حمى الضنك تفتك بالسودانيين.. و"الصحة العالمية" تعترف بشح الموارد

حمى الضنك تفتك بالسودانيين.. و"الصحة العالمية" تعترف بشح الموارد

الخرطوم- الفاتح وديدي

ممثل الصحة العالمية: تغيرات المناخ أحد الأسباب الرئيسية لتفشي "حمى الضنك"

مدير إدارة الطوارئ: شح الميزانيات اللازمة يعوق الحد من انتشار المرض 

د. ابتهال أحمد: لا تتوفر أجور لعمال اليوميات في خطة المكافحة "من بيت لبيت"

الزين كندوة: الوضع الصحي يمضي للأسوأ مع المشكلات والمخالفات الإدارية

 

لم تكن أسرة المهندس عصام الدين مزمل تدري أن التعب المتواصل والإجهاد والقيء المتقطع المصحوب بدرجة حرارة مرتفعة الذي بات يصيب أفرادها هو فاشية جديدة تستقبلها البلاد.

وفي معرض حديثه لـ"جسور بوست"، " قال عصام الدين مزمل -يعمل مهندساً بإحدى شركات الاتصالات بولاية شمال كردفان الموبوءة بالمرض- إن الأعراض التي أصابت ثلاثاً من بناته قبل انتقال العدوى له لاحقاً كانت مختلفة عن مرض مثل الملاريا، ولم تتمكن اثنتان من بناته من ملاحقة واجباتهما الأكاديمية أو الذهاب إلى مدرستهما، حيث أمضى زهاء الشهر محاولاً تشخيص ما ألم بهنّ دون جدوى.

وحسب إفادة ممثل المنظمة في السودان الدكتور نعمة عابد لـ"جسور بوست"، إذ لم تتوفّر أجهزة الفحص وقت عرض الحالة بالمعامل، فتضطر السلطات الصحية لتأكيد الإصابة بإرسال عينات للمعمل المركزي في العاصمة الخرطوم، المعروف باسم "معمل إستاك"، وذلك قبل أن تتدخل منظمة الصحة العالمية بتوفير أجهزة للفحص تؤكد العينة خلال 15 دقيقة. 

الدكتور نعمة عابدالدكتور نعمة عابد

وحتى عام (2005) لم يكن أهالي ومواطنو "غربي" السودان" عُرضة للإصابة بمرض الحمي النزفية التي تفشت قبل شهرين من الآن، وأعلنت الحكومة السودانية رسمياً أن "حمى الضنك" وباء في ولايات جديدة في البلاد.

وعُرف نوع الباعوض الناقل للمرض بانتشاره في ولايات شرق السودان وتسبب في الأعوام الماضية بتفشي وباء في الشرق، بينما تم اكتشاف المرض للمرة الأولى في سبعينيات القرن الماضي بمناطق شمال السودان.

وتطابق رأي مسؤول رفيع بوزارة الصحة السودانية وممثل منظمة الصحة العالمية في السودان بأن تغيرات المناخ أحد الأسباب الرئيسية لانتقال "الضنك" من أقصى شرق البلاد وشمالها إلى غربها وتفشيها أيضاً.

وتفاقمت الإصابة بمرض حمى الضنك في انتقالاتها الجديدة لولايات غرب السودان حيث كشف مدير إدارة الطوارئ ومكافحة الأوبئة بوزارة الصحة الاتحادية دكتور منتصر محمد عثمان لـ"جسور بوست" أن آخر تحديث لحجم الإصابات بولاية شمال كردفان بلغ (2818) حالة إصابة، تم فحص (800) عينة منها، فجاءت (418) إيجابية بحمي الضنك، فيما بلغت نسبة الوفيات (5) حالات، لكن الأهالي المصابين بالهلع يرون أن الأعداد المترددة للمستشفيات أعلى من ذلك، فضلاً عن زيادة أعداد المحمولين إلى المقابر بالتزامن مع ظهور المرض.

دكتور منتصر محمد عثمان

دكتور منتصر محمد عثمان

من جهته، قلل مدير إدارة الطوارئ من نسبة الوفاة جراء الإصابة بالضنك، مؤكداً أنها قليلة جداً، مشيراً في السياق: “إذا كانت هنالك (100) ألف حالة إصابة، سيُصاب منهم نحو 100 شخص فقط بنزيف عن طريق الأنف، مما يؤدي لفقدان كميات من الدم ويكون المريض عرضة للوفاة، أما البقية فقد لا يأتون لمعاودة الطبيب نظراً لخِفة الأعراض”.

وحول ما إذا كانت وزارته جاهزة لتدخلات للمرضى الذين تسوء حالتهم، يقول منتصر: "إن الصفائح الدموية متوفّرة في جزء كبير من ولاية شمال كردفان، باعتبار أن فرق الوزارة تعمل لأكثر من شهرين لمكافحة المرض في منطقة (بابنوسة) بولاية غرب كردفان المجاورة لبؤرة المرض الحالية".

وبالتزامن مع زيادة عدد الإصابات، التي بدأت بـ(300) حالة فقط خلال شهر، فإن هنالك شكوى دائمة من انعدام الميزانيات من جانب السلطات الصحيّة لمكافحة المرض، الذي تعتمد السيطرة عليه بالأساس في سبل الوقاية.

مصاعب جمة

وتؤكد مدير إدارة الرعاية الصحية الأولية بولاية شمال كردفان، الدكتورة ابتهال إبراهيم محمد أحمد، لـ"جسور بوست" عجز وزارتها عن توفير الحد الأدنى من أجور عمال اليوميات الذين تعتمد عليهم خطة أطلق عليها "من بيت لبيت".

وتكتنف الخطة -حسب ابتهال- مصاعب جمة تتعلق بالكثافة السكانية العالية في ولايتها، التي تحتضن أكثر من مليوني نسمة.

وتنوّه إلى أن محاصرة انتشار الحمى تضطلع بها إدارتان حكوميتان بالوزارة، معنيّتان بالحميّات، حيث إن هنالك إدارة كبيرة تُعنى بمكافحة كل الأمراض؛ المعدية وغير المعدية، وبها إدارة صغيرة تُسمى إدارة مكافحة الناقل، تُعنى بمكافحة نواقل الأمراض ومحاربة كل الحشرات، الطائرة وغير الطائرة؛ من باعوض وذباب إلى ما عداهما.

وتمضي ابتهال في حديثها لـ"جسور بوست" قائلة: "لدينا مسح حشري روتيني للتعرف على النواقل، ومن خلاله تعرفنا على باعوض الزاعجة، الناقل لحمى الضنك، ما دعانا لإعداد تقرير للوزارة الاتحادية التي وجهت ببعض التدخلات في المكافحة".

وتنوه ابتهال إلى أن لديهم خطة مع منظمة الصحة العالمية نُفذت بصورة جيدة في أربع محليات (وحدات إدارية) بالولاية.

وتشير مديرة الرعاية الأساسية إلى أن المعوقات الرئيسية في عملهم الروتيني الكلفة المالية العالية للتوعية الصحية.

ويعود مدير إدارة الطوارئ بوزارة الصحة لتأكيد عدم قدرة وزارته بمقابلة تداعيات وانتشار المرض، مُقراً بشح في الميزانيات اللازمة للحد منه.

وكشف دكتور منتصر عثمان عن تلقيهم مبلغ ملياري جنيه سوداني “نحو 3500 دولار” من وزارة المالية لتنفيذ برامج الاستجابة، لكنه أشار لنفاد المبلغ مع التصدي للموجة الأولي من المرض، خاصة أن وزارته وزعت جزء كبير من المبلغ المخصص لمحاربة الحمى لعدد من الولايات، وأنهم يواجهون الحمى الفتّاكة الآن بمبلغ مليار جنيه “أقل من 2000 دولار” تم تصديقها من موارد الوزارة الذاتية.

وبموازاة، ذلك فإن منتصر محمد عثمان ينوّه لصرف وزارته لمقابلة أحداث عنف قبلي في عدد من المدن السودانية، منها الدمازين في جنوب شرق البلاد، أبو جبيهة، الجنينة، وكلينك في غرب البلاد.

ويواجه السودان مقاطعة من قبل المجتمع الدولي تحول دون تدفق المساعدات إليه منذ أكتوبر الماضي، لذلك فإن مدير الطوارئ يشير إلى أن وزارته تعمل على تركيز مُقدراتها المالية في المناطق الأكثر تأثُرا بالمرض وهي ولايتا شمال وغرب كردفان حتى الآن، ومن غير المستبعد أن يتمدد المرض إلى ولايات أخرى في دارفور، حيث سجلت ولاية شمال دارفور أيضا عدداً من الإصابات.

الموارد شحيحة

ولا يتردد ممثل منظمة الصحة العالمية بالسودان الدكتور نعمة عابد في الإفصاح عن حدوث وباء بحمى الضنك بولاية شمال كردفان، ولا يمنعه التحفظ التقليدي لممثلي المنظمات الأممية في بلد مثل السودان من الكشف أيضا عن تدني الموارد المالية لمقابلة حمى الضنك.

وفي مقابلة مع "جسور بوست"، يقول عابد إن "الموارد شحيحة والحاجة أكبر، ويصعب على الحكومة بكل ما أوتيت من موارد، والمنظمات أيضاً، محاربة المرض،" مشيراً في السياق إلى أنّ "وزارة الصحة بمفردها لا يمكن أن تقوم بواجب محاربة الفاشية".

ويتساءل عابد: "بل أين وزارة الثقافة والزراعة وكذلك حتى القوّات الأمنيّة؟"، ثم يعود مستدركا بقوله: "العبء الأكبر يقع على وزارة الصحة بمعالجة المرضى والانتباه للوفيات".

دور إيجابي 

ويكشف ممثل منظمة الصحة العالمية عن تدخلات المنظمة في المخاطر الصحية التي أقرتها الحكومة السودانية، ومن ضمنها حمى الضنك.

ولا ينسى عابد خلال حديثه إلى "جسور بوست"، أن يبدي إعجابه باستجابة منظمات المجتمع المدني والأهالي وطلاب الجامعات والمدارس فيما يتعلق بحملات مكافحة الناقل، عاداً إياها حملات مهمة باعتبار أن الباعوض الناقل لحمى الضنك يعيش بينهم في مبردات الهواء وفي الأواني المنزلية، وشدد على أنه حال لم تتوفر مشاركة فعلية ومعالجة مناطق توالد الباعوض في البيوت فمن الصعب السيطرة على المرض، وردّد: "صحيح أن هنالك حملات رش لكن الأهم حملة في كل بيت"

ويشير عابد لمفارقة أخرى بالقول إن "الإصابات التي تدخل المركز العلاجي بدأت تنحسر، بينما زادت حالات الاشتباه"، وعزا ذلك لمقدرة الفرق الصحية والمتطوعين في الوصول وعمليات الفحص، وهو ما دعاه للاستنتاج بأن الإصابات كانت أكثر بكثير من المسجلة، ومن ذلك فإن البعض لا يأتي إلى المستشفى ويذهب لتناول العلاج العشبي أو حتى إلى المشائخ.

وحول ما يتردد عن قلق الأهالي من وجود زيادة غير مكتشفة أو مسجلة في حالات الوفاة بحمي الضنك، يقول عابد: "الفرق الجوالة تعمل على توجيه أسئلة للمجتمع حول نسبة الإصابات بل ويسألون حتى خفراء المقابر هل ارتفعت نسبة الوفيات؟ وهذه المعلومات تعطي نتائج".

عجز الإمكانيات

وفي السياق، قال الصحفي الزين كندوة لـ"جسور بوست"، إن الوضع الصحي بولاية شمال كردفان يمضي بصورة متفاقمة، ويستدل على ذلك بأن المرض ظهر بمحلية شيكان وفي مدينة الأبيض تحديدا لكن سرعان ما تمدد لبقية المحليات.

ويرى أن ذلك سببه “غفلة كاملة من وزارة الصحة بالولاية، وهو يعود لأسباب إدارية حيث إن مدير عام الوزارة ينحدر من تخصص الصيدلة وليس طبيبا عمل في أقسام الصحة والمستشفيات، بجانب غياب والي الولاية المكلف طيلة الفترة التي شهدت ظهور المرض وزيادة معدلات الإصابة”.

الصحفي الزين كندوة

الصحفي الزين كندوة

وبحسب الزين فإن ذلك قاد لتراخٍ في التعامل مع المرض، ويشرح أكثر: “لم تستنفر الحكومة المنظمات والمجتمع المحلي لمحاربة المرض، هنالك ضمور وغياب للدور الحكومي، وحتى الآن يقبع الوالي في الخرطوم في ظل انتشار المرض والموت الذي عم كل الأحياء السكنية بمدينة الأبيض والأرياف”.

وكشف الزين عن أزمة تواجه المواطنين والمرضى تتمثل في عدم كفاية السِعة السريرية بالمستشفيات، وعدم توفر الأدوية، والكادر، والتردي البيئي وزيادة رقعة الناقل، وهي إفادة ربما تتسق مع ما ذكره مسؤول الصحة العالمية حيث كشف عن زيارة له خلال هذا الشهر، برفقة مختص في الحميات، إلى عدد من المرافق الصحية والعلاجية، ولقاءاته مع المواطنين هناك، بمن فيهم طلاب كلية الطب في الجامعة، منوهاً إلى أن المواطنين يقولون: "لا يوجد بيت ليس به إصابة بالمرض".
 

أزمة نقص الإمكانيات

أزمة نقص الإمكانيات


 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية