حواديت المآذن …التاريخ السري للحجارة

حواديت المآذن …التاريخ السري للحجارة

خاص – جسور بوست

هل يمكن للأحجار أن تنطق وتخبرنا بحواديت من الأزمنة الماضية، لا سيما إذا كانت أحجار أشهر مآذن مصر المحروسة التاريخية، وعبر عصورها الإسلامية العتيدة، طوال ألف وخمسمائة عام؟

الحواديت  التي تختزلها أحجار المساجد كثيرة، وقد لا يمكن جمعها في كتاب واحد، لكنها تستحق أن نتوقف أمامها، ليس على مستوى سرد الحكايات فقط،  بل لتحليل ما تناقلته الكتب  منها، فالأمر ليس ببساطة حدوته ينتصر بها البطل في النهاية.

هذا ما يخبرنا إياه الكاتب المصري المهتم بشؤون الآثار والتراث والثقافة الأستاذ إيهاب الحضري، عبر مؤلفه الجديد الصادر عن دار الفؤاد للنشر والتوزيع في القاهرة.

يدعونا الكاتب للاستمتاع بالقصص والتفكير في دلالاتها،  الأمر الذي سيؤدي بنا إلى اكتشاف حقيقة مهمة وهي أن التاريخ لا يعيد نفسه، بل نحن الذين نكرر أحداثه دون وعي منا  أحيانا.

عبر مائتي صفحة يجول ويصول بنا المؤلف مع مساجد القاهرة التاريخية ومآذنها وأحجارها، يبدأ من عند أحد اشهرها.. مسجد إبن طولون والذي يحكي قصة الفاطميين في مصر وأسرارهم الغامضة والخفية، ومنها  قصة الحاكم بأمر الله الذي تدور من حوله  الأساطير،  مرورا  بمساجد السلطان حسن، ومسجد قوصون، ومسجد بشتاك، ومسجد برقوق،  ثم جامع الملكة صفية، ومسجد أبو الدهب، وغيرهم الكثير من مساجد قاهرة المعز.

من أكثر حواديت الكتاب إثارة ما يتعلق بمسجد الحاكم بأمر الله القريب من شارع المعز في قلب القاهرة الفاطمية، ولعل أحجار مأذنته لو نطقت لخبرتنا سر إختفاء المستبد العادل، صاحب الشخصية  بالغة التناقض، إذ كان مستبدا عادلا، لا تاخذه رحمة بمعارضيه، وفي الوقت نفسه يجول المدينة  ليتفقد أحوال الرعية  ويطلع على مشاكلهم.

أمر الحاكم بأمر الله بسب الصحابة حينا ثم قرر منع ذلك،  أحسن معاملة اليهود والمسيحيين لفترة ثم اضطهدهم قبل أن يعاملهم من جديد بالتي هي أحسن. لهذا يصفه المؤرخ المقريزي بأنه “كان قليل الثبات سريع الإستمالة”.

في عام 1021 م، كان الخليفة في طريقه إلى المقطم ليواصل تأملانه الفلكية التي كان مغرما  بها، لكنه اختفى في أجواء تشبه أحداث فيلم بوليسي، ولم يكن عمره يتجاوز 36 عاما وقتها، وظلت جثته مفقودة لا يعرف مكانها  حتى الآن.

هل قتلت ست الملك أخاها الحاكم بأمر الله بسبب اتهامه لها بالفجور، أم أن الرجل ترك مصر إلى بلاد المغرب ليقوم بمهمة أخرى كما تذكر بعض القراءات؟

أحجار المآذن فقط هي من يمكن أن يخبرنا الحقيقة لو نطقت، لا سيما وأنها  تحتفظ بالكثير من الأسرار المشابهة، لكنها لسوء الحظ أو لحسنه، غير قادرة على  البوح.

ما الفكرة الجوهرية في هذا العمل التاريخي الجميل والذي يتخذ من السرد الروائي أداة للوصول إلى قلوب قارئيه قبل عقولهم؟

فلسفة الكاتب تريد أن تصل بنا إلى أهمية تصحيح الأخطاء التاريخية الشفاهية، غير أن ذلك يقتضي مجهودا مضن، ولا يفترض أن ينتهي بالضرورة إلى  الحقيقة المؤكدة، فكثيرون ممن كتبوا لم يعاصروا ما سردوه من أحداث.

الحواديت عند “إيهاب الحضري”، إذن لا تحتاج إلى مقدمات، لكن العبرة  أيضا  ليست بالخواتيم، لأننا ندور عادة في حلقات مفزعة تجعل من الصعب تحديد نقطتي البداية والنهاية.. ويبقى السؤال من ينطق ويمنطق أحجار المآذن؟


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية