بين "الإهمال والمعاملة القاسية".. فلسطينيون يتجرعون الموت في سجون إسرائيل

بين "الإهمال والمعاملة القاسية".. فلسطينيون يتجرعون الموت في سجون إسرائيل

فلسطين- أحمد حرب

سلامة: لا نملك غير الانتظار لمعرفة مصير زوجي المعتقل

مقداد: زوجي يعاني من إهمال طبي تراكمي داخل السجن

فروانة: إدارة السجون الإسرائيلية تمارس القتل البطيء وتتعمد إلحاق الأذى الجسدي والنفسي

فارس: إسرائيل تعتمد سياسة مخالفة للقانون الدولي بحق السجناء الفلسطينيين

شبير: الإهمال الطبي جريمة مكتملة الأركان داخل السجون الإسرائيلية

مهنا: 3.5 مليون زيارة للسجناء الفلسطينيين منذ عام 1967 إلى الآن 

 

ظلمات تشتد سوادا، وسجون لا تعرف جدرانها الرحمة، ولا يعي سجانها معنى الرفق، يئن خلف أسوارها آلاف الأشخاص، تتنوع خطاياهم ما بين مقاومة للعدوان، أو تخطيط لاعتداء، أو خطأ إداري لا يعلم أحد سببه، لكنه يزج بالمئات خلف الأسوار.

تتوالى السنوات ويزداد السواد عتمة، ويبدأ الفلسطينيون الانتقال من مرحلة السجن إلى مرحلة المرض، فتنحل أجسادهم وتخور قواهم، ويتساقطون الواحد تلو الآخر ما بين مريض وصل لمرحلة متأخرة، وما بين جثة خرجت منها أنفاسها الأخيرة، فيتسلمها الأهل ليودعوها مثواها الأخير.

كل هذا يحدث في ظل صمت دولي ونداءات فلسطينية متكررة لا يسمعها أحد -وفق شهادات حية من أهالي بعض الفلسطينيين القابعين خلف أسوار السجون- حيث يطالب الكثيرون بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لتوفير الأدوية والعلاج اللازم، والالتزام بالمعايير الحقوقية والإنسانية الدولية بحق السجناء والمحتجزين.

آخر قضايا الإهمال الطبي من قبل إدارة السجون الإسرائيلية كانت مع الأسير المتوفى ناصر أبوحميد، 50 عاما، الذي أعلن عن وفاته نهاية ديسمبر الماضي في مستشفى "أساف هروفيه" الإسرائيلي بعد أشهر من المعاناة والإهمال، بعد تشخيص إصابته بسرطان الرئة، ليرتفع بذلك عدد ضحايا الحركة الأسيرة إلى 233 قتيلا منذ عام 1967، منهم 74 ارتقوا نتيجة سياسة الإهمال الطبيّ.

كانت عائلة “أبوحميد” قد أعلنت في 8 سبتمبر الفائت عن تقارير طبية أجريت له تفيد بدخوله مرحلة ميؤوسا من علاجها، بعد تفشي المرض بأماكن متعددة من جسده الذي بات يرفض العلاج الكيماوي، مطالبين بالإفراج الفوري عنه ليقضي أيامه الأخيرة بين عائلته، إلا أن سلطات الإسرائيلية رفضت هذه المناشدات وطلبات قانونية لاحقة تقدمت بها العائلة.

المرض الفتاك

تقول سناء سلامة زوجة الأسير الفلسطيني داخل السجون الإسرائيلية، وليد دقة، في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، إن زوجها المسجون منذ 35 عاما من باقة الغربية في فلسطين والمصاب بمرض السرطان منذ شهرين، ترفض إدارة السجون توفير العلاج الدوائي لمواجهة مرضه الفتاك، لافتة إلى أن زوجها غير متواجد في المستشفى بل تمت إعادته إلى سجن عسقلان الإسرائيلي بعد تشخيصه بشكل نهائي وينتظر العلاج الذي سيستغرق وقتا لتوفير من قبل إدارة السجون جراء الإجراءات الإسرائيلية البطيئة، مؤكدة أن وضع زوجها غير مستقر ويعاني آلاما شديدة.

وأوضحت “سلامة”، أنها لا تملك غير الانتظار والترقب خلال الأشهر القادمة لمعرفة مصير زوجها، مردفة: "أن الحالة التي وصل لها هي نتيجة الإهمال الطبي وبسبب الاعتقال لأكثر من 35 عاما، وضعف المتابعة والعلاج له أوصلته إلى الإصابة بمرض السرطان النادر وهو التليف القلوي"، وأنها بصدد تقديم استئناف لدى المحكمة الإسرائيلية للسماح له بتلقي الأدوية للازمة لمواجهة مرضه.

وطالبت الزوجة بالضغط على إسرائيل لتوفير العلاج للمرضى، مذكرة بقصة ناصر أبوحميد الذي عانى لمدة عامين ولم يتم التحرك بشكل كبير لإنقاذ حياته، وفي نهاية الأمر توفي، وترفض إسرائيل تسليم جثته لعائلته مسببة معاناة أخرى.

سناء سلامة

سناء سلامة

 

 

صورة من التقرير الطبي الخاص بالسجين الفلسطيني وليد دقة

الإهمال تراكمي

وفي السياق ذاته تسرد ريم مقداد، زوجة المحتجز في السجون الإسرائيلية يوسف مقداد، البالغ من العمر 61 عاما من قطاع غزة، والمعتقل منذ 14 نوفمبر 2002، والمحكوم عليه بالسجن 21 عاماً، تقول لـ"جسور بوست": "في اليومين الماضيين تعرض زوجي لوعكة صحية نقل على أثرها إلى مستشفى سوروكا الإسرائيلي، ثم نقل إلى عيادة سجن نفحة الإسرائيلي، وهو الآن يعاني من الآلام شديدة نتيجة الإهمال الطبي التراكمي داخل السجن".

وأكدت “مقداد”، أن زوجها تعرض قبل أسبوعين أيضا إلى حالة إغماء وضيق في التنفس وتوقف في القلب ولم تتعامل إدارة السجون الإسرائيلية مع حالته بشكل جدي، بل على العكس تمت إعادته للسجن.

ريم مقداد

ريم مقداد

عام 2022 الأسوأ بحق السجناء 

بدوره، أكد رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة الأسرى والمحررين الفلسطينيين عبدالناصر فروانة لـ"جسور بوست"، أن عام 2022 هو الأسوأ على أوضاع المحتجزين الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية من حيث الإهمال الطبي وتفشي الأمراض الخطيرة وزيادة أعداد المرضى، وهذا يدلل على أن الأوضاع صعبة وقاسية.

وكشف “فروانة”، عن أن هناك 4700 معتقل فلسطيني داخل السجون الإسرائيلية موزعين على 23 سجنا ومركز توقيف، منهم 29 امرأة و150 طفلا و835 محتجزا إداريا و552 سجينا بالحكم المؤبد، وهناك أكثر من 600 سجين يعانون من الأمراض المختلفة، منوها أن هذه الأرقام قابلة للتغير.

عبدالناصر فرواتة

عبد الناصر فروانة

إلحاق الأذى النفسي والجسدي

وشدد فروانة على أن الإهمال الطبي من قبل إسرائيل بحق السجناء الفلسطينيين هو منظومة تستهدف حياة السجناء وأوضاعهم الصحية، وأن كل المؤشرات تؤكد أن إدارة السجون الإسرائيلية تمارس القتل البطيء وتتعمد إلحاق الأذى الجسدي والنفسي من خلال الإجراءات المتبعة التي تقود إلى استفحال الأمراض التي يصعب علاجها، ما تسبب بمقتل العشرات داخل السجون وخارجها من خلال الأمراض التي ورثوها من سنوات السجن.

وبين أنه من حق السجين الرعاية الصحية الكاملة والعلاج المناسب، وهذا لم يحدث داخل السجون الإسرائيلية نتيجة ظروف الاحتجاز الصعبة والقاسية، موضحا أن الرعاية الطبية متدنية للغاية إلى جانب المماطلة في تقديم العلاج وإجراءات الفحوصات اللازمة والتشخيص الصحي، وأن هناك عددا من السجون التي بها محتجزون فلسطينيون قريبة من مفاعل ديمونة الإسرائيلي، وبالتالي البيئة المحيطة في تلك المنطقة ملوثة وتساعد على انتشار الأمراض النفسية والجسدية.

صعبة ومعقدة

من جانبه قال رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس لـ"جسور بوست"، إن أوضاع الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية صعبة ومعقدة وبائسة، وذلك نظرا لأن إسرائيل لا تكتفي بالعقوبة التي فرضتها المحاكم الإسرائيلية، بل تمارس عقوبة في طعامهم وعلاجهم وجعلهم في حالة استنزاف وتوتر دائمين.

وأكد "فارس"، أن إسرائيل تعتمد على مدار التاريخ مجموعة من السياسات تجاه السجناء الفلسطينيين، التي تتناقض كليا مع كل النصوص التي ذكرها القانون الدولي الخاصة بالحقوق التي يجب أن يتمتع بها المعتقلون، موضحا أن القبض الإسرائيلي المستمر بحق الفلسطينيين بمثابة حرب على الشعب الفلسطيني واستنزاف مستمر لهم من خلال ممارسة سياسة التعذيب.
 

قدورة فارس

قدورة فارس

بيئة محفزة 

وكشف فارس لـ"جسور بوست" أن البيئة التي يعيش فيها السجناء الفلسطينيون هي بيئة محفزة للأمراض، حيث لا توجد إنارة جيدة، ولا أغطية كافية في الشتاء، ولا طعام جيد من حيث النوعية أو الكمية، منوها أنه منذ للحظة الأولى التي يشكو فيها المحتجز الفلسطيني من المرض لا يتم التعامل معه وفق المعايير الطبية المعروفة عالميا، بل يحتاج الأمر إلى أشهر، وفي حالات كثيرة إلى سنوات.

وأوضح أنه منذ عدة سنوات وفي الوقت الذي زج بقضية المعتقلين الفلسطينيين داخل الأروقة السياسية الإسرائيلية، بدأت الأحزاب الإسرائيلية تتسابق في خلق قوانين الإعدام وتصعيب حياتهم داخل السجن، وبالتالي أصبح واقع المحتجزين داخل السجون أكثر صعوبة وقسوة.

جريمة مكتملة الأركان

في السياق، قال أستاذ القانون العام محمد شبير لـ"جسور بوست"، إن اتفاقيات جنيف فرضت على إسرائيل باعتبارها قوة تسيطر على الأرض الفلسطينية العديد من الالتزامات، قبل أن تكون قانونية هي أخلاقية، وهي أن تراعي التعامل مع السجناء وفق كافة الحقوق، وفق تلك الاتفاقيات والمواثيق والإعلانات الدولية، مشيرا إلى أن السجين له العديد من الحقوق، أهمها الحق في العلاج والرعاية الطبية ووجود طبيب متخصص يقوم بالكشف الدوري عن حالته الصحية بما يضمن سلامتهم داخل السجون الإسرائيلية.

وبين أن إسرائيل لا تلتزم بالاتفاقيات ولا تعطي السجناء الفلسطينيين أيا من الحقوق، بل إنها تمعن في مخالفة القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف في إطار تعاملها مع المعتقلين، إذ نجد أن الإهمال الطبي هو عنوان تتبناه إدارة السجون الإسرائيلية، ما يؤدي إلى وفاة العشرات آخرهم ناصر أبوحميد الذي واجه الإهمال الطبي، وهو جريمة مكتملة الأركان، من خلال القتل بالامتناع عن تقديم المساعدة والرعاية الطبية له.

محمد شبيرمحمد شبير

قانون الإعدام

وبيّن أن هناك العديد من الانتهاكات التي يواجها السجناء الفلسطينيون داخل السجون الإسرائيلية، جراء سياسة غير أخلاقية وغير إنسانية تعتمدها إدارة السجون في تكريس الجهود، من خلال قطع التواصل والاتصال الطبيعي مع ذويهم وأسرهم وتحرمهم من الزيارات الدورية، وهذا انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف، موضحا أن إسرائيل تمارس العقاب الجماعي، وهذا مجرم حسب النظام الأساسي لمحكمة لاهاي الدولية.

وأكد أن أخطر الانتهاكات الإسرائيلية وآخرها ضد المحتجزين الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، هو قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتصريح علنا بتشريع قانون إعدام السجين الفلسطيني، وبذلك يكون إعداما للقانون الدولي الإنساني الذي كفل لكل سجين الحق في الحياة والسلامة البدنية. 

3.5 مليون زيارة منذ عام 1967

وأكد المسؤول الإعلامي بمنظمة الصليب الأحمر في الأراضي الفلسطينية هشام مهنا لـ"جسور بوست"، أن الصليب الأحمر يتابع منذ عام 1967 وحتى الآن ملف السجناء الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، وفق الاتفاقيات والقانون الدولي الإنساني من خلال الإجراءات المتبعة للمنظمة في كافة أنحاء تواجدها، ليس فقط في فلسطين، حيث تقوم الفرق بالزيارات للمحتجزين والحديث معهم ومراقبة أوضاع احتجازهم داخل السجون، ونقوم بمشاركة التقارير مع سلطات الاحتجاز (إسرائيل) ضمن حوارات ثنائية غير معلنة، من أجل إبقاء تمتع السجناء بالحقوق المنصوص عليها في كل الأوقات".

هشام مهنا

هشام مهنا

وقال "مهنا"، إن الفرق التابعة للمنظمة تقوم بشكل دوري بإيصال الرسائل من السجناء إلى أهاليهم والعكس بهدف الإبقاء على أواصر الأسرية، مشيرا إلى أن تنظيم برنامج الزيارات لأهالي المحتجزين داخل السجون الذي استؤنف خلال شهر مارس/ 2022 وحتى الآن مستمر، حيث تلقى خلال العام الماضي 3300 محتجز فلسطيني زيارات من قبل أسرهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، وما يقرب من 2100 زيارة تم إنجازها خلال عام 2021 من قبل فرق للجنة الدولية للمحتجزين داخل السجون، ووصل عدد الزيارات منذ عام 1967 إلى الآن ما يقرب من 3.5 مليون زيارة عائلية للمحتجزين الفلسطينيين داخل السجون.

وأفاد بأنه من أهم الملفات التي تتابعها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الأراضي الفلسطينية عن كثب هو ملف السجناء المرضى والمضربين عن الطعام، ونسعى للعمل على تنفيذ مطالب المحتجز الفلسطيني الإنسانية على الأقل، وفق مراعاة مبادئ القانون الدولي الإنساني.

وتواصل إسرائيل احتجاز 118 جثمانا في الثلاجات، بينهم 12 طفلا، و11 آخرين، آخرهم ناصر أبوحميد، إضافة إلى سيدتين، كما تحتجز 256 جثمانا في ما يسمى مقابر الأرقام، فيما يوجد 74 مفقودا فلسطينيا حتى الآن.


 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية