حصاد الحربات.. 4 دول عربية تسير على طريق العدالة الانتقالية في 2022
مصر وليبيا والجزائر والسودان
عقب سنوات من التوترات والاضطرابات الأمنية والسياسية، شقت 4 دول عربية طريقها نحو الحوار والمصالحة المجتمعية لتحقيق العدالة الانتقالية خلال عام 2022.
وشهدت كل من مصر والجزائر وليبيا والسودان انفراجات سياسية لا تزال تثير الجدل بين صفوف المعارضة بشأن مصداقيتها وجدواها، غير أنها تمثل في مجملها حراكا طال انتظاره.
ورغم اختلاف كل دولة في ظرفها السياسي وطبيعة أزماتها الداخلية وعلاقاتها الخارجية، لكن العام الجاري حمل بصيصا من الأمل لشعوب الدول العربية في ملف لم الشمل وإنهاء الفرقة والخصومة السياسية.
مصر
في 27 أبريل 2022، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال حفل إفطار رمضاني مع رموز سياسية وحزبية، إلى إجراء حوار بين مختلف الفصائل السياسية بهدف التأسيس لـ"وطن يتسع للجميع".
وقال السيسي آنذاك إن "الاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية"، لتكون تلك الرسالة بمثابة إشارة لحدوث انفراجة سياسية بصدور قرارات العفو والإفراج عن عدد كبير من المحتجزين على خلفية قضايا سياسية.
وفي 5 يوليو 2022، شهدت الأكاديمية الوطنية للتدريب التابعة للرئاسة المصرية غربي القاهرة، انطلاق أول جلسة تحضيرية لحوار سياسي في عهد السيسي الذي تولى مقاليد الحكم منذ عام 2014 وحتى الآن.
ولاقى تشكيل مجلس أمناء الحوار الوطني ترحيبا واسعا، إذ ضم 19 شخصية من قادة العمل السياسي والمعارضين والمستقلين، أبرزهم الناشط الحقوقي نجاد البرعي، واليساري البارز جودة عبد الخالق، والمفكر سمير مرقص (عٌين مساعد للرئيس الأسبق محمد مرسي)، وعمرو هاشم ربيع نائب مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (مملوك للدولة).
فيما فتحت تلك الإشارات الرئاسية الإيجابية الباب أمام نشطاء وسياسيين معارضين غادروا البلاد خلال السنوات الأخيرة خشية الملاحقات الأمنية من العودة إلى البلاد، أبرزهم الأكاديمي البارز عمرو حمزاوي والناشط المعارض وائل غنيم.
الجزائر
في مايو 2022، أعلنت وكالة الأنباء الرسمية بالجزائر عن إطلاق الرئيس عبد المجيد تبون، مبادرة باسم "لم الشمل"، وقالت في مقال إنه "يمد يده للجميع بصفته رئيسا جامعا".
وعقب شهرين على ذلك، أعلنت الحكومة الجزائرية، في بيان، أن وزير العدل عبد الرشيد طبي، وبتوجيهات من الرئيس تبون، "قدم مشروعا تمهيديا لقانون يتضمن تدابير خاصة للمّ الشمل من أجل تعزيز الوحدة الوطنية".
وفي الأثناء أجرى الرئيس تبون، مقابلات مع قادة أحزاب وشخصيات سياسية ومجتمعية، فيما قال في مقابلة متلفزة أواخر يوليو الماضي، إن المبادرة "بدأت منذ سنة تقريبا وستعني الجزائريين الذين أخطأوا ثم فهموا أخيرا بأن مستقبلهم مع بلادهم وليس مع السفارات الأجنبية".
وأوضح أن المبادرة "ستكون امتدادا لقوانين الرحمة (1995) والوئام المدني (1999) والمصالحة الوطنية (2005) التي تم إقرارها سابقا لمعالجة المأساة الوطنية (أزمة التسعينيات)، غير أنها كانت محدودة في الوقت وآجال الاستفادة منها كانت ضيقة".
ومطلع تسعينيات القرن الماضي، اندلعت أزمة أمنية وسياسية في الجزائر، إثر إلغاء قيادة الجيش نتائج انتخابات برلمانية فاز فيها الإسلاميون، ودامت الأزمة سنوات مخلفةً نحو 200 ألف قتيل، حسب أرقام رسمية.
ليبيا
في 9 نوفمبر 2022، دعا رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، إلى عقد لقاء جامع لكل الأطراف المعنية بالقضية الليبية برعاية الاتحاد الإفريقي وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا؛ بهدف تحقيق مشروع المصالحة الوطنية.
وعقب ذلك، دعت الأمم المتحدة كل القادة الليبيين للاستعداد والدخول في حوار وطني والخروج بموقف موحد على جميع المستويات، لوضع نهاية للمرحلة الانتقالية، من خلال إجراء الانتخابات.
ومنذ مارس 2022، تتنازع في ليبيا حكومتان إحداهما برئاسة فتحي باشاغا وكلفها مجلس النواب، والأخرى هي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.
فيما تتعثر جهود ترعاها الأمم المتحدة لتحقيق توافق ليبي حول قاعدة دستورية لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية يتطلع الليبيون بموجبهما إلى إنهاء نزاع مسلح دام منذ نحو 11 عاما.
السودان
وفي 5 ديسمبر 2022، وقّع المكون العسكري الحاكم في السودان، مع قوى مدنية بارزة في مقدمتها إعلان الحرية والتغيير، اتفاقا إطاريا لحل الأزمة السياسية المتعثرة في البلاد.
وردد رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان هتاف "العسكر للثكنات" خلال خطابه أثناء مراسم توقيع الاتفاق الإطاري للانتقال السياسي، وهو المطلب الذي شهد السودان بسببه مئات المظاهرات الاحتجاجية.
وتضمن الاتفاق 27 بندا، أبرزها تسليم السلطة الانتقالية إلى سلطة مدنية كاملة تتكون من ثلاثة مستويات دون مشاركة القوات النظامية التي منحت تمثيلا في مجلس للأمن والدفاع يرأسه رئيس الوزراء المدني.
وذكر مجلس السيادة أن الاتفاق السياسي الإطاري يمثل أساسا لحل الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، فيما اعتبرت قوى الحرية والتغيير أن هذا الاتفاق يؤسس لسلطة مدنية انتقالية حقيقية.
ومنذ أكثر من 3 أعوام، يعيش السودان مرحلة انتقالية يتقاسم خلالها السلطة كلّ من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقّعت مع الحكومة اتفاق سلام عام 2020، عقب انتهاء حكم الرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019.
شروط المصالحات العربية
بدوره، أوضح المدير التنفيذي للمركز الوطني للدراسات (غير حكومي، مقره القاهرة) هاني الأعصر، أن تحقيق جدوى الحوارات الوطنية بين الأطراف السياسية المتنازعة في الدول العربية يلزمه تحقيق اشتراطات معينة.
وأضاف الأعصر في تصريح لـ"جسور بوست" أن إنهاء حالة الاستقطابات السياسية الحادة المستمرة منذ عام 2011 تحتاج إرادة سياسية نافذة من الأنظمة العربية حتى تتحول الحوارات الوطنية إلى مصالحات شاملة.
ومضى قائلا: "هناك مساعي من بعض الدول العربية للسير قدما على طريق العدالة الانتقالية، لكن لا يزال أمامها شوطا كبيرا لتحويل حالة العداء بين التيارات السياسية إلى حالة منافسة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الجمة التي تشهدها المنطقة العربية والعالم".
وتابع أن "عودة حالة استقرار السياسي يلزمها تمثيل كافة التيارات السياسية المعارضة في مبادرات الحوارات الوطنية دون اقصاء أو استثناء للوصول إلى بر الأمان".
كما لفت الأعصر إلى تأثير الاستقطابات الدولية على مسار مبادرات المصالحات العربية، قائلا:
"هو عامل لا يمكن تجاهله حيث تساهم أطراف دولية في تعزيز الانقسامات الداخلية في بعض الدول لتحقيق أهداف أو مصالح بعينها".