين بإحياء أمجاد الإمبراطورية الروسية
العملية العسكرية الروسية لن تنتهي بسرعة إذا أصر الجانب الأوكراني على عدم قبول شروط موسكو
روسيا خسرت جزءاً كبيراً من الدول الغربية وأوكرانيا خسرت موسكو كحليف استراتيجي في المنطقة
موسكو أبرمت اتفاقية الحبوب لتساعدها على تخطي جزء من تداعيات أزمة العقوبات الاقتصادية
وسط غموض وضبابية لتطورات ومستقبل العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، والتي تنذر المؤشرات بأنها لم تصل بعد إلى محطة النهاية بعد 6 أشهر من الاجتياح والقصف والدمار والفوضى.
في الحلقة الثانية من حوار "جسور بوست" مع الكاتب والباحث السياسي الروسي ديميتري بريجع، والمقيم في موسكو، تحدث عن دوافع وحسابات روسيا في إبرام صفقة الحبوب، والملامح الجديدة التي قد ترسمها العملية العسكرية على مستقبل العلاقات الدولية، والتوقعات بشأن مستقبل العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا.
برأيك ما هي دوافع وحسابات روسيا في إبرام صفقة الحبوب؟
اتفاقية الحبوب تساعد روسيا على تخطي جزء من تداعيات أزمة العقوبات، لا سيما وأن الاقتصاد الروسي لم يكن جاهزا لهذا الكم الكبير من العقوبات الاقتصادية، وذلك رغم أن موسكو نجحت اقتصاديا في حل أو تجاوز أغلب العقوبات، لكنها سوف تؤثر على المدى البعيد.
والمعلومات التي تم السماح بتداولها أثناء توقيع الاتفاقية، وكذلك ما تواتر من خلال وسائل الإعلام، يمكن التفسير بأنه على الأرجح تم تلبية جزء كبير من المطالب الروسية، حيث أرادت موسكو تحقيق تفضيلات إضافية فيما يتعلق بالأسمدة والمواد الغذائية، والتي لم تكن تحت ضغط العقوبات المباشرة وذلك مقابل إزالة القيود في خدمة السفن التي تحمل هذه البضائع، فضلا عن مسألة التأمين والمدفوعات لهذه المنتجات التي يتم إنتاجها بالدولار.
لم يكن أبدا موقف روسيا من حيث المبدأ، التفكير من أجل حصار طويل الأمد فيما يخص نقل الحبوب من أوكرانيا، وهو ما تحدث عنه الرئيس فلاديمير بوتين مرارًا وتكرارًا عندما تحدث عن احتمالات تصدير الحبوب الأوكرانية، على الرغم من أن دور الحبوب الأوكرانية في مشكلة الغذاء العالمية يحمل الكثير من المبالغات.
ومع ذلك في ظل غياب الاتصالات المباشرة بين موسكو وكييف والمستوى المرتفع من انعدام الثقة، تُعد اتفاقيات اليوم إشارة إيجابية، من أجل إيجاد حل سلمي للصراع الروسي الأوكراني الذي بدأ يؤثر على الاقتصاد الدولي بقوة.
الحرب كانت بهدف توسع الناتو شرقاً.. فما الملامح الجديدة التي قد ترسمها العملية العسكرية على مستقبل العلاقات الدولية؟
الحرب على أوكرانيا سترسم خريطة سياسية جديدة وعالما متعدد الأقطاب، فقد قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في اجتماع لمنظمة الضغط Business Roundtable، إن العالم يمر بـ"نقطة تحول" تتكرر كل 3 إلى 4 أجيال، وكانت آخر حركة تغيير مرت بها البشرية في عام 1946، وبعد نتائج الحرب العالمية الثانية أسست الولايات المتحدة نظامًا عالميًا ليبراليًا.
وأعرب الرئيس الأمريكي آنذاك عن تطلعه إلى قدرة بلاده على تحديد نتائج التحولات العالمية، قائلا: "سيكون هناك نظام عالمي جديد ويجب أن نقوده، ويجب أن نوحد بقية العالم الحر".
ومع ذلك، فإن موسكو تتفق مع رؤية بايدن، بالطبع ليس في التوقعات حول عودة الهيمنة العالمية للولايات المتحدة، ولكن في تطوير تحالفات جديدة في العالم على وقع الصراع الروسي -الأوكراني، إذ قال وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف: "هذه لحظة مصيرية إنها لحظة تاريخية في التاريخ الحديث، لأنها تعكس المعركة بالمعنى الأوسع للكلمة حول الشكل الذي سيبدو عليه النظام العالمي".
كما أن اليابان وهي الجارة الشرقية لروسيا والتي تتدهور علاقاتنا معها بسرعة، تتوقع أيضًا بداية نظام عالمي معين بطريقتها الخاصة، إذ يؤيد رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا الدفع باتجاه إصلاح مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.
غير أن هذا الإصلاح الذي تدعو إليه اليابان لا يتعلق بتوسيع تشكيل مجلس الأمن -لأنها اقتراحات قدمت في وقت سابق في أوقات أكثر هدوءا- ولكن بإلغاء مجلس الأمن، حيث تتمتع روسيا والصين بحق النقض (الفيتو).
ومن وجهة نظر السياسيين في طوكيو، فإن تحييد النفوذ الصيني والروسي هو بالتحديد الذي يجب أن يصبح مفتاح الأمن العالمي، حيث لا يبدو أن احتمال البقاء في منصب الشريك الأصغر للقوة المهيمنة العالمية -الولايات المتحدة- يثير اعتراضات من الزعيم الياباني.
بالمناسبة، يبدو الانحراف التاريخي لرئيس الولايات المتحدة الحالي عن النظام العالمي الليبرالي، بعد الحرب على أوكرانيا غريبًا إلى حد ما، فمن أواخر الأربعينيات إلى أوائل تسعينيات القرن الماضي، كان الاصطفاف الجيوسياسي (الجغرافي/ السياسي) ثنائي القطب، وتحدد بالمواجهة بين النماذج الليبرالية الأمريكية والشيوعية السوفيتية.
ولم تتشكل طريقة الحياة الحالية في العالم في عام 1946 (عقب الحرب العالمية الثانية) وفقًا لبايدن، ولكن بعد ذلك بوقت طويل بشروط مع حلول عام 1991، بالحرب الباردة بين واشنطن وموسكو.
من وجهة نظرك ما هي الفرص الضائعة في العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا؟
الفرضة الضائعة هي مرتبطة بخسارة روسيا جزءا كبيرا للدول الغربية، وخسارة الطرف الأوكراني روسيا كحليف استراتيجي مهم في المنطقة.
أعتقد أن العملية العسكرية الروسية هي أكبر من الملف الأوكراني، لأنها ترتبط بتغيير النظام العالمي من الثنائية القطبية إلى تعددية الأقطاب، وهو الأمر الذي تحدث عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في معرض حديثه عن المشاكل التي تواجه الأمم المتحدة، وهذه الأفكار قريبة أو متشابهة إلى حد كبير مع أفكار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيما يخص ملف الأمم المتحدة وتشكيل النظام العالمي الجديد.
ما توقعاتك بشأن مستقبل العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا؟
إذا ما تحدثنا عن مستقبل الأوضاع بعد العملية العسكرية الروسية، فهناك حالة ضبابية ولكن الواضح أن العملية العسكرية الروسية لن تنتهي بسرعة إذا أصر الجانب الأوكراني على عدم قبول شروط موسكو، والتي تتمثل في تسليم السلاح والتغيير السياسي في أوكرانيا وتغيير الرؤية الأوكرانية الخاصة بملف شبه جزيرة القرم ومقاطعه دونباس، إلى جانب التزام كييف بعدم وجود أي أسلحة هجومية على أراضيها.
ولا أعتقد بأن الطرف الأوكراني سوف يقبل ذلك، ما ينذر باستمرار العملية العسكرية، ويعزز هذا الترجيح توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على قوانين جديدة لزيادة القدرات العسكرية الروسية، ما يعني أن روسيا ستبقى لوقت أطول قد تصل إلى سنوات، وفق تقدير وتحليل بعض الخبراء السياسيين والعسكريين الروس.
ربما يساعد على فهم المشهد إدراك أن السياسة الخارجية الروسية تغيرت كثيرا في حقبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ما كانت عليه في عهد سلفه بوريس يلتسن، الذي كان ليبراليا ويميل إلى التقارب بين روسيا والدول الغربية ومبادئ حقوق الإنسان.
لكن "روسيا بوتين" لديها توجهات مختلفة سواء في النظام السياسي الداخلي أو السياسة الخارجية لموسكو، والتي تميل إلى أفكار الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين بإحياء أمجاد الإمبراطورية الروسية، والتي تحدث عنها بوتين كثيراً في خطاباته السياسية الموجهة للداخل الروسي، وحتى للخارج وهو يقول إن موسكو يجب أن تدافع عن القومية الروسية، ويجب أن تساعد الدول القومية الروسية خارج حدود البلاد.
هذه الأفكار تتشابه إلى حد كبير مع سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذا ما قارننا بين بوتين وأردوغان فهناك تشابه كبير في السياسات الخارجية وملف العمليات العسكرية ودعم القومية، لكن بوتين يتفوق على أردوغان بأنه يحمل بعض أفكار الماضي المرتبطة بالمخابرات الروسية، والتي ترتبط بدورها بالفكر الشيوعي أو أيديولوجية حزب الرئيس الروسي المعروف باسم "روسيا الموحدة".